سدانيات: على أعتاب «السوجيني»!

نشر في 03-05-2019
آخر تحديث 03-05-2019 | 00:08
 محمد السداني لم تكن تلك الشقراء المتجردة من بعض ثيابها الثقيلة تعلم ما بداخل الكأس التي أمامي، فقد دعاها جو الطائرة المائل إلى الدفء أن تخلع سترة قطنية ثقيلة تحمل اسم علامة تجارية عالمية أميركية أجبرتنا العولمة على ارتدائها لنتشابه جميعا في اللباس والقالب والمحتوى، لم تكن تعلم محتوى هذا المشروب الثائر على زجاج الكأس الرقيقة، ثائر مثل ثورات الجياع في القرى أو مثل اضطراب قاطني المدن الذين يعيشون حياة يلهثون وراء سرعتها وماديتها. حيَّت تحية رقيقة وبدأت تتحدث عن مشاق الرحلة وجو الطائرة الحار وهي تنظر إلى كأس "السوجيني" وتنظر إلى ملامحي العربية التي تحمل مجد الأمويين وتضعضع العباسيين وشتات الأندلسيين، وكأن هناك فارقا بين صورة الكأس ووجهي العربي المليء بالانكسارات، لم ألحظ في سماء صدرها نجمة سيميائية لنا معها قصص وحكايات، عرفت نفسها– سيرينا- يهودية تعشق السفر، لم تعلن يهوديتها على يد حاخام أمامي، لكن النجمة السداسية الصغيرة على صفحة صدرها المتشح بقميص العولمة عرّفتها أيما تعريف، رأتني وأنا أحتسي السوجيني وأقرأ كتابا عن أنظمة الحكم في الإسلام، وكانت تجيد عربية بسيطة لا تشبه عربيتنا التي تخلينا عنها في الكثير من مواقف حياتنا، فقد ورثتها عن أمها العربية مثلما ورثنا ذلَّ الخنوع والاستسلام للقوى العالمية التي لم تُرد بشعوبنا خيراً من عهد سايكس وأخيه بيكو، كانت نظرتها إلى "السوجيني" تطرح ألف سؤال وسؤال، وتحاول تفكيك إشكاليات العصر الحديث وقضايا الأمة التي انشغلت بها شعوب المنطقة بين السماح بالخمور أو منعها، أو قيادة المرأة وتمثيلها السياسي، مبادرا لحل تلك الإشكالية التي ارتسمت على صفحة وجهها الأشكنازي قلت مفصحا عما في هذه الكأس: إنه سوجيني شراب خال من الكحول مثل حياتنا العربية الخالية من الكرامة والمستقبل المشرق والتعليم المتطور، خال من الكحول وكأنني أزجرها لظنها السيئ بي، والحقيقة أنها لم تكترث، فلم تكن مصيبة شربي للخمر بالأمر الجلل الذي يستحق انتباهها. إنَّ السوجيني يمثل حالة نعيشها وتعيشنا حالة الفصام الذي يعيشه مجتمع بأسره، يبحث عن المتعة ولكن بعيدا عن أعين المنتقدين، ويعتقد بأفكار وتوجهات لا يستطيع أن يشاركها مع محيطه خوفا من ذم اجتماعي وإقصاء ديني وتهميش نفسي، كم مرة تمنينا أن يكون أي شيء في حياتنا "سوجينيا" يحمل شكل الحرام، لكنه في أصله حلال، وكم من حلال ومباح رأينا علماء السلطة والجهلة ألبسوه لباسا "سوجينيا" دون الإفصاح عن أصله ومحتواه.

خارج النص:

- أتمنى من المنظرين وأصحاب الشعارات الرنانة الذين صدعوا رؤوسنا باحترام القوانين والشرف والأمانة ألا يكونوا جزءا من حملة– نجحوا عيالنا- التي تتزامن مع الاختبارات في جميع المراحل، وأن يعلموا أبناءهم الشرف والأمانة في الحصول على المعلومة نظريا وعمليا.

- استجوابات المرحلة الأخيرة هي كشف تسلل لجميع الضعفاء والعنصريين، وبعضها يريد بعض الإصلاح لا كله.

back to top