«واتساب» سلاح لنشر الكراهية المعادية للمجتمع في الهند

نشر في 02-05-2019
آخر تحديث 02-05-2019 | 00:00
 ذا كونفرزيشن تبدو الانتخابات العامة في الهند، أكبر دولة ديمقراطية في العالم من حيث عدد السكان، عملية مستحيلة نظرياً، فقد اصطدم جمع أصوات نحو مليار شخص موزعين في شبه جزيرة بالغة التنوع طوال أكثر من نصف قرن بتحديات كثيرة في مجالات عدة، منها الخدمات اللوجستية، والسياسة، والاقتصاد، والعنف، والقانون.

لكن تحدياً جديداً نشأ هذه السنة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً تطبيق الرسائل النصية واتساب التابع لشركة فيسبوك، إذ تُعتبر خطابات الكراهية، والمعلومات الخاطئة، والشائعات المخيفة على هذه المنصة مسؤولة اليوم عن أعمال عنف وقتل في الهند.

ستُظهر الانتخابات البرلمانية لعام 2019، التي تُعقد راهناً، مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الحياة الديمقراطية الهندية، كذلك ستقدّم معلومات إضافية عن طبيعة المخاطر التكنولوجية التي تهدد الديمقراطية عموماً.

فقبل سنتين من اختراق مجموعات المتصيدين الروس فيسبوك في محاولة للتلاعب بالانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016، أدت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في السياسات الهندية، فساعدت حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي ومرشحه المتشدد لمنصب رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الإمساك بزمام السلطة بطريقة مختلفة عما شهدناه في الولايات المتحدة. في الهند، قاد حزب بهاراتيا جاناتا حملة مذهلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً على فيسبوك وتويتر ولو بمقدار أقل، فساهمت جهود هذا الحزب على شبكة الإنترنت في إكمال حملته على الأرض، التي لم تقل عنها تنظيماً، وأغنتها، فضمنت فرق العمل على مواقع التواصل الاجتماعي، التي دربها بهاراتيا جاناتا، فضلاً عن جيش كبير من المتطوعين المتحمسين، أن يظل وجود هذا الحزب على شبكة الإنترنت أكثر نشاطاً من خصومه. استغلت مجموعة تكنولوجيا المعلومات التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا وداعموه قوة وسائل التواصل الاجتماعي السياسية، فأطلقوا وابلاً مسيئاً غالباً من الانتقادات في وجه حزب المؤتمر الوطني الهندي، ورئيس الوزراء آنذاك مانموهان سينغ، وغيرهما من خصوم حزب بهاراتيا جاناتا.

ولكن في المرحلة التي تسبق انتخابات 2019 تُستغل وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة أبشع وأكثر خطورةـ، إذ يملك بهاراتيا جاناتا تطبيقه الخاص الذي يعج بالمعلومات الخاطئة والدعاية المحرّضة المناهضة لغير الهندوس، اللتين نشرهما أعضاء هذا الحزب وداعموه. وعلى نطاق أشمل، يُستعمل واتساب لنشر الإشاعات والمعلومات الكاذبة بغية تأجيج الخوف بين الناس، وخصوصاً بشأن مَن يُعتبرون دخلاء. عمل جيش حزب بهاراتيا جاناتا المتطوع من متصيدي الإنترنت على تشويش الخطوط الفاصلة على الشبكة بين مثيري الشغب، والداعمين الحقيقيين، ومسؤولي الحزب، فدفعت حدتهم الجماعية، وخصوصاً بشأن القومية الهندوسية، الجميع، بما في ذلك منصات وسائل التواصل الاجتماعي، والعاملون في مجال تطبيق القانون، والمواطنون العاديون، إلى حافة العنف.

الخطر حقيقي، حيث يشير أحد التقارير إلى أن سوء استعمال واتساب أدى إلى أكثر من ثلاثين جريمة قتل في الهند، علماً أن الكثير منها لم يكن لأسباب سياسية بل بسبب الخوف من الدخلاء الذي نشرته رسائل واتساب تحمل تحذيرات مفبركة عن غرباء زعمت أنهم يقصدون المجتمعات الريفية لخطف الأولاد.

لم يتضح بعد ما إذا كانت التدابير الإصلاحية التي اتخذها واتساب، مثل منع المستخدمين من تحويل الرسالة ذاتها أكثر من خمس مرات، ستوقف بفاعلية نشر المعلومات الخطيرة والكاذبة، بعدما أخفقت القيود السابقة، التي شملت الحد من تحويل الرسائل أكثر من عشرين مرة. لا شك أن تكنولوجيا التواصل لا تجعل الأمور تحدث من تلقاء ذاتها، بل يعتمد تأثيرها على كيفية استعمالها، وفي الإطار الهندي شرّعت الحكومة الائتلافية، التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا وعلى رأسه مودي، وحلفاؤها الرقميون، درجة عالية جداً من التعصب والخبث ضد الأقليات، وخصوصاً المسلمين وأعضاء الطبقة الدنيا الذين يُدعون المنبوذين.

يُظهر بحثي الخاص، الذي أعرضه في كتابي المقبل، أن الطبيعة اللامركزية للشبكات على الإنترنت سمحت لحكومة حزب بهاراتيا جاناتا باستغلال رسائل الكراهية والعنف التي وجهتها مجموعات قومية هندوسية متشددة أخرى، متفادية رغم ذلك المساءلة أو تحمل مسؤولية هذه الرسائل، كذلك أتاحت لحزب بهاراتيا جاناتا الاستفادة سياسياً من العنف الديني، ملقياً في الوقت عينه اللوم على واتساب أو فيسبوك. تثير هذه التطورات في الهند أسئلة أعمق عن طبيعة الاتصالات على مواقع التواصل الاجتماعي. فقد يدفع سوء استغلال وسائل التواصل الاجتماعي هذا خصوصاً كثيرين إلى إعادة النظر في العلاقة بين حرية التعبير، بما فيها تحويل رسائل إلى آخرين، والعنف، وستشكل نتيجة الانتخابات الهندية مجرد إشارة واحدة إلى كيفية تخبط مجتمع مع الطريقة التي يسمح بها الناس للتكنولوجيا بإعادة صوغ حياتهم.

* «روهيت تشوبران»

back to top