قبل أن يغادرنا آخر «الوفدين»!

نشر في 09-05-2019
آخر تحديث 09-05-2019 | 00:10
 خليل علي حيدر منذ فترة والحملة مستمرة لـ"تطهير" جهاز الدولة والإدارات والخدمات من الموظفين غير الكويتيين أو "الوافدين"، ويعلم الجميع أن المشكلة في البلاد والإدارة الحكومية والخدمات ليست "الوافدين" بل "الفاسدين"!

أنهت الدولة كما أعلنت الصحف قبل أيام (القبس 3/ 5/ 2019) "خدمات 5650 وافداً"، حيث "تم إحلال كويتيين مكانهم خلال العامين الماضي والحالي".

من جانب آخر قالت الصحيفة إن عضو لجنة تنمية الموارد البشرية السيد محمد الدلال، قد أكد أن الحكومة "لم تقدم للجنة أي تصور واضح، أو خطة استراتيجية متوسطة أو طويلة الأجل لتوظيف المواطنين في القطاعين العام والخاص". وأعلن "الدلال" أن اللجنة سترفع تقريراً تبلغ فيه مجلس الأمة، "بغياب الخطة الحكومية وما سيترتب على ذلك من تفاقم لمشكلة البطالة".

من منا يستطيع البرهنة على أن الموظفين والفنيين والقانونيين والمدرسين "الوافدين" سبب فساد ومشاكل الإدارة الكويتية؟ ومن يستطيع إقناعنا أن الموظف الكويتي، و"الإدارة الكويتية الخالصة" أفضل أداء وأحرص على مصالح المراجعين في الإدارات، والطلاب في المدراس؟ هل هناك من يدرس عملية التكويت والاستبدال المتسرعة المرتجلة هذه، ومن يتابع أداء الموظفين الجدد، أم أننا فرحون بعملية "التوطين" والتكويت وطرد الوافدين، وليكن بعد ذلك ما يكون؟

هل لدينا قنوات إدارية وتعليمية واقعية ومتمكنة لتدريب شبابنا وتأهيلهم لمسؤولياتهم الإدارية والفنية والقانونية والعلمية وغيرها؟ وهل نحن نوهم أنفسنا بالاعتماد على الذات فيما نغرق ربما في المزيد من الفساد والفلتان والتخبط، والشهادات المضروبة والمزيفة؟

إلى أين سيقودنا هذا التكويت غير المدروس والذي يتسع تحت ضغوط سياسية واجتماعية وبرلمانية وغيرها؟ إن كانت هذه "حال طلبة الجامعة"، التي هي موضع شكوى كل الأساتذة الجادين، من ضعف في اللغتين العربية والإنكليزية والثقافة العامة، وهذا مستوى الأبحاث والأداء في الامتحانات والإهمال والغش، وهذه قصص التهرب من الدوام لدى الموظفين والتلاعب بالحضور والغياب والبصمات.

لماذا لا يثق الكثير من المديرين الكويتيين بالموظف الكويتي؟ ولماذا تُسند الأعمال الجادة المتعبة الدقيقة إلى "الوافد" كما يسمى في "ثقافة الدولة الكويتية العميقة"، ويتجنب الاعتماد على الكويتي إلا نادراً؟! ولماذا نرى الكثير من هؤلاء المديرين وكبار المسؤولين يشيدون بأداء "أبنائنا وبناتنا" للصحافة والإعلام، في حين يشتكون مُرّ الشكوى من إهمال هذا الموظف وعدم كفاءة تلك الموظفة الكويتية عندما يتحدثون بعيداً عن الصحافة والكاميرات؟

الموظف الكويتي ليس فصيلة نادرة، ومشاكله في الأداء الوظيفي معروفة للجميع، ولا أحد يمتدح كل موظف غير كويتي ولا يطعن في أداء كل موظف كويتي، ولكننا بصراحة أمام مشكلة حقيقية في إدارة الدولة والوزارات، ووسط خليط مخيف من عدم الكفاءة الفردية والتخبط الإداري والفساد الفردي والضياع الحكومي!

لا أحد من الشباب والشابات ممن نراهم كل يوم يتحدث مثلا عن طرق جديدة لحل المشاكل أو ضرورة تطبيق التجربة الفلانية أو المحاولة الفلانية أو استشارة الخبير الفلاني أو إثارة القضية الفلانية، الكل يتفنن في الحديث عن قصص "الواسطة" ونفوذ فلان وفلان في تجاوز القوانين والقفز على الموانع، والكل يتحدث عن "عمة" فلانة، و"خالة" الأخرى، و"نسيب" فلان، وكيف تحققت حلول أعقد مشاكل التعيين والترقية بعد مكالمة أو إشارة منه أو منها!

لماذا لا يثق الكثيرون منا بإتقان هذه الفئة من الموظفين الكويتيين لعملها، وهم كثرة، ويرون أن أداء الموظف الوافد والموظفة غير الكويتية أفضل وأدق وأسرع؟ من يحاسب الموظفين الكويتيين الذين لا يردون على أي مكالمة في إدارتهم، أو يقول شيئا للموظفات اللواتي قلبن الإدارات إلى مطاعم؟!

من الأسباب الأساسية أن غير الكويتي أو "الوافد" لا تحميه إلا مؤهلاته وجودة أدائه ومثابرته وتركيزه على عمله، في حين الموظف الكويتي، رجالاً ونساء، في مأمن من التقييم والمحاسبة، والثواب والعقاب، ولهذا فهو أول من يهمل واجباته، وأقل من يبذل أي جهد لتطوير معلوماته ومهاراته وتوسيع خبرته، وآخر من يتعرض للمحاسبة الجادة التي قد تنتهي بخسران الوظيفة.

بل حتى كبار المديرين والمسؤولين الكويتيين، ممن يتسبب بعضهم في خسائر مليونية للدولة في قضايا المحاكم، بسبب الإهمال والتسرع والعناد والتنفيع والفساد وغير ذلك، نراهم يفلتون عادة من العقاب والمحاسبة، ولا تصيبهم حتى ورقة "لفت نظر"، إن لم تمتد إليهم ذراع الواسطة والحسابات القبلية والطائفية والتوازنات المختلفة، فتزداد مكانتهم ومناصبهم رفعة!

عدم إخضاع الموظف الكويتي للمحاسبة والمتابعة الإدارية، وغياب أي تقييم محايد لأدائه هو في الواقع تكملة للتعليم الضعيف المحابي الذي تلقاه هذا الموظف، والنجاح الآلي المجامل الذي تمتع به في الثانوية والجامعة، حيث يخاف المدرس من المدير، والمدير من الوزارة، والوزارة من البرلمان، والبرلمان من الجمهور... وهكذا!

الكثير من هؤلاء يساهم دون رؤية واضحة في مشكلة "إجلاء الوافدين" في أسرع وقت، في حين يعرف في قرارة نفسه ويرى بعينيه أن المشكلة ليست في هذا الموظف الوافد، بل في الأساس في تضخم الجهاز الوظيفي وغياب المحاسبة وهيمنة الواسطة والتهرب السياسي عن طريق "القبول الآلي" و"النجاح الآلي" و"التعيين الآلي" والمحاباة التي لا حدود لها مع دفع رواتب دون عمل!

الموظف الكويتي المتردي الأداء ضحية كذلك لمجلس الأمة في مواسم الانتخابات، حيث يستميت الأعضاء ومعهم بعض الأطراف الحكومية لتحقيق نتائج معينة، وبعد ذلك أيضا لضمان النجاح في الدورات القادمة.

وهو كذلك ضحية للجمهور المجامل الذي يبحث مع الإدارة الفاسدة أو المتخبطة عن كبش فداء،

يعتبرونه مسؤولا عن تردي أوضاع الكويت وانتشار الفساد. ولا أحد يلوم حقاً، لوماً له حساب وكتاب، سوء الإداء الرسمي والترهل الإداري وارتجال الحلول، وكل عللنا التي أعيت الطبيب المداويا.

نحن في الواقع نلحق الضرر الشديد بمصالحنا ومستقبلنا من الجانبين، فلا نضغط على مواطنينا كي يتحملوا مسؤوليتهم ويطوروا أنفسهم مهنياً، وذلك بما نوفر لهم من حماية وتسهيل وانحياز، فيتردى بذلك أداؤهم، ونعجل في الوقت نفسه بطرد "الوافد" الذي يتقن عمله، ويستسلم للمحاسبة والتدقيق وتسهيل مراقبته واتخاذ أي قرار يحدد وضعه الوظيفي بل مصيره الإداري.

ومن الخطأ النظر إلى الموظف غير الكويتي بأنه غير مخلص أو غير أمين أو فاسد، فالواقع أن مصيره بيد الإدارة الكويتية والمدير والوزير، ولو صلح هؤلاء جميعاً لصلح الكويتي وغير الكويتي!

وكم من موظف وافد قضى على أمانته وإخلاصه وتفانيه فساد الموظف والمدير والمسؤول الكويتي... للأسف!

نحن لا نغري ذوي الخبرات والموظفين الجيدين وبخاصة في القطاع الحكومي بالبقاء، وحتى لو بقي هذا الموظف في الكويت فترة طويلة، وكان من أفضل الموظفين والمدرسين، ولو كان بعض هؤلاء قد ساعدته الظروف على الهجرة إلى ألمانيا أو الولايات المتحدة أو بريطانيا لكان اليوم يملك ما يملك، ويحمل أفضل جواز سفر، ولكان أبناؤه حائزين أفضل تعليم! أما هنا، "بين قومه وأهل دينه" فلا ينظر إليه إلا كوافد، على السلطات الإدارية استبداله والتخلص منه، على جناح السرعة مع أسرته!

تذكروا الشهادات المزورة من قبل كبار وصغار الموظفين الكويتيين، وتكدس طلاب الماجستير والدكتوراه لدراسة القانون في الجامعات الرديئة والتخصصات غير المطلوبة، وتذكروا أساتذة الجامعة الكويتيين والموظفين في قطاعات النفط والبلدية والبريد الكويتي التي وصلت شهرة رداءته ولا جدواه إلى أصغر مكتب بريد في البلدات الأميركية!

الوافد ربما أسهل حمل يُقذف به خارجاً... لحماية السفينة!

back to top