أسطورة إنسان الكويت وليس مذكرات بحار!

نشر في 30-04-2019
آخر تحديث 30-04-2019 | 00:19
 د.نجم عبدالكريم عندما أزور نيويورك، لابد لي من زيارة مسارح برودوي لمشاهدة ما يُعرض من مسرحيات أو موسيقى كلاسيكية، وكذلك هي الحال في لندن وغيرها من العواصم التي يتيسر لي زيارتها، فمن أولويات اهتمامي الوقوف على ما تعرضه المسارح، وأكثر ما يلفت انتباهي في المسرحيات هو تلك التقنيات الحديثة في السينوغرافيا والصوت والإضاءة، وكذلك التجديد في التأليف. وعلى سبيل المثال، شاهدت مسرحية "هاملت" لشكسبير، التي تقع أحداثها في القرن الثالث عشر بالدنمارك، تقدم على خشبة المسرح بأسلوب جديد، لأن من يشاهدها يشاهد أحداثاً كأنها وقعت في العصر الراهن، والسيوف تُستبدل بالمسدسات... وهكذا دواليك.

وبعد مشاهدتي لأي عمل إبداعي كنت أتساءل: متى سنصل إلى هذا المستوى؟!

***

• في السنوات القليلة الماضية، كنت أتابع عبر الصحف ما يُنشر عن نشاطات مركز الشيخ عبدالله السالم ودار الأوبرا ومركز الشيخ جابر الثقافي.

لكن عند زيارتي الكويت في الأسبوع الماضي تيسّر لي مشاهدة عمل فني رائع (مذكرات بحار)، لأنني تعايشت بتجربة شخصية مع هذه القصيدة، حينما كان يكتبها الشاعر محمد الفايز (سيزيف)، لأنها كانت تذاع في الإذاعة الشعبية، وكنت أحد العاملين فيها، مما شدني أكثر لمشاهدتها... رغم أنني أذكر جيداً كيف تُرجمت "مذكرات بحار" بالصوت والصورة، عندما أبدع في إخراجها صديقي الأستاذ محمد السنعوسي أيّما إبداع.

***

• في مركز الشيخ جابر الثقافي، بدأ العرض بأبيات شعرية مع موسيقى مصاحبة لها، ثم بدأت الأصوات الكويتية الجميلة تشدو، فلم أتمكن من شدة تفاعلي من أن أتمالك نفسي، فتدفق الدمع الهتون، ليس لإبداع المخرج الإنكليزي تاما ماثيسون، ولا لما كتبه سعود السنعوسي من حوار مؤثر، ولا لروعة الفرقة الموسيقية، ولا لأداء الممثلين أو الحرفيات التي عيّشتني وكأنني في أعرق دور العروض المسرحية التي شهدتها في العالم، ولكن كنت أبكي إنسان كويت ما قبل النفط، وكيف كان يصارع الموت من أجل صناعة حياة كريمة شريفة لا كراهية فيها، وكيف كان الحب يجمع أهل الكويت حيث كانوا فرساناً ملتزمين بأخلاقيات الإسلام الصحيح.

كانت "مذكرات بحار"، التي تُعرض أمامي، في واد، بينما كنت مع نشيج دموعي في وادٍ آخر، وأنا أقارن بين هؤلاء اللصوص سُراق المال العام والمرتشين والمزايدين والمتاجرين بالدين ومشوِّهي الديمقراطية ومن لوّثهم الثراء الفاحش، فجعلوا وطن النهار مرتعاً لفسادهم؛ كنت أقارن بينهم وبين شرفاء الكويت الذين صورتهم "مذكرات بحار"!

يا الله.. يا الله.. ما كان أروع إنسان الكويت الذي صوّره هذا العمل الفني الجميل! وما أرذل وأسفل وأحط ذاك الذي يتعمد إفساد الحياة لهذا الوطن الجميل! وكم كانت المرأة الكويتية رائعة في هذا العمل... لقد أنصفتها "مذكرات بحار".

***

• رغم أن ما جئت عليه من اختزال حزين لم يفِ الأمسية الفنية حقها، فإنني خرجت من مركز الشيخ جابر الثقافي في غاية السعادة، لأن من خططوا لإقامة أوبرا ومراكز ثقافية بهذا الحجم يفكرون فعلاً بكويت ذات مستقبل حضاري.

back to top