الانسداد السياسي وصراعات الشيوخ

نشر في 01-05-2019
آخر تحديث 01-05-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار لا أعرف إن كان هناك اهتمام بالاستجوابات بين الناس، حيث يفترض أن يكون اشتعالها فجأة يمثل انعكاساً لحالة شعبية، إلا أن الاهتمام بها وبحيثياتها صار أدنى بكثير من "رادار" الناس، مع كثير من التشويش حتى كادت تتحول لشأن شخصي بين مستجوب (بكسر الواو) ومستجوب (بفتح الواو). لم يعد للسياسة عندنا لا طعم ولا لون ولا رائحة، ويبدو أنها ماتت منذ زمن، كما تبخرت موازين القوى في المجتمع. ربما لدينا شوية مناوشات، شوية صراخ، وأحياناً أشياء تتطاير، عقل وما دونها من أدوات الإلباس. كل استطلاعات الرأي المعتبرة تشير إلى انعدام ثقة كبير في المجلس والحكومة، وغيرها. فالسياسة عندنا وكأنها في حالة إنعاش سريري، حتى إشعار آخر، لا يدرك المعالجون، إن وجدوا، أين العلة، وأين هي الأزرار المناسبة لتحريك ذلك الجسد الراكد الهزيل، فلا نرى إلا خيالات.

الحالة السياسية في البلد تسير على ما تبقى من وقود قديم، شوية غاز، وشوية كيروسين، وشوية بنزين، وربما ديزل، وعلى حس ما تبقى من قيم دستورية. ذلك الوقود القديم في طريقه للنفاد، وحينها، فإنه حتى ما لدينا من مرونة فطرية أو مكتسبة سيتراجع بالتدريج.

حالات التراجع والفوضى والصراع بين الشيوخ، الذي يؤثر هنا أو هناك، هي كلها مجتمعة محاولات تسعى لحرق ما تبقى من ذلك الوقود.

أما ما يبدو على مشهدنا السياسي من اشتداد وسخونة وطيس هذه الأيام فأغلبه نتاج لاحتدام بين مراكز قوى تأهباً لمرحلة قادمة، يكون فيها ترتيب بيت الحكم بتراتبيته مضموناً لهذا أو ذاك. سواء من هم في الساحة أو من اختفوا من الملعب تحت الإضاءة أو من أطفئت عنهم الأنوار أو من هم وراء الستار.

وربما ذاك ما يفسر التوتر والقلق وحجم الكذب والشائعات في كل شيء تقريباً، وعلى كل مستوى، حتى من أولئك الذين يظهرون بأنهم إصلاحيون يريدون ترميم البيت ورتق النسيج الاجتماعي الممزق، والحفاظ على أمن الدولة، وأمن الدولة منهم براء.

المعركة، أو المعارك الصغيرة، التي بدأت ولا يبدو أنها ستنتهي قريباً، ستزيد اشتعالاً مع الوقت، وستصبح جزءاً من مسلسل رمضاني ممل، يحاول كل طرف أن يقصي الطرف الآخر، أما معالجة التدهور والتراجع العام للدولة فهي في آخر سلم الأولويات، إن كانت هناك أولويات بالأساس.

back to top