دولة المؤسسات... خيارنا

نشر في 01-05-2019
آخر تحديث 01-05-2019 | 00:18
 محمد المقاطع إن دولة المؤسسات هي الخيار الذي انحاز له أهل الكويت وحكامهم، فمنذ مرحلة إرهاصات الاستقلال في الخمسينيات تحركت في الكويت، بشكل سريع، عجلة إرساء دولة دستورية حديثة، بدلاً من المشيخة القبلية، وقد تمثل ذلك بخطوات عملية لتشييد بناء دولة مؤسسات، فصدرت جريدة كويت اليوم عام ١٩٥٤، لتعلن بدء الانتقال العملي لدولة القانون بمؤسساتها المعروفة، وتلت تلك الخطوة أكبر نقلة تشريعية وتنظيمية للبلاد، إذ صدرت في الفترة من ١٩٥٤ وحتى عام ١٩٦١ أهم قوانين البنية التشريعية لدولة المؤسسات، فنظمت الإدارات والمرافق والمؤسسات الحكومية، وأرسيت السلطات المختلفة التنفيذية والقضائية والتشريعية، وقد أكمل بناء تلك القوانين صدور دستور فترة الانتقال في يناير ١٩٦٢، ليضع خريطة طريق لإقامة دستور يواكب استقلال الكويت، ويكون أساساً لمؤسسية الدولة بانتخاب مجلس تأسيسي من أبناء الكويت، بوضع دستور الدولة الفتية، وقد توجت جهود المجلس التاريخي، بالتعاون مع أمير الكويت وقتذاك الشيخ عبدالله السالم، وفِي معيته الأسرة الحاكمة، بوضع الدستور الحالي في ١١/١١/ ١٩٦٢، ليكتمل ميلاد دولة الدستور والمؤسسات، التي كان يحلم بها أهل الكويت.

وأرسى الدستور الجديد نظاماً دستورياً فريداً متوازناً يلبي طموح الشعب، ويصون للأسرة الحاكمة مكانتها، باعتبار الحكم شراكة متكاملة بين الشعب والأسرة الحاكمة، بما يفسح لكل منهما دوره وسلطاته، دون تفريط أو إفراط، ودون رفع أي منهما بمنزلة أعلى من الآخر، فكانت أحكامه متوازنة وتشكل مرجعية رصينة للشراكة الحقيقية في الحكم والإدارة.

وقد تتالت مراحل بِنَاء هذه الشراكة وتقويتها، وأخذت دولة المؤسسات طريقها الطبيعي بمسار مؤسسي وبخطى ثابتة، في ظل بحبوحة سياسية وحريات حقيقية وممارسة برلمانية وديمقراطية ناضجة، وهو ما أثار تقدير وإعجاب الدول العربية والأجنبية وشعوبها، فكانت أصداؤها تتردد دائماً بالمحافل العربية والعالمية، مصحوبة بالإعجاب والتقدير.

لم يكن بعض الأطراف، سواء من المتنفذين أو بعض أبناء الأسرة الحاكمة، ينظرون بعين الرضا للنظام الدستوري الجديد ولدولة المؤسسات، إما ظناً منهم بأنه يضر بمصالحهم، أو لاستشعارهم عدم القدرة على التأقلم مع نظام يرسي دولة مؤسسية منظمة. ومن هنا بدأ التحريض ومحاولات القدح في النظام الجديد، أو حتى تخريبه، وقد فشلت معظم تلك الجهود ونجح بعضها، ورغم ذلك استمرت دولة المؤسسات، لكن بشكل منقوص، وببعض التشويهات المصطنعة، ثم بعد التحرير من الغزو العراقي تم تنقية دولة المؤسسات من بعض النواقص، لكن ما زال البعض منها عالقاً ويقلل من فاعليتها.

وجاءت مرحلة انتقال الحكم لسمو الأمير الحالي، فثبت للجميع أن الدستور ودولة المؤسسات هما طوق النجاة وسر القوة لوطن اسمه الكويت.

ولعل من المناسب أن نذكر بعض الملاحظات التي تعتبر نواقص في دولة المؤسسات الأولى، أو التي حلم بها الكويتيون:

- استمرار إسناد رئاسة الوزراء لأحد أبناء الأسرة الحاكمة، في الوقت الذي ينبغي أن تكون شعبية.

- وجود أعداد كبيرة من أبناء الأسرة الحاكمة كوزراء، في حين ينبغي ألا يتجاوز عددهم اثنين، وفقاً للمذكرة التفسيرية.

- إعطاء أبناء الأسرة وضعاً بروتوكولياً واقعياً يجعلهم بمكانة الأسبقية على الوزراء والمسؤولين الرسميين.

- منح رئيس الوزراء وغيره من أبناء الأسرة لقباً يجب أن يكون مقصوراً على الأمير وولي العهد، وهو لقب "سمو".

- وجود العديد من القوانين التي تقيد الحريات وتنتقصها.

- صدور قانون انتخاب يقيد الحق الانتخابي ويكرس مجتمع الاستقطاب الفئوي أو الطائفي أو القبلي، ويضر بالوحدة الوطنية.

- التخريب الواقعي لمجلس الأمة من خلال المال السياسي المشبوه والفاسد، الذي صار معلوماً للجميع، والتراخي تجاه الراشي والمرتشي.

- إفراغ دولة المؤسسات وتعطيل عمل العديد من الجهات الرقابية المهمة.

- ولعل من المناسب أن نذكّر بأن دولة المؤسسات هي خيار أهل الكويت، وتعزيزها قوة للكويت بأسرتها الحاكمة وشعبها معاً، وإضعافها ليس من مصلحة الوطن وأبنائه، فهلّا أدركنا هذه الحقيقة وحافظنا على دولة المؤسسات الحقة.

back to top