«الكتابة الإبداعية كتابة معاصرة» (2-2)

نشر في 08-05-2019
آخر تحديث 08-05-2019 | 00:05
 طالب الرفاعي في جامعة أيوا الأميركية، وجامعات أميركية أخرى، تُدرَّس الكتابة الإبداعية، للقصة والرواية والشعر والمسرح، كتدريس أي مادة علمية كالفيزياء أو الرياضيات. وقد بدأ تدريس الكتابة الإبداعية في منتصف الأربعينيات بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تشكّلت قناعة، يجتمع حولها الكتّاب والمدرسون والطلبة، بأن الكتابة الإبداعية علم متجدد وعصري، وله أصوله وطرق تدريسه، وبالتالي له منهج ووسيلة تعلم وله مدرّس متخصص، وله طالب/كاتب موهوب يتوفر على شغف القراءة والاطلاع وتطوير وعيه الفني. وهو يتقدم للكلية، أو قسم الكتابة الإبداعية لمعرفة عناصر الكتابة الأساسية والإلمام بها، وصقل موهبته على يد أستاذ هو بالأساس كاتب قاص أو روائي أو شاعر. وأخيراً لإقامة شراكة في الكتابة بينه وبين زملائه من جهة، وبينه وبين المدرِّس/الكاتب من جهة أخرى.

الكتابة الإبداعية اليوم هي علم العصر. وإذا كان عدد كبير من جامعات ومعاهد الوطن العربي، ما زال يُدرّس الأجناس الأدبية، وأخصّ منها القصة القصيرة والرواية، بشكل تقليدي تلقيني، معتمداً على تعاريف أكاديمية نظرية خالصة، ما عادت تواكب حركة الإبداع المتجدد في العالم، ولا عادت قادرة على تقديم عونٍ حقيقي لطلبة الكتابة الإبداعية، الذين يحاولون شق طريقهم في عالم الكتابة المتغيّر؛ فإن وقوفاً مستحقاً أمام مناهج تدريس "الكتابة الإبداعية-Creative Writing" في أميركا وأوروبا واليابان والصين يُظهر أن طرقاً جديدة وأدوات كثيرة عرفت طريقها للتدريس منذ ما يزيد على الخمسين عاماً؛ طرق تعتمد على تفاعل المدرِّس والطالب والمنهج وطرق التدريس والأدوات المستخدَمة. فمعظم الجامعات في الغرب صارت تحرص على أن يدرّس مادة الكتابة الإبداعية متخصص في الجنس الأدبي، فكتّاب القصة المعروفون والمشهود لهم بالنتاج القصصي هم منْ يدرّسون مادة القصة، والروائيون المشهود لهم بكتابات روائية مبدعة هم من يقوم بتدريس فن الرواية. هؤلاء يدرسون المادة مستندين إلى موهبة وخبرة ومعرفة عملية عميقة بالفن والكتابة والممارسة والنشر. حتى إن جامعات كثيرة في الغرب صارت تتعاقد مع الكتّاب المخضرمين، الذين لم يحصلوا على شهادات علمية، كالماجستير والدكتوراه، بتوظيفهم وفق ما يُسمى بنظام "إقامة الكتّاب-Writers in residence"، وهو نظام توظيف يتيح للجامعات والمعاهد الحكومية، وحتى الأهلية، التعاقد مع الكاتب المشهود له بنتاج إبداعي كبير ومتجدد، بأن يكون أحد أساتذتها لتدريس الجنس الأدبي الذي برز وعُرف به.

الكليات التي تدرّس مناهج الكتابة الإبداعية الجديدة، لا تقبل الطلاب إلا بعد اختبارات الموهبة، وبعد إجراء المقابلات الشخصية. فهي تستقطب الكاتب الشاب، الكاتب الموهوب الذي لديه عمل أو مخطوط أدبي، والذي يتحرق لتعلم صنعة الكتابة، إذ تعتمد الدراسة على أجزاء نظرية، وتعتمد أكثر على منهج عملي يقوم على ورشة كتابة تفاعلية، يقدم الطالب خلالها وطوال مدة الدراسة نصوصاً مبدعة، ويقوم المدرِّس بمراجعة ومناقشة تلك النصوص، سواء بشكل شخصي أو بتفاعل الطلاب المشاركين في الورشة. كما أن ورش الكتابة الإبداعية تعتمد على حوارات جماعية مفتوحة تنبع من الوعي والتحصيل الأدبي والتجارب الشخصية، وتنتهي إلى النظر في الموقف من قضايا الإنسان والحياة.

إن نظرة فاحصة لطرق تدريس الآداب في الجامعات والمعاهد العربية، تظهر أنها باتت أبعد ما تكون عن رتم اللحظة الإنسانية الراهنة ونبض العصر، وعن عصر ثورة الاتصال والإعلام، وعصر محركات البحث، عصر العالم قرية كونية، ومواقع التواصل الاجتماعية، وأنها تفتقر لمنهج حديث بأدوات حديثة بطرق حديثة، بوعي عصري لطبيعة العلاقة بين الطالب والمدرس، حين يكون كلاهما كاتباً.

الكتابة فعل متغير على مستوى وعي الكاتب، ومستوى البيئة الفكرية والعلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعيشها. وهذا ما يوجب علاقة جديدة ومتغيرة بين طلبة الكتابة الإبداعية وبين محيطهم التعليمي. مع الانتباه إلى أن عالم ومناهج ومواد الكتابة الإبداعية، إذ تخاطب شباباً ينوي الدخول في عالم الكتابة؛ فإنها أعجز بكثير من أن تخرّج كاتباً، إن لم يكن ينطوي على موهبة متوقدة، ورصيد قراءات كبير، وزمّ وجلَد على خوض مغامرة كتابة جديدة تخصه بعالمه وروحه.

back to top