طلال مداح يزداد شهرة وعبدالوهاب يلقّبه بـ «زرياب العصر» (5 - 10)

موسيقار الأجيال يوقّع معه عقد احتكار فنيّاً

نشر في 10-05-2019
آخر تحديث 10-05-2019 | 00:01
اتسعت الرقعة الجغرافية التي بلغ فيها صدى صوت الفنان طلال مداح، فتوجه إلى بيروت لتسجيل أغنياته هناك، ثم إلى إحياء حفلات غنائية، حاملاً معه إرث فنون الجزيرة العربية، ومتسلحاً بإمكانات صوتية فريدة، متأبطا عوده الذي يعزف عليه أجمل الألحان، وعلى إثر هذه الخطوة حقق طلال شهرة كبيرة وحضوراً رائعاً لدى المهتمين بالفنون ومتذوقي الغناء العربي، مما دفع الفنان محمد عبدالوهاب إلى توقيع عقد احتكار فني معه، كما منحه لقب «زرياب العصر». وفيما يلي نواصل مشوار الراحل طلال مداح.
في الحلقة السابقة، رأينا كيف استطاع الفنان طلال مداح تدشين تجربته الأولى في التمثيل من خلال فيلم "شارع الضباب" أمام الفنانة صباح ورشيد علامة، وما واكب هذه التجربة السينمائية في مراحل الإعداد ثم الإنتاج، وأخيرا عرض الفيلم الذي وضع السعودية على الخريطة السينمائية، كما رصدنا أحلام مداح التي لم تحقق في عالم الطيران، حيث كان يحلم أن يكون "كابتن طيار"، لكن هذا الحلم ذهب أدراج الرياح ولم ير النور.

وفي هذه الحلقة نسلط الضوء على اللقاء الأول الذي جمع طلال والفنان محمد عبدالوهاب في بيروت، وماذا قال موسيقار الأجيال عن هذا المطرب الشاب القادم من السعودية.

اقرأ أيضا

استطاع الفنان طلال مداح أن يحقق إنجازات غير مسبوقة في بلده من خلال فنه وموسيقاه، فاستحق لقب رائد الحداثة بالأغنية السعودية، فعندما كان المطربون يلحنون أعمالهم بشكل تقليدي وبأسلوب اللحن الواحد أنجز أول ألحانه الرسمية أغنية "وردك يا زارع الورد" على طريقة الأغنية المكبلهة وللسبب ذاته توج بلقب آخر هو فيلسوف النغم الأصيل ومن إنجازاته الشخصية أنه تعاون مع كبار الملحنين في الوطن العربي منهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب ومحمد الموجي وبليغ حمدي وسراج عمر وجمال سلامة وغيرهم، وامتدت مسيرته نحو 45 عاما، لذلك هو يعتبر أول مطرب سعودي يطبع أغنياته على إسطوانات، وأول من أحيا حفلات غنائية خارج المملكة العربية السعودية، إضافة إلى ذلك كان أول فنان سعودي يقوم ببطولة فيلم سينمائي بمشاركة مجموعة من النجوم العرب.

عقب ذلك تمكّن مداح من لفت الأنظار إليه بفضل شهرته الكبيرة في منطقة الخليج، إضافة إلى الانتشار الكبير الذي حققه في بيروت من خلال الحفلات التي قدمها هناك أو مشاركته السينمائية الوحيدة، مما دفع الفنان محمد عبدالوهاب إلى توقيع عقد احتكار معه حتى لا يغني إلا من إلحانه، وقال عنه عبدالوهاب "إنه من أجمل الأصوات التي استعمت اليها في الوطن العربي هو صوت طلال مداح".

المرحلة وأهدافها

لم يتعامل الراحل طلال مداح مع الموسيقى والألحان بطريقة عفوية، بل كان يقترب من الاحترافية ضمن أجواء الهواة في بلده، لذلك من يتتبع مشواره يجد أنه مرّ في مراحل متنوعة وحقق قفزات متتالية، وبالطبع هذا لم يأت إلا بفضل مثابرته، فهو كان يبحث عن التميز وتحقيق النجاح والأحلام، فإن أنجز ما يصبو إليه بحث عن مكتسبات جديدة تساعده على المضي قدماً في مسيرته، فلم يترك الأمور على، بل كان يرفض أن تتحكم المصادفة في مشواره، مفضلاً اتباع خطة ممنهجة يضع فيها لكل مرحلة أهدافا يسعى إلى تحقيقها، ويبذل الأسباب ويجتهد لنيل المكانة التي وصل إليها في قلوب محبيه في الوطن العربي، وربما يعد عقد الاحتكار الذي وقعه مع الفنان عبدالوهاب اعتراف رسمي بأهمية هذا الفنان وقيمته، كما قال عنه عبدالوهاب في مناسبة أخرى أن مداح فنان كبير، ويعد أستاذاً في الخليج بفضل ألحانه وأغنياته وتميزه الموسيقي وقدراته في التعرف وله مكانة كبيرة في الوسط الفني.

جودي بوصل

وتوج طلال هذا الإعجاب والإشادة بتعاون مع عبدالوهاب، إذ لحن له أغنية "ماذا أقول؟" التي أداها طلال في الستينيات وتقول كلماتها:

ماذا أقول وقد همت فيك

والسحر قد فاض من عينيك

والبدر يشكو من بهاك ويختفي

والورد يزهو من سنا خديك

والغصن يرقص شاديا ويحتفي

ثم انحني شوقا على كفيك

تنوين يوما بالوصال وتخلفي

هلا وفيت لكم أغار عليك

جودي بوصل وارحميني وانصفي

إلى جريح تاه في جفنيك

بالله رقي واذكريني واعطفي

قد هام قلبي والفؤاد لديك

إني لأذكر عهدك والصفا

ويعلم الله إني لست ناسيك

«الجندول والكرنك»

ونظرا للاحترام المتبادل بينهما حرص طلال مداح على اقتناء آلة عود من محمد عبدالوهاب، وحصل على آلة قيمة، وكان يقول طلال عن هذه الآلة: "حرصت على اقتناء عود من مقتنيات محمد عبدالوهاب، وعرفت أن عبدالوهاب لحّن "الجندول" و"الكرنك" على هذه الآلة، والكل يعرف أن عبدالوهاب يعشق استخدام آلات جديدة لأنه يرى أن العود يمنح خيالا جديدا، لذلك لا يحتفظ بالعود لفترة طويلة، وهذا العود أعزف عليه أغنياتي ويشاركني في حفلاتي.

اللقاء الأول

وفيما يتعلق باللقاء الأول الذي جمع عبدالوهاب ومداح كان يقول طلال: "ذهبت إلى لقاء عبدالوهاب في بيروت، وهناك رأيته وجرى توقيع العقد، وهو سافر إلى جنيف عقد هذا اللقاء، وكنت بمعية الشاعر الأمير سعود بن سعد، واتفقنا على تنفيذ أغنية "ماذا أقول؟" وتسلم عبدالوهاب القصيدة وعقب فترة ليست بالقصيرة نفذنا الأغنية، لكن لم تحقق الأغنية الانتشار الكبير، ويعلل طلال أسباب هذا الإخفاق ان عبدالوهاب لم يشرف على تنفيذ اللحن بنفسه، بل أوكل المهمة لعبود عبدالعال، إضافة إلى أن طلال نفسه لم يكن موفقا في أداء الأغنية كما يجب، وهناك سبب آخر أن الشركة لم توزع الأشرطة بشكل احترافي، كما أنه يرى أن ثمة سببا آخر قوض انتشار الأغنية، حيث لم يقم بأدائها في حفلاته، لأنه لم يكن يملك النوتة الموسيقية لها، وكان يتوقع طلال أنه حينما يسافر الى القاهرة سيعيد عبدالوهاب تنفيذ الأغنية تحت إشرافه لتفادي الأخطاء التي وقعت أثناء تنفيذها في المرة الأولى، لكن ذلك لم يحدث.

وسارت الأمور بعد ذلك في اتجاه تعاون جديد بين عبدالوهاب ومداح من خلال قصيدة الشاعر أحمد شوقي بعنوان "منك يا هاجر"، لكن تأخرت هذه الأغنية كثيراً، ولم تر النور بصوت طلال بسبب ارتباط مداح بشركة واشتراط عبدالوهاب إنتاج هذه الأغنية لمصلحة مؤسسته، وعقب فترة قدّم عبدالوهاب هذه الأغنية للفنانة سمية قيصر التي قدمتها عقب تغييرات أجراها عبدالوهاب على الجمل الموسيقية.

عقد احتكار

حول الاتفاق بين محمد عبدالوهاب وطلال مداح، يقول حسن دردير الملقب بمشقاص (الصديق المقرب من مداح) عندما شددنا الرحال - أنا ومداح ولطفي زيني - إلى بيروت بغية لقاء الفنان محمد عبدالوهاب للتفاهم معه حول بنود العقد، لكن لسبب ما لم أرافقهم لهذا اللقاء، في حين ذهب طلال بمعية لطفي، وجرى اللقاء واتفق عبدالوهاب ومداح على على تنفيذ مجموعة من الأغاني، وبالفعل سجلوا أول أغنية وتركوا الأشرطة في استديو "شلهوب" الشهير آنذاك، ليعودوا بعد ذلك لعمل المونتاج بحضور الفنان عبدالوهاب، وعقب ذلك أردت قراءة العقد المبرم بين الطرفين، فلاحظت عبارة مفادها أن طلال سيكون محتكراً لشركة الفنان عبدالوهاب، ولا يستطيع تسجيل أي أغنية لأي شركة أخرى، إلا عقب الانتهاء من تسجيل ألحان محمد عبدالوهاب، كما أن العقد لم يحدد فترة تجهيز أغنيات عبدالوهاب".

ويضيف: "أعتقد أن من فرحة طلال ولطفي بتوقيع العقد لم يلاحظوا هذه الفقرة، وحينها سألني طلال: ما العمل الآن؟ قلت له: أنا أحتاج الأشرطة الآن، بالفعل ذهب لطفي وتمكّن من إحضار الأشرطة من الاستديو، وذهبت بها إلى المطار فوجدت شخصا سعوديا لا أعرفه ولا أعرف اسمه اتجه نحوي وقال: (هلا يا أبو المشاقيص... إنت مسافر معانا على السعودية والا مودع؟) فقلت له: عندي 4 أشرطة أريدك أن تأخذها معاك وتسلمها لمحلي "دنانير مشقاص"، وتقول للموظف يحتفظ بها في منزله أو يسلمها إلى شخص يدعى علوي العطاس، وأنا سأعود لاحقاً، وحينما عرف عبدالوهاب باختفاء الأشرطة انزعج كثيراً، واتصل علينا في مقر إقامتنا في بيروت باحثاً عن طلال، فأخبروه المسؤولين على المكان أن طلال غير موجود، ومن الطريف أني استعنت في ذلك الوقت بضابط نقيب في بيروت، ليتمكن طلال مداح من السفر في طائرة المساء، وبالفعل قطع له تذكرة باسم مستعار ومعه أخي لطفي ووصلوا بسلام للسعودية وتسلموا الأشرطة ولحقت بهم في اليوم التالي.

«أطيب الناس»

التقت الفنانة سميرة توفيق كثيرا بالفنان طلال مداح ضمن مناسبات فنية أو حفلات غنائية، وقدمته في أكثر من حفل في لبنان، ومن شدة إعجابها بأغنياته قررت أداء واحدة من أشهرهها «مقادير»، لكن ما يؤخذ على أداء سميرة للأغنية أنها لم تتمكن من اتقانها، إضافة إلى أنها لم تصل إلى درجة إحساس طلال مداح، فكانت تؤديها بطريقة مختلفة، حيث كانت الأغنية مفعمة بالشجن والألم واللوعة، وجاء اللحن متماشياً مع دفقة المشاعر في الكلمات، بينما أدتها سميرة بطريقة اللحن النقازي - الراقص - مع محاولة في تسريع اللحن، فكانت تغني أغنية حزينة على موسيقى راقصة، فظهرت الأغنية بطريقة مغايرة.

وعن علاقتها بالفنان طلال مداح، أشادت سميرة توفيق بالراحل، واعتبرت أن ثمة علاقة وطيدة كانت تجمعهما أساسها الود والاحترام والتقدير، فهو كان من أطيب الناس ويتصف باللباقة والكياسة.

أسمر حليوة

من أشهر الأغنيات التي أداها الفنان طلال مداح أغنية "أسمر حليوة" وتقول كلماتها:

أسمر حليوة مخاصمني

سماره هو الي ظالمني

قريب مني في أحلامي

بعيد عني وقدامي

ولا يرضى يكلمني

وإن عاتبته يتبسم

***

أسمر رماني في الهوى بنظرة

واشعل في قلبي حسرة

ويضحك ورده فخدوده

وادعي ربنا يزيده

ولو من قطفه يحرمني

وان عاتبته يتبسم

***

أسمر وسحره في الهوى ألوان

وعوده والله بالحلا ريان

وأحلم به واتمنى وصاله وهو يتجنى

ومدري ليه يخاصمني

وان عاتبته يتبسم

***

أسمر يا محلا يا محلا جماله

وأحلى من حسنه سحره ودلاله

ورسمه صورة فعيوني

ولو بالهجر يكويني

خياله ما يغيب عني

وإن عاتبته يتبسم

«أغراب»... أغنية مغايرة منسجمة مع واقع ثقافي يشهد تحولات متنوعة

يشير الكاتب أحمد الواصل إلى أن مرحلة الستينيات تشكل لطلال مرحلة بداية تلمس الشخصية الغنائية المختبرة للون الغنائي الذي يعبّر عن جيل يرى بعين بصيرة على مستقبل الغناء من خلال تطور حساسيته تجاه الزمن والأفكار والشعور. فقد التقى طلال بلطفي زيني ليؤسِّسا معاً شركة: رياض فون عام 1964- 1970 مع الشاعر المنتظر (خالد بن تركي)، وستظهر أغنيات تحاكي الواقع الاجتماعي بين رافدين من طاهر زمخشري، شاعرا وغازي علي ملحناً في أغنيات شهيرة: «سلام لله يا هاجرنا» و«أسمر حليوة»، كذلك ورشة عمل أخرى بين الشاعرة ثريا قابل - إحدى أوائل الصحافيات والشاعرات السعوديات - والشاعر صالح جلال وألحان فوزي محسون بمثل: «كلام البارح تغير» و«يا حياتي»، وفي جهة أخرى مع الشاعرين أحمد صادق وخالد زارع وألحان طلال نفسه، حيث استطاع كل من زيني ومداح تبني مواهب وإطلاق أسمائها الفنية مثل: المغنية عتاب (طرفة آل طلال) والصوت الكبير ابتسام لطفي (خيرية قربان) وعازف العود والمغني عبادي الجوهر.

وتنوعت أعمال طلال مداح بين الأغنية الحجازية الشعبية من عبدالله محمد وفوزي محسون والأغنية الرومانسية التي وضع ملامحها الأولى بلونها المدموج بين الحجازي والمصري والشامي، في حين توافرت له فرصة الغناء من فن السامري بفضل يوسف المهنا: «علامه» و«يطلع ذراعه»، «ولكن بقي ذهن طلال من حيث تأليفه مقطوعة: «ليالي البرازيل»، والأغنيات التي اختبر فيها الكثير من الحالات العاطفية أن يفكر بأغنية مغايرة، حيث استطاع مطالع السبعينيات أن يلتقي بالشاعر محمد العبدالله الفيصل وبدر عبدالمحسن والملحن سراج عمر، ليدخل مرحلة ثانية عبر مجموعة من الأغنيات كانت أولاها: «أغراب» التي قدمها في منتصف السبعينيات، وهذا ما يوازي من رغبة الجيل تلك الفترة إلى أغنية تعبر عن واقع ثقافي جديد يشهد تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية.

«صوت الأرض» كان يضع لكل مرحلة أهدافاً يسعى لتحقيقها فلم يدع المصادفة تتحكم في مشواره

اقتنى عود محمد عبدالوهاب وعزف عليه أغنياته

عدم وجود النوتة الموسيقية لأغنية «ماذا أقول؟» منع طلال من أدائها في حفلاته

حسن دردير يستعين بضابط لبناني لمساعدة طلال على مغادرة بيروت

التعاون الثاني مع عبدالوهاب لم يتحقق بسبب انتمائهما لشركتين فنيتين مختلفتين
back to top