الوقت غير مناسب للتراجع في مسألة فنزويلا

نشر في 04-06-2019
آخر تحديث 04-06-2019 | 00:00
 ريل كلير بعد مرور أربعة أشهر على حشد الضغط الدولي ضد نظام نيكولاس مادورو في فنزويلا، يجب أن تمنع إدارة ترامب صفقة ستترك السلطة في كاراكاس بين أيدي مجرمين. طوال عشرين عاماً، لم يقدّم السياسيون المنشغلون بمصالحهم ما يتخطى الوعود الفارغة والانتخابات المزورة في حين عمل هوغو تشافيز ومعاونه مادورو على ترسيخ حكم مستبد يقوم على تجارة المخدرات، واليوم تهدد خطوة نحو تسوية مقيتة مع النظام بتبديد جهود الولايات المتحدة للإطاحة بمادورو.

كرر نائب الرئيس الأميركي مايك بنس مراراً: "انقضى زمن التفاوض"، لكن الحكومة المؤقتة، التي تدعمها الولايات المتحدة، أعلنت لتوها أن وقت التفاوض حان هذا الأسبوع في أوسلو، واعترف الوسطاء النرويجيون بمادورو كرئيس لا كمغتصب للسلطة، علماً أن هذه نقطة انطلاق تجعل محادثات أوسلو عقيمة، ومن الغريب أيضاً أن رئيس فنزويلا المؤقت خوان غوايدو، الذي دعمته واشنطن إلى أبعد الحدود، تقبل الدعوات إلى حوار مفتوح، أما وزارة الخارجية، فأصدرت إعلاناً مثيراً للريبة مؤكدةً أن "المسألة الوحيدة التي يمكن التفاوض بشأنها مع نيكولاس مادورو هي شروط رحيله".

سمحت سنوات من المفاوضات للنظام بشراء الوقت وتعميق جذوره، حتى إن الجهود الأخيرة التي بذلتها المعارضة للتفوق على مادورو أخفقت، فصممت ثورةَ 30 أبريل ضد مادورو المعارضة بالتعاون مع راوول غورين، ثري فاسد اتهمته محكمة فدرالية أميركية بالنهب وتبييض أموال أعوان النظام. يشير خبر عالي المصداقية نُشر إلى أن غورين وعد وزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز، رئيس المحكمة العليا غير الشرعي مايكل مورينو، وعدداً من الجنرالات بأن الولايات المتحدة ستسقط العقوبات عن كل مَن يتخلى عن مادورو، ولكن عندما أعلن غوايدو "عملية الحرية"، دعم بادرينو ومورينو النظام وفضحا الخطة.

لم يكن للعقوبات المالية الأميركية تأثير كبير في ثروة النظام من الأصول المنهوبة، إذ تشكّل المبالغ الكبيرة المخصصة للأزمات والحروب وعائدات الكوكايين ومبيعات الذهب الإسمنت الذي يحافظ على تماسك هذا النظام المجرم. علاوة على ذلك، يدرك قادة النظام أن المدعين العامين الفدراليين الأقوياء في فلوريدا، وهيوستن، ونيويورك لن يعمدوا إلى إلغاء التهم الموجهة ضد المسؤولين في هذه الدولة القائمة على بيع المخدرات وكبار مبييضي الأموال فيها.

علّق بعض داعمي غوايدو، قبل لجوئهم إلى غورين، آمالهم على هيوغو كارفاخال، جنرال متقاعد من أبرز مؤيدي التشافيزية اتُّهم مرتين في الولايات المتحدة بتهريب الكوكايين، فقد انشق كارفاخال عن النظام محدثاً ضجة كبيرة في شهر فبراير ومصوراً نفسه بطريقة منافية للمنطق بأنه مناضل يحارب الجريمة وسئم فساد مادورو، ولكن سرعان ما تبيّن أنه كان وسيلة اختبار استخدمها مسؤولو النظام.

تذكر مصادر إعلامية أن كارفاخال تآمر في الأسابيع التالية في أوروبا مع رافاييل راميريز، سياسي بارز منفي من أنصار التشافيزية يسعى بدأب إلى تأسيس نظام في كاراكاس يحمي الأموال الطائلة التي اختلسها، حسبما يُفترض، عندما كان رئيس شركة النفط الحكومية الفنزويلية. لكن مناورة كارفاخال أخفقت حين اعتُقل في إسبانيا بطلب من السلطات الأميركية.

إذا مكّنا رجالاً مثل غورين وكارفاخال لتنظيم ثورة ضد مادورو، فسيفرضون شروطهم على مستقبل فنزويلا، إلا أن ملاحقة مهربي المخدرات والإرهابيين وطرد أعوان كوبا وعصابات المخدرات الكولومبية لن يكونا ممكنين إذا ظل المجرمون جزءاً من بنية السلطة.

والأسوأ من ذلك أن تخفيف واشنطن العقوبات عن كل مَن يتخلون عن مادورو ومنحهم عفواً شاملاً سيضفي شرعية على اتفاقات تشاطر السلطة غير الملائمة البتة، وخصوصاً أن نتيجة مماثلة ستترك مستقبل فنزويلا ومصالح الولايات المتحدة ونفوذها في وضع أشد سوءاً من أي وقت مضى.

لا شك أن الحوار المبهم الذي يرعاه النرويجيون أو مجموعة الاتصال الدولية التي يدعمها الاتحاد الأوروبي سيؤديان إلى نتائج سلبية أكثر منها إيجابية، لذلك على الولايات المتحدة وشركائها الديمقراطيين الأساسيين أن يعمدوا إما إلى عرقلة المحادثات أو تولي إدارتها، ومن الضروري أن يطالب أي إطار عمل للعملية الانتقالية برحيل مادورو وأعوانه، وتفكيك النظام وعصاباته الإجرامية، وإعادة بناء المؤسسات الديمقراطية، وتنظيم انتخابات نزيهة، وتسليم كل الأصول المسروقة والمكاسب غير المشروعة، وطرد مثيري الشعب الأجانب.

لكن الدبلوماسيين الأميركيين أضعفوا موقفهم بمعارضتهم إعلان الرئيس ترامب الأول عن أن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة"، فأدى خطأهم المتهور هذا إلى رفع المخاطر التي تواجهها مصداقية الولايات المتحدة، في حين عمدت روسيا إلى تعزيز دعمها لمادورو، ومن المؤكد أن السماح لسياسيين فنزويليين بتحديد المسار الذي ستسلكه واشنطن سيشكّل خطأ آخر، شأنه في ذلك شأن السعي إلى عقد صفقة لتشاطر السلطة مع نظام يدعمه بوتين.

يعيدنا هذا إلى نقطة الانطلاق، فعند التعاطي مع نظام مجرم يسيء إلى ملايين الفنزويليين، الاستقرار الإقليمي، وأمن الولايات المتحدة، من الضروري أن تكون كل الخيارات، باستثناء عقد صفقة مع مادورو والمتآمرين معه، مطروحة على الطاولة.

* روجر نورييغا

*«ريل كلير وورلد»

back to top