هونغ كونغ والحرب الباردة الجديدة بين أميركا والصين

نشر في 24-05-2019
آخر تحديث 24-05-2019 | 00:00
ترامب - شي جين بينغ
ترامب - شي جين بينغ
تطور دور هونغ كونغ ضمن السياسة الأميركية الى نوع من التغيير ساعد في تحرير الصين ضمن سياسة المشاركة الأميركية، وبكين اليوم تعلم تماماً محاولة واشنطن للتطوير السلمي في المنطقة الآسيوية، وأن هونغ كونغ هي حصان طروادة للاستراتيجية الأميركية الكاملة.
خلال الأشهر القليلة الماضية ظهرت هونغ كونغ المستعمرة البريطانية السابقة على شاشات الرادار الأميركي، وفي 27 فبراير 2019 سلّم القنصل العام الأميركي في هونغ كونغ كيرت تونغ خطاباً غير عادي يحذر من استدامة الحكم الذاتي لهونغ كونغ ضمن دولة واحدة ونظامين «أو سي تي اس» (OCTS)، وفي خطابه أبرز تونغ أهمية الحفاظ على الحكم الذاتي لهونغ كونغ في منطقة المحيط الهادئ الحرة والهندية (اف أو أي بي) (FOIP)، وفي 21 مارس 2019 نشرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرها السنوي حول هونغ كونغ الذي كشف أن تدخل الصين يكفي لتبرير المعاملة المختلفة المستمرة من جانب الولايات المتحدة.

وفي 25 أبريل 2019 أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً لافتاً أظهر المخاوف إزاء مشروع قانون التبادل المقترح الذي إذا أقر فسوف يسمح لحكومة هونغ كونغ بمبادلة أشخاص الى الصين ووضع نهاية للسلطة القانونية التي استمرت 178 سنة، وفي 4 مايو 2019 أصدر تونغ إنذاراً مباشراً بقدر أكبر في مقابلة مع وسائل الإعلام قال فيها إن قلق الولايات المتحدة يكمن في التمييز بين هونغ كونغ والبر الصيني ضمن إطار عمل (أو سي تي اس) (OCTS) وهو أقل وضوحاً من الحاجة الى تعديلات في السياسة الأميركية.

قد يفاجأ الناس باهتمام واشنطن بهونغ كونغ التي تبلغ مساحتها 1106 كيلومترات مربعة فقط، ولكن إذا نظر الإنسان عن كثب إلى المصالح الجيوسياسية التي تناقش في هونغ كونغ فيجب ألا نفاجأ في رؤية واشنطن تتدخل وخصوصا مع تقدم الولايات المتحدة والصين نحو حرب باردة جديدة.

الدرس الرئيس المستخلص من التاريخ الجيوسياسي هو أن هونغ كونغ كانت دائما في خط الجبهة للصراع الأميركي الصيني، وفي فترة الحرب الباردة الثنائية القطب تبنت الولايات المتحدة سياسة الاحتواء لمنع انتشار الشيوعية من الاتحاد السوفياتي وحلفائه بما فيهم الصين، واعتبرت هونغ كونغ موقعاً أمامياً للعالم الحر تحت هذه المظلة، وفي الوقت الراهن قاومت الصين سياسة الاحتواء الأميركية عن طريق الاستغلال التام لوضع هونغ كونغ بغية تجاوز الحصار الأميركي.

ومنذ الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي ريتشار نيكسون الى الصين في عام 1972 سعى مختلف الرؤساء في واشنطن من جيمي كارتر الى باراك أوباما إلى مشاركة الصين بأمل أن تصبح في وضع أفضل ضمن المجتمع الدولي.

وفي هذا الضوء تطور دور هونغ كونغ ضمن السياسة الأميركية الى نوع من التغيير ساعد في تحرير الصين ضمن سياسة المشاركة الأميركية، والصين اليوم تعلم تماماً محاولة واشنطن للتطوير السلمي في المنطقة الآسيوية، وأن هونغ كونغ هي حصان طروادة للاستراتيجية الأميركية الكاملة، وتبنت بكين أسلوباً دفاعياً، وهي تحاول منع تدفق مياه البئر من هونغ كونغ الى مياه النهر في الصين، وبعد أكثر من 4 عقود على سنة 1972 أصبح واضحاً أن سياسة المشاركة الأميركية قد أخفقت في تحرير الصين، إضافة إلى توقعات بأن تصبح هونغ كونغ عنصر تغيير يحمل سمة الفنتازيا.

وبدلاً من ذلك برزت الصين كقوة عظمى جديدة ضمن النمط غير المسبوق للرأسمالية المطلقة، وفي السنوات الأخيرة حققت بكين مكاسب على الأرض عن طريق تحويل هونغ كونغ الى حصان طروادة خاص بها، ومنذ وصول إدارة ترامب الى الحكم في شهر يناير 2017 غيرت الاتجاه السياسي نحو الصين، وذلك عن طريق التخلي عن أسلوب المشاركة التقليدي واستكشاف سياسة الصين من قبل إدارة ترامب.

الخيارات الأميركية في هونغ كونغ تشمل وجود 3 خيارات: الأول أن الولايات المتحدة تستطيع الحفاظ على أسلوبها المبدئي وذلك عن طريق إصدار تحذيرات إلى الصين حول تراجع الحكم الذاتي لهونغ كونغ، ولكن من دون اتخاذ إجراء عملي.

وهذا الأسلوب مفهوم في ضوء اعتراف أميركا بأن هونغ كونغ جزء من الأرض السيادية للصين وعدم الدخول في قضايا هونغ كونغ، لكن الجانب السلبي لهذا الخيار واضح أيضاً، وقد تبنت الولايات المتحدة هذا الخيار منذ سنة 2014 ولكن على الرغم من ذلك أيضاً ساعدت التحذيرات المتكررة حتى الآن في منع تبديد الحكم الذاتي المستمر لهونغ كونغ.

وفي حقيقة الأمر تواجه واشنطن الآن خطر التحول الى نمر من دون أسنان في قضية هونغ كونغ، كما تجد الصين أن الإنذارات لم تدعمها أي إجراءات عملية، والأكثر أهمية في هذا الخيار أن الصين ستتمكن من تحويل هونغ كونغ بسهولة الى موقع أمامي صيني أحمر وأن المعاملة المختلفة سوف تصبح الثغرة الأكبر لأي عقوبات تفرض على الصين.

ويمكن تنفيذ هذا الخيار بسرعة عن طريق أوامر تنفيذية رئاسية، وهذا سيجعل من المنطقي تطبيق ذلك إذا رأت الولايات المتحدة أن نمط (أو سي تي أس) OCTS قد أصبح تهديداً لمصالحها القومية.

وهذا الخيار حتى في حال تبنيه بصورة جزئية سيقوض بقدر كبير دور هونغ كونغ كمركز مالي دولي يخدم الاقتصاد الصيني، وعلى أي حال فإن هذا هو خيار نووي لأن المنطقة لن تلحق الأذى بالصين وعناصر التعامل معها في هونغ كونغ قد سبق أن تبنت المعركة للحكم الذاتي.

كما أن تعليق جزء من كل المعاملة المختلفة بالنسبة الى هونغ كونغ يعني بشكل فعلي أن الولايات المتحدة تتصدر دور «دولة واحدة ونظام واحد» وهي سياسة تدعم الحكم الذاتي لهونغ كونغ بموجب نمط (أو سي تي اس) OCTS وسيتعارض هذا الموقف مع محاولة واشنطن لدمج هونغ كونغ ضمن إطار عمل (اف او آي بي) FOIP كما سبق أن ذكر كيرت تونغ.

والخيار الثالث أن الولايات المتحدة تستطيع فرض عقوبات فردية بسبب تجاوز هونغ كونغ حدود الحكم الذاتي، ومثل هذا التجميد للأصول وإنكار السماح للكيانات بتقويض الحكم الذاتي لهونغ كونغ سيتم عن طريق دمج شروط ذات صلة أو تبني حقوق الإنسان في هونغ كونغ، والمنطق يقول إن هذا الخيار يعترف بأن معظم تدخلات بكين كانت قد اقتصرت على تجديد تأشيرات الدخول لمسؤولي الهجرة، في حين تم تنفيذ هذه الخطوات من قبل متعاونين محليين في حكومة الصين، وسيدعم ذلك بالتالي الدعوة الى إحياء مركز هونغ كونغ على شكل موقع أمامي للعالم الحر عن جبهة إف أو آي بي FOIP، ولكن من المؤكد تقريباً أن الصين ستملك رداً قويا على هذا الخيار، مما يمهد الساحة لمواجهة بين الولايات المتحدة والصين إلا إذا كانت لدى الولايات المتحدة خطة واضحة عملية لإسناد الحكم الذاتي لهونغ كونغ في الأجل الطويل وكان لدى واشنطن التصميم على الدفع نحو الأمام وتبني هذا الخيار فسيضخ عدم الاستقرار السياسي في ذلك الجزء من العالم.

براين فونغ *

الناس يفاجأون باهتمام واشنطن بهونغ كونغ التي تبلغ مساحتها 1106 كيلومترات مربعة فقط
back to top