خاص

أنجو ريحان لـ الجريدة•: أهرب إلى المسرح من قسوة الحياة

«ثمة نقص في كتابة الكوميديا المحلية... وقريباً في برنامج عربي»

نشر في 31-05-2019
آخر تحديث 31-05-2019 | 00:02
صحيح أنها حققت جماهيريتها الواسعة عبر الكوميديا الساخرة، إلا أن الممثلة أنجو ريحان أثبتت مكانتها التمثيلية الكوميدية والتراجيدية في مسرح يحيى جابر.
تشارك راهنًا في المسلسل الرمضاني «انتي مين» (كتابة كارين رزق الله، وإخراج إيلي ف. حبيب، وإنتاج (Green production)، وبعد «اسمي جوليا» و«مجدرة حمرا» تخيط وجابر مشاهد مسرحيتهما الجديدة، إضافة إلى برنامج تلفزيوني عربي.
عن المسرح وشغفها ومسلسلها الرمضاني، تحدثت إلى «الجريدة»:

● مسيرتك الفنية منوّعة، قدّمت التراجيديا والكوميديا، والسينما، والتلفزيون والمسرح، إنما يحتلّ الموقع الأخير حيّزًا كبيرًا منها، ما السبب؟

- تخصصت في المسرح، شغف أي ممثل، أما التلفزيون فيساوي الكسب المادي، والسينما تحقق الشهرة الأوسع. كونه شغفًا، يحتاج إلى تمارين مكثفّة حتى امتلاك أدواته، فنصل إلى تلك اللحظة التي نفرغ فيها كل طاقتنا على الخشبة من دون أي مقاطعة، كما يحصل مثلا في التصوير. عند كل عرضٍ، نعطي أفضل ما لدينا احترامًا للجمهور وتقديرًا لحضوره، فيكون تفاعله معنا في أثناء العرض وعند انتهائه، النتيجة المباشرة السريعة التي نحصدها بعد جهد أشهر من التحضير.

* هل يتجدد الشغف مع كل عرض، أم يتراخى بفعل مرور الزمن؟

- أي عرضٍ هو الأوّل بالنسبة إلينا، لأن الجمهور يتجددّ كل مساء. لذا مهما كانت أوضاعي الخاصة صعبة، أضعها جانبًا وأنفصل نهائيًا عمّا يحيط بي، لحظة وقوفي على الخشبة، لأنني بطبيعة الحال أتحمّل مسؤولية أدائي.

● أي أنك من خلال المونودراما تتحملين مسؤولية الفشل والنجاح؟

- صحيح، عند توافر ممثلين آخرين نتشاطر معًا الإنجاز أو الفشل. لقد اعتدت على المونودراما، وقد بلغت مرحلة أعتبر فيها أن أي شيء نتعب من أجله سنمتلك حتمًا بعض أدواته. وبالتالي عند إتمام التمارين المكثّفة بشكل صحيح، إضافة إلى اكتساب الأدوات المسرحية اللازمة، لا بدّ من أن يأتي العرض جيّدًا. يجب احترام عقل الجمهور الذي يمنحنا وقته، وتقديم العرض بمسؤولية تامة.

● هل تستمدين طاقة معيّنة من الجمهور؟

- تؤثر نوعية الجمهور في مستوى أدائي. في خلال تجاربي المسرحية الأولى، كنت أحكم على نسبة تفاعله مع العرض. لكن بفضل الخبرة ووفرة العروض، اقتنعت بأن ثمة جمهورًا يصغي أكثر مما يتفاعل، في حين هناك جمهور آخر يعبّر أكثر. لذا لم أعد أحكم عليه أو أتطلّب، بل أقدّم أفضل ما لديّ.

* تستمرين منذ سنوات مع المؤلف والمخرج المسرحي يحيى جابر، فأي رابط فنّي يجمعكما؟

- حاول طوال ثلاث سنوات إقناعي بالتعاون معه، لكنني رفضت، لأن لا مردود ماديًا للمسرح. لكنني عندما شاهدت إحدى مسرحياته لاحظت تميّزه بخط فنيّ خاص، فقررت المحاولة. ما يميّزه هو عدم فرضه نصًّا جاهزًا على الممثل، بل يطرح أفكارًا محددّة للمناقشة وتبادل الآراء، حتى يبلغا قناعة مشتركة بالنص المسرحي. يحترم يحيى رأي الممثل كثيرًا، فإذا لم يكن مقتنعًا بفكرة ما، يعدّلها أو يحذفها، حتى يكتمل النصّ بمجهودهما المشترك.

● ألا تخشين التكرار، طالما أنه المؤلف والمخرج لكل المسرحيات؟

- لقد عاني في البداية عدم قدرتي على التعبير بسهولة عن مشاعري، لكنه استطاع إخراج ما لديّ، فبلغنا مرحلة من الانسجام الكبير في العمل. هو إنسان يصغي جيدًا إلى الآخرين وبعمق. جابر وأنا نتحدى أنفسنا في كل عمل جديد.

● ما الذي اكتسبته من تعاونكما الفنيّ؟

- باختصار، "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت"، أنا أؤمن بطاقة الأشخاص من حولي. لم أستفد من علاقتنا مهنيًا فحسب، بل شخصيًا أيضًا. ففي أثناء التحضير لمسرحية "اسمي جوليا" المريضة في السرطان، عايشت حدادي على والدتي المتوفاة بهذا المرض.

كنت أشعر حينها بالغضب، باللاعدل، فشكّلت فترة التحضير لهذه المسرحية، نوعا من العلاج النفسي. هو فنان يفهم جيّدًا الرجل والمرأة، ولا يحبّ تقديم عمل مجانيٍ من دون رسائل إنسانية مبطّنة. هو يحترم الآخر، وخصوصًا جمهوره. قلائل هم الذين يعملون بصدق وشغف مكرّسين حياتهم لمهنتهم. إذ يكون حاضرًا دائمًا في أثناء العروض يعيد النصّ ويراقب فيعدّل أحيانًا حتى بلوغ الأفضل.

● تزامن إعادة عرض مسرحيتي "اسمي جوليا" و"مجدرة حمرا"، فكيف استطعت التمييز بين الشخصيات والتمايز؟

- طالما أنني أشارك معه في حياكة الشخصيات وخلقها على الورق، لذا هي قريبة منّي بكل تفاصيلها التي أراها بوضوح أمامي، كيف تقف وتجلس وتتحدث. ولأنني أصدّق قصصها، يصدّقها الجمهور بدوره ويراها من خلالي على الخشبة.

● جريئة في أداء 3 شخصيات في مشهد واحد، وثقة كبيرة من جابر؟

- اكتشف يحيى قدراتي الحقيقية في التمثيل، وأنني أملك تناقضات معيّنة قادرة على التمظهر في شخصيات عدّة. هو شخص قريب جدا منّي يفهم طريقة تفكيري، ويعلم كيف يستخرج الإحساس اللازم في كل مشهد.

● هل تتنافس شخصياتك في ما بينها؟

- ثمة شخصيات أحبّها أكثر من سواها، مثل الجدّة في "اسمي جوليا" و"سعاد" في "مجدرة حمرا"، كما أفضّل مشاهد معيّنة أكثر من سواها.

● هل نجاحك الراهن ينّمي غرورك أم يضعك أمام تحدٍ جديد؟

- أشعر دائمًا بأنني لم أحقق شيئًا بعد، لأن الفنّ ليس عملية حسابية رياضية، بل يحمل كل عمل تحدياته الجديدة وبفضل تنمية المهارات المكتسبة بفعل سنوات الخبرة والعمل، يستمتع الجمهور أكثر. تأدية 3 شخصيات متحاورة في مشهد واحد، والتنقل من واحدة إلى أخرى بالصوت والشكل، تحدٍ كبير. لكن اقتناعي بأن كل شخصية قائمة بحد ذاتها وتصديق قصصها، يجعلان التفلّت منها مستحيلاً.

● على الرغم من جماهيريتك الواسعة في عالم الكوميديا الساخرة، فإن المسرح أخرج قدراتك التمثيلية إلى العلن.

- صحيح، أعزو ذلك إلى المساحة التي تعطى للممثل حتى يُخرج ما لديه من طاقة. ثمة عناصر كثيرة تؤثر في ذلك، فيلعب المخرج دورًا كما الكاتب. مسرح يحيى جابر متكامل العناصر، لذا حققت النتيجة الأفضل.

● ما تفاصيل مسرحيتكما الجديدة؟

- لكل مسرحية جديدة رهجتها الخاصة، فأفضّلها عن سابقاتها، لأنني أعيش من خلالها تحديا جديدا.

نقدّم هذه المرّة أسلوبًا جديدًا ونصًّا مختلفًا جدًا أقرب إلى الـ "ستاند أب". طبعًا سيكون عملا عميقًا وبسيطًا في آن، كوميديًا ودراميًا. لقد استغرق تحضيرها وقتًا طويلا حتى قررنا ما سنقول من خلالها.

● برأيك يشكّل المسرح عملية هروب من الواقع أم عملية تطهير ذاتي؟

- مهنتي وعائلتي حبّا حياتي، والمسرح مساحتي التي أهرب إليها من قساوة الحياة ومشكلاتها، حيث أركّز حواسي وطاقتي على تلك اللحظة التي أسرد فيها قصص شخصياتي. وما إن يعلو تصفيق الجمهور حتى أعود مجددًا إلى حياتي اليومية ورتابتها.

● ألا تطمحين إلى برنامج تلفزيوني كوميدي خاص؟

- صوّرت حلقة تجريبية لبرنامج تلفزيوني عربي، سنباشر تصويره الفعلي في سبتمبر المقبل إن شاء الله. ثمة عروض مسرحية أتلقاها أيضًا. أرغب حتمًا في تقديم مشاريع تلفزيونية وسينمائية إضافة إلى المسرح أيضًا حيث تفسح كل منها المجال أمام الانفتاح على مجتمعات مختلفة وأمور جديدة.

● كيف تقوّمين البرامج التلفزيونية الساخرة؟

- أي خبر يمكن صياغته إمّا بأسلوب ذكي أو سفيه وفق الهدف المراد منه، هل المقصود التهريج على الشخص الآخر أو الاستخفاف بعقل المشاهد. هل الغاية تقديم كوميديا الموقف أو التمهيد لأشياء مبطّنة؟ من المتعارف عليه أن إضحاك المشاهد صعب، لهذا السبب ليس هناك وفرة في عدد كتّاب الكوميديا والعاملين فيها.

● أليست هناك محاولات ناجحة في هذا الإطار؟

- هناك محاولات سابقة جميلة لا بأس بها، مثل ثنائية فادي شربل وكارين رزق الله في المرحلة السابقة وسيت كوم "عبدو وعبدو"، إنما لا يزال هناك نقص كبير في كتابة النصوص التي لا تشبه مجتمعنا، كما نحتاج إلى كتّاب متعاونين على إنجاز نص كوميدي، لأن أي "سيت كوم" يتطلب ورش عمل كتابية.

● "غادة" زوجة وأمّ تريد الأفضل لعائلتها التي تشكّل نموذجًا حقيقيًا عن واقع العائلة اللبنانية الفقيرة، أخبرينا عنها؟

- نص الكاتبة والممثلة كارين رزق الله جميل وحقيقي جدًا ولبنانيّ الانتماء. عندما تحدثت عن الحرب ومقاتلي الأحزاب تفاعل الجمهور كثيرًا معها، ونالت ردود فعل إيجابية جدًا بفضل واقعيته. بسبب انشغالي في المسرح والتعليم وبرنامج "ما في متلو"، ابتعدت عن الدراما، خصوصًا أنني قررت عدم المشاركة في أي عمل غير مقتنعة تمامًا بنصّه.

وعندما تسلمت نص "انتي مين؟" لم أستطع التوقف قبل نهايته. لا يمكن إلا التماهي مع شخصية "غادة" التي هي أم تحلم بواقع أفضل لأولادها ومستقبل واعد تؤمّن لهم فيه كل ما يحتاجون.

● أي علاقة جمعتك بكارين رزق الله؟

- لم أتوقع أن ننسجم إلى هذه الدرجة، ونصبح أصدقاء مهنيًا وشخصيًا. إن الممثل الذي يشاطرنا المشهد الدرامي يؤثر كثيرًا في مستوى أدائنا، فإما يرفعنا وإمّا نسقط معًا.

● ما ميزة التعاون مع المخرج إيلي ف. حبيب؟

- كنت قلقة بداية إزاء الصورة التي سأطلّ من خلالها، وكيف سيتمّ المزج بين الكوميديا والدراما. وثقت بأنه قائد الأوركسترا، وهو راقب كل منّا بدقّة فاستطاع استخراج أفضل ما لدينا باختياره أفضل الممثلين المسرحيين، ونقولا دانيال، وجوليا قصّار، وعايدة صبرا.

● شاركت في تظاهرات لدعم حقوق الإنسان والمرأة، فأي تأثير لك كفنانة تجاه دعم هذه القضايا؟

- أعتبر نفسي معنيّة إنسانيًا انطلاقًا من مبادئي بكل ما يحيط بي، فمن الطبيعي إيصال صوتي لدعم المرأة، سواء مع "حملة جنسيتي" أو "كفى عنف"، وفي القوانين المتعلقة بالمرأة. كما أجد أن تأثيري إيجابًا في الآخرين أمر جميل جدًا.

عندما أصدّق شخصياتي يصدقني الجمهور
back to top