صقر الرشود حقق المعادلة الصعبة مسرحياً وتلفزيونياً (2 - 2)

توفي في 25 ديسمبر 1978 بالإمارات إثر حادث سير

نشر في 03-06-2019
آخر تحديث 03-06-2019 | 00:00
لم يقتصر نجاح الفنان الراحل صقر الرشود على الساحة الفنية الكويتية، بل امتد إلى الساحة العربية، فحصد الجوائز ونال تقدير المسرحيين العرب أينما عرض أعماله التي لا تبرح الذاكرة، رأينا في الحلقة السابقة كيف ساهم تنوع الثقافات التي عاشها الفنان صقر الرشود منذ صغره، في إثراء تجربته الحياتية ثم الفنية، حيث عاش في طفولته بالهند مرافقاً لوالده الذي كان يعمل في تجارة اللؤلؤ، وخلال هذه الفترة أتقن لغة الأوردو، واطلع على ثقافات بلاد الهند المتنوعة، كما تعلم اللغة الإنكليزية، وعقب العيش في هذا البلد المترامي الأطراف، انتقل إلى العيش في المملكة العربية السعودية، وانخرط في حلقات الذكر بالحرم المدني.

وتزامن ظهور الرشود مع بداية مرحلة جديدة في عمر المسرح الكويتي، تتمثل في الاعتماد على النص المكتوب، والتخلي عن الارتجال الذي كان سائداً في تلك الفترة، وانطلق الرشود ذو الـ 17 عاما في فرقة المسرح الشعبي عام 1958، وعندما بلغ 19 عاما بدأ أول خطواته المسرحية بكتابة مسرحية «تقاليد» للمسرح الشعبي، وذلك في عام 1960، واتسمت تجربة الراحل بالشمولية، لأنه مارس التمثيل والكتابة والإخراج، كما كان له تجربة في التقديم التلفزيوني. وفيما يلي نستعرض أبرز المحطات في مشوار الراحل صقر الرشود:

عقب حصول المخرج صقر الرشود على إشادة كبيرة لما يقدمه من أعمال تخاطب العقل وتحمل جمال المضمون والشكل، كمسرحية «حفلة على الخازوق»، تأليف محفوظ عبدالرحمن، ومسرحية «علي جناح التبريزي وتابعه قفه»، تأليف ألفريد فرج، بدأ اسمه ينتشر عربياً، وكان هذا النجاح ثمرة جهد جماعي لنجوم المسرح في الكويت الذين يعملون مع الرشود بجد واجتهاد، رغبة في وضع اسم الكويت على خريطة الفن العربي، واستطاع الرشود تحقيق المعادلة الصعبة من خلال تقديم أعمال باللغة العربية الفصحى نالت إعجاب الجمهور، وحصدت النجاح، كما أنه قدم مسلسلاً تلفزيونياً «اشحفان القطو» يعد الأشهر إماراتياً، وبذلك يكون قد حقق النجاح مسرحياً وتلفزيونياً، وقدّم الرشود مسرحيات أخرى منها و»الواوي»، وهي ثلاثية تقع كل واحدة في فصل واحد: «هدامة» تأليف مهدي الصايغ، و»تحت المرزام» تأليف نواف أبوالهيجا، و»مجنون سوسو» تأليف محمد السريع.

ثم قدّم مسرحية «متاعب صيف» تأليف سليمان الخليفي، وفي عام 1977 قدم الرشود مسرحية «حفلة على الخازوق» برؤية جديدة وعرضها على خشبة مسرح سيد درويش في الهرم بمصر ضمن نشاطات الأسبوع الثقافي الكويتي.

وفي مايو من العام نفسه عرضت في مهرجان دمشق للفنون المسرحية، وعقب ذلك أخرج مسرحية «عريس لبنت السلطان» تأليف محفوظ عبدالرحمن، عرضها في أبوظبي والشارقة والجزائر وليبيا.

المسرح القومي الإماراتي

وبعد ذلك، انتدب للعمل في الإمارات، وأخرج الرشود فيها مجموعة من المسرحيات من بينها: «شمس النهار» (1977) في إمارة أبوظبي أخرجها بناء على دعوة من عبدالرحمن الصالح، وكانت المسرحية الأولى التي تبث على الهواء مباشرة على شاشة تلفزيون أبوظبي.

ومسرحية «السندباد» (1978)، تأليف محفوظ عبدالرحمن قدمتها فرقة مسرح الإمارات القومي، ثم «الأول تحول» (1978)، تأليف د. عبدالله السريع، قدمتها فرقة مسرح الإمارات القومي، ومسرحية «شمس النهار»، تأليف توفيق الحكيم، وقدمت على مسرح الشارقة الوطني. كما أشرف الرشود على تنفيذ المسلسل الإماراتي الأشهر «إشحفان القطو».

مشاريع لم تكتمل

وكان لدى الرشود مشاريع أخرى يسعى إلى تنفيذها في دولة الإمارات العربية المتحدة، لكنه توفي قبل انجازها، ففي فجر يوم 25 ديسمبر 1978 بدولة الإمارات توفي إثر حادث سير وهو يمارس عمله وواجبه الوطني مستشارا مسرحيا في وزارة الإعلام والثقافة، وأُطلق اسمه على المسرح الذي أسس في إمارة رأس الخيمة عام 1976 وعلى المسرح الشعبي في إمارة دبي تخليدا لذكراه.

أثمن الثروات

بعد وفاته أصدر مجلس إدارة مسرح الخليج العربي بياناً تضمن كلمة المسرح جاء فيها:

«ما الذي تقوله الإدارة، أي إدارة لأي مشروع أو مؤسسة أو جمعية، عندما تفقد أعظم مشاريعها أو أثمن ثرواتها؟، لقد فقدنا فيه المعلم والمنظّر والفنان ورجل المسرح الصادق مع نفسه ومع الآخرين. كان اسمه يسبق الجميع، بل إننا نُعرف نسبة إليه، الكل يعرفنا من خلاله، وكان المسرح يسمى «جماعة صقر الرشود»، وكنا نفخر، كان يقول إن الجميع أدوا واجبهم ويحترم أصغر الزملاء ويقيم لهم وزناً.

إن إدارة مسرح الخليج العربي الحالية تشعر بأنها تحمّلت عبئاً كبيراً بغيابه، لأنه وهو هناك في بلده الثاني دولة الإمارات كان يحدثنا هاتفياً ويطمئن على حسن سير العمل في الفرقة.

كان يريد أن تظل قوية متألقة ومتآزرة، لأنه صنع منها أسطورة بالتفاهم وحسن التعامل والتماسك، حتى أضحت مضرب المثل في الالتزام بالتوجه القومي التقدمي والتزام أعضائها بالمواعيد المحددة للعمل الفني.

إن إدارة المسرح الحالية تشعر بالأسى العميق، وتدعو الزملاء كافة إلى الالتفاف حول بعض والتفاني في سبيل الفرقة، من أجل المحافظة على ما حققته من إنجازات رائعة بقيادته الفنية المثالية. قال رحمه الله مرة: «لو فكرت في عمل مسرحي، فلن أترك «مسرح الخليج العربي» أبداً، إنه شبابي وحلمي، إنه عمري».

وبعد، فإن مجلس الإدارة ليرجو أن يتمكن من أداء واجبه، على رغم الحيرة التي تنتاب كل المسرح، وأن يتمكن المسرح قريباً من لملمة جراحه والتغلب على صعوباته، لمتابعة الدرب وتقديم المزيد من الأعمال الناجحة.

شهادات الأصدقاء

وعقب وفاته، قدم أصدقاء الراحل شهادات من واقع علاقتهم به، حيث قالت الفنانة سعاد عبدالله: «ستظل يا أبا فراس كوكباً يسير في المدار نفسه الذي أراده صاحبه له، ستظل بين ظهرانينا وفي وجداننا وأفئدتنا وقلوبنا وعقولنا ومشاعرنا فناناً رائداً ومعلماً كبيراً وإنساناً صورته مشرقة ومضيئة، وتشعّ وهجاً علمياً مسرحياً لكل من يسير مع الحركة المسرحية التي وطدت أنت دعائمها».

بدوره، قال رضا الفيلي: «حقاً إنها لخسارة كبيرة، تلك التي فجعنا بها برحيل فقيد الفن الفنان صقر الرشود، كانت أعماله الملتزمة شاملة وحافلة، وستظل بيننا دائماً وأبداً، لتشير إلى نبوغ هذا الفنان الذي أعطى بلده ووطنه العربي أرقى الفنون وأعلى المثاليات». في حين قالت الفنانة حياة الفهد: «تعلمنا الكثير على يدي صقر الرشود، وكان دائماً معلماً يعطي الكثير الكثير بلا حساب، إن في ذكراه دروساً مستفادة».

أما زميلتها الفنانة مريم الصالح فقالت: «فقد صقر الرشود يعتبر فجيعة ونكسة كبيرة حلّت في نفوسنا، ونحن نواصل المسيرة من بعده، ونودّ لو بقي بيننا معلماً ورائداً، لكنها إرادة الله الذي لا راد لقضائه».

وفي السياق ذاته، أعرب أحمد الصالح عن حزنه الشديد قائلا: «الفجيعة التي ألمّت بنا كبيرة على مشاعرنا، لأن صقر الرشود قدّم ما لا يستطيع أحد أن يقدمه، لأنه فنان فريد من نوعه».

أما الفنان خالد العبيد فقال: «لم تمت يا صقر المسرح، لأنك باق معنا في التركة التي ورثتها لنا، وهي نعم التركة الثقافية المسرحية والمسرح الملتزم».

من جانبه، قدم الفنان فؤاد الشطي شهادة جاء فيها: «لا شك في أن للراحل القدير صقر الرشود دوراً كبيراً في إثراء الحركة المسرحية الكويتية والعربية بأعمال شهد لها الجميع بقوة الطرح وبشكل فني متطور، بالتالي يستحق منا أن نفتقده دائماً كرمز من رموز الحركة المسرحية العربية.

«القرين» الـ 14 يحتفي بتجربة الرشود الفنية في منارات ثقافية

احتفى مهرجان القرين الـ 14، الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بالراحل صقر الرشود، حيث نظم محاضرة بعنوان «منارات ثقافية»، حاضر فيها د. محمد مبارك بلال والكاتب عبدالعزيز السريع، وأدار الجلسة د. يعقوب الغنيم.

واستهل مدير الجلسة د. يعقوب الغنيم حديثه متطرقا إلى البصمة التي وضعها الفنان صقر الرشود في تاريخ المسرح الكويتي، مشيرا إلى حدة خاطره ونفاذ بصيرته الفنية وقدرته الهائلة على تحويل المتخيل إلى مشروع وفعل يثمر نتيجة إيجابية.

وأكد الباحث د. محمد مبارك بلال من خلال ورقته البحثية، أهمية البيئة الفنية التي ساهمت في تشكيل عمل المبدع وتطويره، ثم الارتقاء بالذائقة الجماهيرية، موضحا أن الواقع المسرحي في حقبة الستينيات المقسم بين مسرح محمد النشمي (العامي)، ومسرح زكي طليمات (التعليمي) دفع الدماء الجديدة إلى التمرد على هذين الشكلين، والبحث عن بديل يعبّر عن أسلوب أرقى في الكتابة والتعامل الفني مع العرض المسرحي، وكان من ضمن هذه المجموعة الرافضة لهذا الواقع الفنان صقر الرشود، مقتدياً هو وزميله عبدالعزيز السريع بتجارب المسرح الأوروبي الحديث، معتمدين على الأفكار والرموز في الشخصيات والحبكات المسرحية.

كما تحدث عن مرحلة التأليف في مشوار الرشود، موضحا أن هاجس الرفض لتقاليد الكتابة والعروض المسرحية الكوميدية المرتجلة دفعه إلى اتباع نظام شديد الصرامة في طبيعة ثيمات مسرحياته وشخصياتها وأحداثها، مؤكدا أن المسرحيات التي ألّفها بالاشتراك مع زميله عبدالعزيز السريع كانت أقرب إلى النضج الفني من المسرحيات التي ألّفها منفردا، ولهذا فإن هذه النصوص أفسحت لصقر الرشود فرصة التجديد والتجريب في مجال الإخراج.

قواسم مشتركة

وأشار د. بلال إلى اتجاه الرشود إلى الخيار الأدبي كحل ومدخل لشكل مسرحي كويتي جديد ومتميز، مقدما نموذجا للدراما الغربية الحديثة بروح كويتية، متجاوزا مشكلة النقص في العناصر المادية للعرض المسرحي، ومركزا على أدوات الممثل والفكر، موضحا أن رحلة الرشود الإبداعية كانت محفوفة بمعارك التغيير والإنجازات، ومشيرا إلى تواصل الرشود وزميله السريع بروافد واتجاهات المسرح العربي متأثرين بكل ما يدور فوق خشبة المسارح العربية.

السمات الإنسانية

تحدث الباحث عبدالعزيز السريع عن السمات الإنسانية لرفيق دربه صقر الرشود، مركزا على المواقف المشتركة بينهما وعن علاقته بأسرته وبزملائه، بحكم وجود قواسم مشتركة بينهما دفعتهما إلى الاشتراك في كتابة أعمال مسرحية كثيرة، حققت نجاحا كبيرا من خلال مضمونها المتزن الذي يمزج بين الفرجة المسرحية والأفكار الجريئة.

وقال السريع: من خلال تجربتي معه منذ عام 1963 إلى يوم وفاته في عام 1978، تعرفت خلال هذه الفترة على صفاته عن قرب، فهو حاد المزاج يحب بعمق، لكنه ينسى نفسه في حال التوتر والاضطراب، لا يكره أحدا، بينما هو سريع الغضب، مشيرا إلى نفاذ بصيرته الفنية، ومتذكرا مسرحية «حفلة على الخازوق» التي تتضمن مشهد الصناديق، مقترحا على الرشود حذف المشهد، نظرا إلى تذمر المسؤولين في المسرح من كمية الأخشاب المستخدمة ونوعيتها الباهظة الثمن، ومؤكدا تمسك الرشود بهذا المشهد.

وبعد العرض نال هذا المشهد استحسان الجمهور والنقاد، وبات علامة فارقة ومن المشاهد التي رسخت في ذاكرة الجمهور على مدى الأعوام.

كما تحدث عن شجاعته وقوة تحمّله في الظروف الصعبة، مشيرا إلى مشاركته في مسرحية «علي جناح التبريزي وتابعه قفّه»، ضمن مهرجان دمشق للفنون المسرحية في عام 1975 وتقديم العرض المسرحي ضمن المسابقة الرسمية، بالرغم من وفاة ابنه.

وأشار إلى علاقة الرشود بالفنانين والمؤلفين العرب الذين اشترك معهم في أعمال مسرحية وظروف انضمامه إلى فرقة مسرح الخليج وتحقيق النجاح محليا وعربيا باسم هذه الفرقة التي تركت إرثا كبيرا لأعضاء الفرقة بعد رحيل صقر الرشود.

«عريس لبنت السلطان» عرضها في الإمارات والجزائر وليبيا

عمل مستشاراً مسرحياً في وزارة الإعلام والثقافة الإماراتية

أشرف على تنفيذ المسلسل الإماراتي الأشهر «إشحفان القطو»

أُطلق اسمه على مسرح إمارة رأس الخيمة وعلى المسرح الشعبي في دبي تخليداً لذكراه
back to top