إيران والقنبلة... محادثات سرية (الجزء الثالث) الحلقة (4)

The Back Channel (القناة الخلفية)

نشر في 15-05-2019
آخر تحديث 15-05-2019 | 00:05
أدى وليام ج. بيرنز، على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الدبلوماسية الأميركية، دوراً محورياً في المراحل الدبلوماسية الأكثر تأثيراً في زمنه: من نهاية الحرب الباردة السلمية إلى انهيار العلاقات بعد الحرب الباردة مع روسيا بقيادة بوتين، ومن اضطرابات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر في الشرق الأوسط إلى المحادثات النووية السرية مع إيران.

يسرد بيرنز في كتابه The Back Channel (القناة الخلفية)، بتفاصيل دقيقة، وتحليل عميق، بعض اللحظات المفصلية في مسيرته المهنية، فيستند إلى مجموعة من البرقيات والمذكرات التي رُفعت عنها السرية أخيراً، ليقدم للقارئ صورة داخلية نادرة عن الدبلوماسية الأميركية.

ولا شك في أن رسائله من الشيشان التي مزقتها الحرب، أو معسكر القذافي الغريب في الصحراء الليبية وتحذيراته من "العاصفة المثالية"، التي ستطلقها حرب العراق، ستعيد صياغة فهمنا للتاريخ، وتنير المناظرات السياسية في المستقبل، كذلك يرسم بيرنز أطر القيادة الأميركية الفاعلة في عالم لا يشبه منافسة الحرب الباردة التي لم يكن فيها رابح أو خاسر خلال سنواته الأولى كدبلوماسي، ولا "لحظة القطب الواحد" مع السيادة الأميركية التي تلت.

باختصار، يشكِّل كتاب The Back Channel، الذي ستعرض "الجريدة" ملخصا عنه في 6 حلقات، قصة بليغة غنية بالمعلومات جاءت في وقتها، قصة عن حياة كُرِّست لخدمة المصالح الأميركية في الخارج، كذلك يمثل مذكِّراً قوياً بحقبة من الاضطرابات العنيفة بأن الدبلوماسية مازالت بالغة الأهمية. وفيما يلي تفاصيل الحلقة الرابعة:

في نهاية جلستنا الأخيرة في الثالث من مارس، أخبرنا أنا وجايك الإيرانيين صراحة، أنه لا جدوى من مواصلة المحادثات السرية إن لم يكونوا مستعدين للتفكير بجدية أكبر في خطوات ملموسة عليهم اتخاذها. كان الإيرانيون غير منطقيين البتة في توقعاتهم، وبدوا بعيدين كل البُعد عن مجتمع دولي يزداد تصميماً، ولم يشاركوا حتى في اللعبة ذاتها.

تقدّم السيد زبيب بالتماس مؤثر نحو نهاية الاجتماع الأخير، فتحدث عن رحلة قام بها إلى نيويورك قبل بضع سنوات، وعن لافتة كبيرة رآها في مطار كينيدي لدى وصوله، وتذكَّر، عاصراً ما يعرفه عن قواعد اللغة الإنكليزية، أنه قرأ عليها عبارة «فكّر على نطاق كبير». وأضاف: «هذا ما عليكم أنتم الأميركيين أن تقوموا به، يجب أن تفكروا على نطاق كبير، وإذا فعلتم ذلك، فستتحسن الأوضاع». ابتسمتُ لجايك، إذ لم يملك أي منا طريقة مقتضبة ليوضح أن المشكلة هنا لم تكن مرونة عملية تفكيرنا، بل جدية الالتزام الإيراني، لذلك اكتفينا بحض الإيرانيين على التفكير في كل ما ناقشناه خلال الأيام الثلاثة السابقة في سلطنة عمان، وتقييم الخيارات المتاحة لهم.

في اليوم التالي، كان الوزير كيري خارج البلد، لذلك طلب الرئيس مقابلتي أنا وجايك في المكتب الرئاسي، كي نقدِّم له تقريراً مباشراً عن مناقشاتنا في سلطنة عمان. كان الرئيس جالساً على كرسيه المعتاد أمام الموقد، بعدما أنهى لتوه التقرير الاستخباراتي الصباحي المعتاد. راح يصغي إلينا بانتباه. أطلعناه على انطباعاتنا، وحرصنا على ألا نعظّم ما كان مجرد خطوة أولى في درب طويل، وأكد لنا الرئيس: «لم أتوقع مطلقاً أن نحقق تقدماً مباشراً. قد تنجح هذه المحادثات وقد تخفق، لكنها تظل الطريقة الصائبة، لنأمل أن ننجح في إبقائها سرية وفي مواصلتها».

لقاء كيري وظريف

مهَّد التقدم الذي حققناه في المحادثات الثنائية الدرب أمام لقاء وزير الخارجية كيري الأول مع ظريف على هامش اجتماع وزراء مجموعة 5+1 بالأمم المتحدة في السادس والعشرين من سبتمبر. في لقائهما المنفرد هذا الذي دام ثلاثين دقيقة، راجع كيري وظريف النتائج المشجّعة التي حققتها القناة الخلفية حتى الآن، واتفقا على المضي قدماً بها، فشكّلت هذه الثلاثين دقيقة الأولى فيما تلاها من لقاءات منفردة مطولة، ورسائل، واتصالات هاتفية متبادلة. وهكذا، تحوَّلت علاقة كيري وظريف واندفاعهما إلى محور كل ما أنجزناه لاحقاً.

في هذه الأثناء، كان جايك يدرس إمكان عقد اجتماع بين روحاني وأوباما. تلقى ظريف والمفاوضون الإيرانيون الإشارات الأولى بإيجابية، إلا أن روحاني ومستشاريه السياسيين شعروا بالقلق حيال رد الفعل المحتمل في طهران كلما تمعنوا أكثر في هذه الفكرة. كان روحاني قد حقق حضوراً مذهلاً في الأمم المتحدة، خصوصاً أنه بدا مختلفاً تماماً عن أحمدي نجاد، فقد اعترف بالمحرقة النازية، وعمل مع ظريف في عدد من اللقاءات والمقابلات، بغية تقديم صورة مغايرة عن الدبلوماسية الإيرانية، ولكن عندما بدأ الإيرانيون يضغطون علينا لتحديد شروط حتى لقاء جانبي مسبقاً، طارحين مجدداً الالتماس المعهود عن الاعتراف نوعاً ما بـ»حق» التخصيب، اتضح لنا أن السعي إلى تنظيم لقاء مماثل لا يستحق العناء.

لكننا فوجئنا عندما عاد الإيرانيون ليقترحوا اتصالاً هاتفياً بين الرئيسين في يوم روحاني الأخير في نيويورك من دون أي شروط مسبقة، وحاولنا الاتصال بروحاني أثناء توجهه بسيارته إلى المطار.

بدا الصمت الوجيز خلال طلب الاتصال دهراً، ولا عجب في أن يشعر جايك بالقلق: هل حصل على الرقم الصحيح؟ هل كانت هذه مجرد مكيدة يجيب فيها مقدّم برامج إذاعية في كندا على الاتصال في خدعة مدروسة؟ أخيراً، أجاب الطرف الآخر، وخاض أوباما وروحاني محادثة ودية طوال خمس عشرة دقيقة. هنأ أوباما روحاني على انتخابه، وشدد على أن أمامهما اليوم فرصة تاريخية لحل المشكلة النووية.

وبما أن أوباما تنبه لاحتمال أن تكون أجهزة استخبارات أجنبية عدة تتنصت على هذا الاتصال، لم يشر إلى المحادثات الثنائية السرية إلا بشكل مبهم، وردّ روحاني باللجهة البناءة ذاتها، خاتماً الحوار بعبارة «طاب يومك» بالإنكليزية بدت أشبه بحلم، وهكذا ازداد بصيص الأمل بريقاً.

لقاءان جديدان

خضنا لقاءين إضافيين في شهر أكتوبر عائدين إلى النادي البحري العماني الذي ألفناه جيداً، لكن تخفيف العقوبات ظل مصدر استياء كبيراً بالنسبة للإيرانيين، لم نقبل التراجع عن موقفنا، عارضين تخفيفاً بقيمة أربعة مليارات دولار على مدى ستة أشهر، علماً أن عرضنا هذا جاء بعيداً جداً عن الثمانية عشر ملياراً التي طالب بها الإيرانيون.

ناقشنا مطولاً مع الإيرانيين الطريقة الفضلى للتعاطي مع استئناف لقاءات مجموعة 5+1 في جنيف نحو منتصف شهر أكتوبر، وسط محادثات قناتنا الخلفية المطوّلة في ذلك الشهر، وأدركنا كلنا أننا اقتربنا من مرحلة تتيح لنا دمج العمليتين معاً، لكننا كنا قد حققنا تقدماً مفاجئاً في المحادثات الثنائية السرية، وظننا أنه من الأفضل الانتظار ريثما نرى الحد الذي يمكننا بلوغه بحلول نهاية شهر أكتوبر.

انتخاب روحاني ولَّد أملا جديداً للتوصل إلى اتفاق

أدى انتخاب حسن روحاني في يونيو 2013 إلى ولادة بصيص أمل باحتمال النجاح، كنا نملك أصول تفاوض كبيرة، فقد جاء تأثير عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتدابير التي اتخذتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كبيراً.

أما التحدي الأكبر الذي اصطدمنا به، فكان تخطي توقعات إيران بشأن حجم تخفيف العقوبات الذي يمكن تقديمه خلال المرحلة المؤقتة.

شملت المشاكل الأخرى؛ قلق الإيرانيين حيال مدى قدرتهم على الوثوق بالتزام الإدارة الأميركية بعدم تفعيل عقوبات جديدة خلال الأشهر الستة المقبلة، نظراً لدور الكونغرس، ولم يكن قلقهم هذا من دون مبرر، شرحنا للإيرانيين مطولاً كيفية عمل نظامنا، ولم نعتقد أن التزام الإدارة سيظل راسخاً شرط أن تحد إيران برنامجها بشكل واضح بما يتماشى مع ما كنا نناقشه، لكن الإيرانيين لم يطمئنوا بالكامل إلى الصيغ التي قدمناها، والحق يُقال إننا نحن أيضاً لم نكن واثقين منها، نظراً لوضع السياسات الأميركية المتقلب، أخبرتُ أركشي: «أفضل ما يمكننا فعله هو التوصل إلى اتفاق متين، والعمل على تطبيقه بدقة»، لكن كلماتي هذه بدت فارغة من أي معنى بعد بضع سنوات.

اتفقنا مع الإيرانيين أن نلتقي بعد ذلك بنيويورك في سبتمبر حين تقدّم الجلسة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة غطاء جيداً لمرافقة رافنشي وأركشي ظريف، فضلاً عن روحاني الذي كان سيقوم برحلته الأولى إلى الأمم المتحدة بصفته رئيس إيران. خضنا أربع جولات من المفاوضات طوال أسبوعين تقريباً في نيويورك، وحققنا تقدماً كبيراً. وضعنا أنا وجايك مسودة نص أولية على الطاولة خلال نقاشنا الأول مع رافنشي وأركشي عشية الثامن عشر من سبتمبر في غرفة بفندق والدورف أستوريا.

اقترح نائب وزير الخارجية الإيراني عباس أركشي أن تقدِّم إيران عرضاً عاماً لمجموعة 5+1، محددةً الأطر العامة لمقاربة المرحلتَين، بما فيها الاتفاقات المؤقتة والشاملة. لم يتطرق الإيرانيون إلى التفاصيل التي توافقنا عليها بتردد، فضلاً عن نقاط الخلاف المستمرة، لكن عرض إطار العمل هذا كان مفيداً.

وعندما أنهينا يومين مكثفين من جلسات القناة الخلفية في السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر أكتوبر، كنا قد وضعنا نصاً أولياً لم يضم إلا خمسة أو ستة مقاطع متنازعاً عليها، فبدا هذا أشبه بخطوة راسخة نحو الأمام بعد سنوات طويلة من التوتر بشأن المسألة النووية، وخلال لقائنا السلطان قابوس قبل عودتنا من مسقط إلى الوطن، عبَّرتُ مجدداً عن تقديري لكل الجهد الذي بذله لإنجاح قناتنا. وأكدت له: «اقتربنا».

8 سنوات من المحادثات السرية

سُرّ الرئيس بالتقدم الذي أحرزناه، إلا أنه أراد وفق طريقته الدقيقة المعتادة أن «يحسم كل التفاصيل بعناية»، وفوجئنا حقاً، لأننا قطعنا هذا الشوط الطويل خلال فترة وجيزة، وما فاجأنا أيضاً بقاء القناة الخلفية سرية طوال ثماني جولات، لكننا أدركنا أن هذا الوضع لن يدوم طويلاً مع بدء صحافيَين على الأقل بربط المسائل معاً.

كان من المقرر انطلاق جولة جديدة مع مجموعة 5+1، بقيادة الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي كاترين أشتون، في السابع من نوفمبر بجنيف، ومع انضمام ويندي شيرمان، خليفتي الاستثنائية في منصب نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية ورئيسة وفدنا إلى مجموعة 5+1، إلينا في محادثات قناتنا الخلفية في أواخر شهر أكتوبر في سلطنة عمان، أخبرنا الإيرانيين بأننا سنطلع شركاءنا متعددي الأطراف على لقاءاتنا الثنائية المباشرة قبل جلسة نوفمبر. بدوا قلقين بعض الشيء، إلا أنهم أدركوا أن الوقت قد حان، فخططنا لجولة جديدة من محادثات القناة الخلفية في الخامس إلى السابع من نوفمبر، لنرى ما إذا كنا نستطيع التوافق على قسم أو اثنين إضافيين من نصنا الأولي قبل تسليمه إلى شركائنا في مجموعة 5+1 ليدرسوه كأساس لإتمام الاتفاق المؤقت بسرعة.

كانت أمام ويندي مهمة لا تُحسد عليها: تقديم تقرير لزملائها في مجموعة 5+1 عن جهود قناتنا الخلفية، ودار نقاش طويل حول التوقيت المناسب لإبلاغ حلفائنا المقربين بالمحادثات السرية، وكنت منهكاً، فقد أمضيتُ من جهة سنوات في منصبي كنائب للوزير في العمل مع نظرائي في مجموعة 5+1 وأتفهم المخاوف الحقيقية التي يشعر بها الإسرائيليون وشركاؤنا في الخليج العربي، لكنني أدرك من جهة أخرى مخاطر التسريبات ونشر المعلومات في مرحلة سابقة لأوانها.

في مطلق الأحوال، فضَّل البيت الأبيض الحفاظ على السرية لأطوال وقت ممكن في خريف عام 2013، ولكن بحلول نهاية شهر أكتوبر، ما عدنا نملك أي مبرر للانتظار.

بدءاً من أشتون التي عرفت جيداً أن المحادثات الثنائية الإيرانية-الأميركية بالغة الأهمية، عرضت ويندي على شركائنا الجهود السرية التي بذلناها ومجالات التوافق والخلاف الرئيسة مع الإيرانيين. لم تشكّل هذه المحادثات مفاجأة كبيرة لبعضهم. على سبيل المثال، تتمتع الحكومة البريطانية بعلاقات جيدة مع سلطنة عمان، وكانت على علم عموماً بهذه العملية، كذلك كان الرئيس أطلع رئيس الوزراء نتنياهو سراً على هذه المحادثات نحو نهاية شهر سبتمبر في دردشة على انفراد بالبيت الأبيض. لم يشكّل هذا الخبر مفاجأة أيضاً لنتنياهو، بما أن للإسرائيليين مصادرهم الخاصة في المنطقة، إلا أنه كان أقل تفهماً بكثير من البريطانيين، واعتبر القناة الخلفية خيانة.

تحسين مسودة نص الاتفاق

في الخامس من نوفمبر، التقينا الإيرانيين في فندق مندارين بجنيف في الجانب الآخر من المدينة، بعيداً عن موقع فندق إنتركونتيننتال، حيث كانت جلسة مجموعة 5+1 ستُعقد بعد بضعة أيام.

طلب منا الرئيس ووزير الخارجية كيري أن نبذل جهداً أخيراً لتحسين مسودة النص التي توصلنا إليها، والتي حملت العنوان المحايد الملائم «مسودة وثيقة العمل المشترك». فحققنا المزيد من التقدم بشأن «تعليق العمل» في آراك، مع أننا لم نحل نهائياً مسألة اللغة المعتمدة في هذه النقطة. كذلك شارفنا على التوصل إلى تفاهم بشأن تخفيف العقوبات في المقابل، متمسكين بطرح الأربعة مليارات دولار تقريباً على مدى ستة أشهر الذي حددناه في مستهل محادثات القناة الخلفية. كذلك اتفقنا بشأن مجموعة غير مسبوقة من تدابير التحقق والمراقبة كان يُفترض أن تشكّل أساساً متيناً لاتفاقات أكثر تفصيلاً بكثير في الاتفاق الشامل النهائي. لكن مسودة النص التي وضعناها مع أركشي ونائب وزير الخارجية للشؤون الأوروبية مجيد رافنشي كانت لا تزال تحتوي في صفحاتها الأربع والنصف المتراصة الأسطر على ثلاثة أو أربعة مواضع خلاف ينبغي حلها.

تقدير

بدا محتماً على الأرجح أن تشمل عملية تسليم هذه المهمة إلى مجموعة 5+1 لحظاتها الغريبة. أعرب بعض زملائنا الأوروبيين عن تقديرهم للتقدّم الذي حققناه، مع أنهم استاؤوا، لأننا أبقينا هذه العملية سراً.

نجحت أشتون في تركيز انتباه المجموعة على الفرصة التي تقدمها مسودة النص. وبما أن ظريف قصد جنيف لترؤس الفريق الإيراني، سافر جون كيري أيضاً إلى هذه المدينة في الثامن من نوفمبر، وتبعه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي حمل معه كبرياء غالية كبيرة، جُرحت بسبب القناة الخلفية، وبعض الأفكار جيدة عن كيفية حبك لغة المسودة، خصوصاً بشأن آراك، وقدِم أيضاً سيرغي لافروف وغيره من الوزراء.

شهدت الأيام القليلة التالية الكثير من الدراما، مع تعبير عدد من المشاركين عن مشاعر استياء وتأثر وتعب كان بعضها مصطنعاً، وبعضها الآخر حقيقياً. كان الضغط في واشنطن يتفاقم، لفرض جولة جديدة من العقوبات، في حين واجه ظريف حصته الخاصة من التشكيك والريبة المحليين. كذلك كان عدد من شركائنا في مجموعة 5+1 لا يزالون غاضبين جراء القناة الخلفية، لكن أشتون وكيري نجحا في تبديد الجزء الأكبر من التوتر بمهارة، معتمدين اللغة الجديدة المقترحة في عدد من مواضع الخلاف، ومضيفين بعض الجُمل الجديدة.

لم يسر ظريف برؤية هذا النص المحدّث في التاسع من نوفمبر، إذ عرف الإيرانيون أن المسودة الثنائية التي عملنا عليها لأشهر كانت لا تزال تحتوي على عدد من مواضع الخلاف بشأن اللغة التي لم تُحل، كذلك أدركوا الحاجة إلى مراجعتها، وضرورة حصولها على موافقة سائر أعضاء مجموعة 5+1 الذين سيرغبون بالتأكيد في ترك بصماتهم عليها. لكن كما ذكّر ظريف كيري، كان يواجه جمهوراً صعباً في طهران، لذلك كان أي تبدل في اللغة سيسبب له المشاكل، مهما بدت طفيفة. لكن على غرار سائر الدبلوماسيين الماهرين، يُعتبر ظريف ممثلاً موهوباً أيضاً، وأثارت تعابيره المبالغ فيها عن الخداع والغموض ريبة عدد من الوزراء الآخرين.

استشارة العواصم

بعد نهار وليل طويلين من المناقشات، وافق الوزراء على استشارة عواصمهم، والعودة لجولة أخرى من المحادثات، أملنا أن تكون الأخيرة، في جنيف بالثاني والعشرين من نوفمبر. لم تكن أخبار القناة الخلفية قد نُشرت بعد، وخشينا أن يؤدي الكشف عنها إلى تعقيد إتمام الاتفاق المؤقت. عدنا أنا وجايك إلى جنيف في العشرين من نوفمبر، لنساهم في سد الفجوات الأخيرة مع الإيرانيين، وحرصنا على تنسيق أعمالنا بدقة مع أشتون، وانضمت إلينا شيرمان خلال لقائنا أركشي ورافنشي في الحادي والعشرين، ونجحنا في تضييق خلافاتنا أكثر.

أما بشأن العقوبات، فتوصلنا إلى صيغة وافق عليها كيري وظريف في نهاية المطاف، ارتكزت هذه الصيغة في جوهرها على 4.2 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني المجمدة، موزعة على دفعات، تُدفع على مدى ستة أشهر، ضمت هذه الصيغة أيضاً بنوداً أخرى، خصوصاً تخفيف العقوبات عن صناعة السيارات، الذي اعتُبر مصنّع السيارات الفرنسي رينو المستفيد الأول منه. أخبرنا ظريف، وفي عينيه بريق مشاغب، أن فابيوس أمضى الجزء الأكبر من جلساته الثنائية في جنيف في مناقشة هذه المسألة لا آراك أو أي من المواضيع الأخرى التي تناولها بإسهاب علانية.

اللقاءات السرية لم تخلُ من بعض الدراما

صحيح أن جولات نيويورك بدت مثمرة جداً، إلا أنها لم تخلُ من بعض الدراما. على سبيل المثال، في حين كان الإيرانيون متوجهين إلى صالة الاجتماعات في فندق والدورف، لاحظنا أنا وجايك أن الصورة التي عُلّقت على الجدار مقابل الصالة كانت لزيارة الشاه والدورف خلال سبعينيات القرن الماضي. حاولنا إنزالها في الحال، إلا أنها كانت مثبتة بقوة في الجدار. لم يتنبه لها رافنشي ونائب وزير الخارجية الإيراني عباس أركشي، على ما يبدو، لأننا سارعنا إلى إدخالهما عبر الباب. كان آخر ما وددناه إهانة نظرائنا، أو دفعهم إلى إسماعنا محاضرة لأربعين دقيقة عن الدعم الأميركي للنظام القديم.

خضنا جولات أخرى عدة خلال الأسبوع في الجهة المقابلة من المدينة، بعيداً عن صخب لقاءات الأمم المتحدة في فندق بالناحية الغربية من مانهاتن، ولم يواجه الوفد الإيراني صعوبة في دخول الفندق والخروج منه من دون لفت الأنظار.

المؤلف: وليام ج. بيرنز

الرئيس ووزير الخارجية كيري طلبا منا أن نبذل جهداً أخيراً لتحسين مسودة النص التي توصلنا إليها والتي حملت العنوان المحايد الملائم «مسودة وثيقة العمل المشترك»

عندما أخبرنا الرئيس عن انطباعاتنا في لقاءات عُمان وحرصنا على ألا نعظّم ما كان مجرد خطوة أولى في درب طويل قال لنا: «لم أتوقع مطلقاً أن نحقق تقدماً مباشراً»

الأوروبيون أعربوا عن تقديرهم للتقدم الذي حققناه في المحادثات مع أنهم استاؤوا لأننا أبقينا هذه العملية سراً

تخفيف العقوبات ظل مصدر استياء كبيراً بالنسبة للإيرانيين لكننا بدل التراجع عن موقفنا عرضنا تخفيفاً بقيمة 4 مليارات دولار على مدى ستة أشهر

التقدم الذي حققناه في المحادثات الثنائية مهَّد الدرب أمام لقاء وزير الخارجية كيري الأول مع ظريف على هامش اجتماع وزراء مجموعة 5+1 في الأمم المتحدة
back to top