عقلنة السنّة النبوية أولاً

نشر في 20-05-2019
آخر تحديث 20-05-2019 | 00:10
 د. عبدالحميد الأنصاري السنّة النبوية هي المصدر الثاني للدين والتشريع الإسلامي، ولها الإسهام الفعال، بعد كتاب الله تعالى، في صياغة "عقل" المسلم، وفِي إثراء "وجدانه" وتشكيل ثقافته الدينية، وتوجيه "سلوكياته" تجاه مجتمعه، بمكوناته المختلفة، مواطنين وغير مواطنين، ونظامه السياسي، تجاه العالم المعاصر. لذا، كان الاهتمام بالسنّة، رواية ودراية، من الضرورات على دولنا وعلمائنا، وعلى التربويين في المناهج الدينية، كونها المعنية بتشكيل عقول الناشئة ووجدانها، منذ النشأة المبكرة. اعتنى المسلمون الأُول بالسنّة عناية عظيمة، يحفظونها وينقلونها شفاهة، من جيل إلى جيل، حتى قدر تعالى لسنّة نبيه أن تجمع وتحفظ كما حفظ قرآنه الكريم، فسخّر لهذه المهمة الجليلة رجالاً، أوتوا صبراً وجلداً، وذاكرة موسوعية، وبصيرة نافذة، استفرغوا طاقاتهم، في طلب العلم الشريف والترحال في الحواضر الإسلامية.

مرت السنّة بمرحلتين:

الأولى: الجمع والتدوين: ظل الحديث النبوي يتداول شفاهة وسماعاً عبر الأجيال على امتداد (150) عاماً، ونشط لطلبه وجمعه من كل مصادره وأمصاره، جمع من العلماء المخلصين، تحملوا مشاق الترحال، خدمة لسنّة نبيه عليه الصلاة والسلام، وكانت حصيلة الجمع والتدوين، مئات الألوف من المرويات والآثار والأسانيد.

الثانية: الفرز والتقييم: توصل علماء الحديث إلى معايير علمية لتمحيص المرويات: معايير في السند (تأكيد عدالة الراوي بفحص سيرته الذاتية) وأخرى تتعلق بالنص (أن لا يخالف قرآناً، أو أمراً معقولاً، أو علما مقطوعاً أو تاريخاً ثابتاً أو واقعاً مشاهداً أو قيمة أخلاقية)، وهي تعد أدق معايير أبدعها العقل الإسلامي في ذلك الزمن.

لقد بذل العلماء جهوداً مضنية في تنقية المرويات، بعد أن فشا الوضع والتزوير في حواضر المسلمين، في القرن الثاني الهجري، حتى عدت بالمليون، وبتفعيل تلك المعايير، جمع الإمام مالك (ت179هـ) 100 ألف حديث، لكنه دوّن في موطئه 1720 حديثاً، وجمع الإمام البخاري (ت256هـ) 600 ألف، ودوّن 2761 حديثاً في صحيحه، وانتقى الإمام مسلم (ت261هـ) من 300 ألف حديث، 12 ألفاً، لكن هذه الجهود، انصبت على صحة السند دون المتن إلا قليلاً، بمعنى أن نقد المتن لم يكن مفعلاً على نطاق واسع وبخاصة إذا كان في الصحيحين.

أقصد بعقلنة السنّة أن يكون النص مما يقبله العقل، فقد يصح السند، ويكون المضمون مخالفاً للمنطق السليم: قرآناً أو مبدأً علمياً أو تاريخا أو واقعا ملموساً أو مشاهداً:

1- فلا قيمة لمرويات تجسم الذات الإلهية، وتنسب أعضاء وجوارح، يتعذر حملها على المجاز. 2- ولا يلتفت لحديث أن نبينا، سحره يهودي، حتى خيل إليه أنه يأتي الشيء وهو لا يأتيه، وأن الشيطان ألقى على لسانه، في الصلاة "تلك الغرانيق العُلى وأن شفاعتهن لترتجى" بعد أن قال تعالى "وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ". ولا نقبل حديث أنه عليه الصلاة والسلام، كان يدور على نسائه في ساعة واحدة من الليل، كونه أوتي قوة ثلاثين! فذلك مما لا ينسجم وسجايا من شغلته أعباء الرسالة.

واضرب صفحاً عن حديث، لما فتر الوحي، حزن عليه الصلاة والسلام، وفكر بأن يرمي نفسه من شاهق الجبال!

ولا تصدق أن من بعثه تعالى رحمة للعالمين، يقول: بُعثت بالسيف وجعل رزقي تحت ظل رمحي! ونُصرت بالرعب! وأنه أمر بالاغتيال غدراً! وأغار على مسالمين دون أن يدعوهم! فكل ذلك تأباه أخلاقيات من وصفه تعالى بالخلق العظيم. 3- وكل المرويات عن سقوط آيات من القرآن الكريم، أو نسيانها، أو نسخها، هدر، بعد قوله تعالى "وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ". 4- ونحن في حل من قبول مرويات تحقر المرأة، وتصورها رمز شؤم، أو شيطاناً، وأنها تقطع الصلاة كالكلب والحمار! ولا يلزمنا حديث "لولا أمنا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر"، هو من الإسرائيليات المخالفة للنصوص القرآنية.

5- ولا تلزمنا مرويات قتل المرتد المناقضة لنصوص حرية المعتقد القرآنية.

ختاماً: تلك نماذج لمرويات صحيحة أسانيدها، معلولة متونها، فلا تلازم بين صحة السند والمتن.

*كاتب قطري

back to top