جمال صدقي يصيغ رؤية تشكيلية مبدعة بـ «النحت البارز»

قدم 14 عملاً لفتت أنظار الجمهور والنقاد إلى قدرته على تطويع الخامات

نشر في 20-05-2019
آخر تحديث 20-05-2019 | 00:03
جمال صدقي متحدثاً لزوار المعرض عن أحد أعماله
جمال صدقي متحدثاً لزوار المعرض عن أحد أعماله
لفت الفنان التشكيلي المصري جمال صدقي الأنظار إلى إبداعاته في مجال النحت البارز، من خلال المعرض الذي أقامه أخيراً في مدينة المنيا بصعيد مصر، تحت عنوان «الثابت والمتغير في فن النحت البارز»، حيث قدم 14 عملاً عبّرت عن صياغته لرؤية تشكيلية معاصرة، لاقت إعجاب الجمهور والنقاد، خاصة مع اعتماد الفنان خامات غير تقليدية.
استغرق الفنان التشكيلي جمال صدقي نحو عام كامل للانتهاء من أعمال معرضه الذي أقيم أخيراً في مدينة المنيا (حنوب القاهرة)، ليكون هذا هو المعرض الأول بعد ذيوع صيته عقب تنفيذه تمثالاً للملكة الفرعونية نيفرتيتي بدلاً من تمثال آخر مشوه وضع في أحد ميادين محافظة المنيا التي ينتمي إليها صدقي.

ومن خلال جولة سريعة في أرجاء المعرض الثري بتفاصيله الإبداعية، نلحظ أن الفنان قدم تجربتة ورؤيته التشكيلية المعاصرة من خلال الأسلوب التجريبي في هذا المعرض الذي اختار له عنوان «الثابت والمتغير في فن النحت البارز»، وضم 14 عملاً تشكيلياً معاصراً، مستخدماً خامات طبيعية وأخرى اصطناعية حديثة، عبر من خلالها عن رؤيته بأساليب وتقنيات متعددة.

وعلى الرغم من تعدد الخامات والوسائط في الأعمال فإن الفنان استطاع أن يصيغ منها حواراً تشكيلياً، ونسج منها لوحاته بخيط واحد، هو التقنية الحديثة والإمكانات البصرية لخصائص كل خامة على حدة، وقدرتها على التعبير من خلال مضمون العمل الفني المنفذ بأسلوب النحت البارز.

واستعان الفنان بخامة «الاستانلس ستيل» ذي البريق العالي والمعروف بخصائصه الفيزيائية فهو معدن صلب غير قابل للسحب والطرق، وبالتالي يصعب تشكيله داخل عمل فني، لا سيما بأسلوب النحت البارز، بخلاف بريقه القوي الذي يؤثر على عنصري الظل والنور في النحت البارز، كما أن أي تشويه في سطحه يعطي انعكاسات ضوئية تؤثر على المظهر الخارجي والجمالي للخامة، غير أنه يصعب تشكيلها بسبب صلابتها.

وعلى الرغم من خصائص «الاستانلس ستيل» وقسوتها، وجد الفنان أنها خامة ستساعده في التعبير عن موضوعاته وتقديم رؤيته التشكيلية، فدرس طبيعتها وكيفية التعامل معها في التقطيع والتشكيل والتدوير واللحام... إلخ، وانتهى إلى أن هذه الخامة يجب أن تدخل معها خامة أخرى تتسم بالدفء كالأخشاب الطبيعية، فاستعمل بعض أنواع الأشجار التي من خصائصها الألوان والتجزيعات البديعة، مثل خشب أشجار «السرسوع»، فهذا النوع من الأشجار يعد بمنزلة لوحة تشكيلية رائعة الجمال، لما تحويه من ألوان وتجزيعات وخطوط من صنع الخالق سبحانه وتعالى، فوجود هذه الخامة من الأخشاب مع «الاستانلس ستيل» يعمل على امتصاص البريق الناتج عن انعكاسات «الاستانلس ستيل».

لم يكتف صدقي بعنصري الخشب و»الاستانلس ستيل»، بل استعان أيضاً بخامة اصطناعية أخرى، تُسمى «إيبوكسي»، تمتاز بالشفافية العالية واللمعان الشديد، وتُستعمل هذه الخامة على نطاق واسع في مجال ديكورات المنازل، وخاصة في الأرضيات التي عُرفت حديثاً بـ Epoxy floors «أرضيات الإيبوكسية».

يقول جمال صدقي لـ «الجريدة»: وجدتُ في هذه الخامات الحديثة قيماً شكلية قد تساعدني في إضفاء قيم تعبيرية وجمالية للعمل، موضحاً أنه لم يستعمل خامة الإيبوكسي كطبقة سطحية خارجية فحسب، بل شكّل منها منحوتاته بأسلوب النحت البارز، مضيفاً لها ألوانا شفافة تغير من شكل مظهرها الخارجي ولا تغير من خصائصها، وأعطى لكل خامة دوراً بطولياً في الأعمال، فمرة يعطي البطولة المطلقة للخشب وباقي العناصر تكون مساعدة له، ومرة أخرى يعطي البطولة للإيبوكسي أو الاستانليس ستيل.

وحرص الفنان على أن يتناول في كل عمل مجموعة الخامات المستعملة بتقنيات مختلفة ولكن جميعها يعطي إحساسا بوحدة الأعمال، على الرغم من تعدد أساليبها التشكيلية، أما اللون فلم يضفه كمجرد لمسة جمالية للتزيين فقط، بل لعب اللون دوراً مهماً وأساسياً في العمل كخامة نحت، من خلال التباين في ارتفاعات ومستويات العمل، بالإضافة إلى أنه يعتبر أداة الربط بين أجزاء العمل وبدونه يصبح العمل منفصلاً بين أجزائه، وساعد في ذلك لزوجة وكثافة خامة الإيبوكسي، ما يسر له استعماله كخامة نحت وليس لوناً فقط.

يُشار إلى أن الفنان جمال صدقي، يعد أحد رواد الفن المعاصر في بداية القرن الواحد والعشرين، وبدأ نبوغه الفني يظهر منذ كان طالباً في كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا، حيث كانت له رؤية تشكيلية غير نمطية، فكان في مرحلة البكالوريوس ثائراً على الأسلوب المعتاد في فن النحت البارز وقتذاك، فحرَّر أشكاله من الخلفية المرتبطة بها ووضع فراغات نافذة داخل اللوحة، كما جعل بعض أجزاء العمل كاملة التجسيم، وجمع بين أسلوبي النحت البارز والنحت الميداني داخل اللوحة الجدارية، ثم تطور إلى ان قدم معرضا في مارس 2018 كان بمثابة الثورة على النحت البارز وأطلق عليه «الثورة على الجدار»، واستطاع أن يُحرِّر النحت البارز من كونه فناً ثنائي الأبعاد إلى فن ثلاثي الأبعاد، يعامل معاملة النحت الميداني في حل مشكلات الأحيزة الفراغية التي لا تصلح لوضع تمثال، فكان موضوعه «فن النحت البارز ومدى الاستفادة منه في حل مشكلات الأحيزة الفراغية» بمثابة ثورة على أسلوب النحت البارز في أنه فن ذو بعدين مرتبط بالأبنية المعمارية والجدران، وأقام معرضاً تشكيلياً أثبت من خلاله أنه يمكن توظيف النحت البارز في أعمال ميدانية ضخمة.

back to top