التدخل الروسي في السياسة الأميركية ... حادثة ستيف بارتمان

نشر في 28-04-2019
آخر تحديث 28-04-2019 | 00:00
 ريل كلير دفع صهر الرئيس الأميركي ومساعده في البيت الأبيض غاريد كوشنر وسائل التواصل الاجتماعي اليسارية إلى حالة من الاضطراب بتقليله من شأن التداعيات الفعلية لجهود روسيا في انتخابات عام 2016، فقد وصف التدخل الذي وجهه الكرملين بـ"الأمر المريع"، إلا أنه أوضح أن "كل التحقيقات والتخمينات التي شهدتها السنتين الماضيتين كان لها انعكاس أشد وطأة على ديمقراطيتنا من بضعة إعلانات على فيسبوك".

عندما أيّدتُ تقييم كوشنر في برنامج على شبكة "سي إن إن" مع زميلي المضيف كريس كومو، جوبهت بالسخرية والاستهجان، ولكن إليكم الواقع: لا شك أن تدخل روسيا غير مرحبّ به البتة وغير مشروع بالتأكيد، إلا أن المغالاة الكبيرة في رد فعل مناهضي ترامب في الحكومة ووسائل الإعلام على حد سواء تخطت بأشواط الضرر الناجم عن المؤامرة الاستخباراتية الخارجية البسيطة عام 2016.

يمثّل رد الفعل غير المتوازن البتة هذا نظيراً سياسياً لحادثة ستيف بارتمان في إحدى مباريات اتحاد كرة المضرب للمحترفين، ففي عام 2003، كان فريق "شيكاغو كابز" يقود بطولة الاتحاد بمجموع ثلاث مباريات لمباراتين وكان متقدماً بنتيجة 3-0 في اللعبة السادسة على أرضه مع خروج لاعب واحد خلال ثمانية أشواط. طارت كرة عالياً لتتخطى حدود الملعب، غير أنها كانت لا تزال في متناول لاعب الميدان الأيسر، لكن مشجّع فريق "كابز" القديم، ستيف بارتمان، أمسك الكرة في خطوة كان سيقوم بها كثيرون من عشاق كرة المضرب، معيقاً بالتالي محاولة مويزس ألو لالتقاطها. بالغ اللاعبون والمشجعون على حد سواء في رد فعلهم، مرغمين بارتمان على مغادرة ملعب ريغلي فيلد بمرافقة أمنية، لكن هذه الحادثة المثيرة للجدل كانت ستُنسى بالكامل لو أن لاعب الوسط في فريق "كابز" الذي اعتُبر من اللاعبين الماهرين، ألكس غونزاليس، أنهى الشوط بعد لحظات مع كرة أرضية كان يمكن أن تُخرج لاعبا سُددت إليه مباشرةً. لكن إخفاقه النادر هذا أطلق انهياراً كبيراً داخل فريق "كابز" الذي هُزم تلك الليلة وفي المباراة السابعة من هذه البطولة، ما أوصل فريق "مارلينز" إلى البطولة العالمية. كما في السياسة، يبقى مغزى القصة أن كبش المحرقة بارتمان ليس الملوم، وما إنفاق الروس مبلغاً كبيراً على إعلانات فيسبوك وصل إلى مئة ألف دولار، وفق تقرير مولر، إلا خطأ صغير عموماً مقارنة بمبلغ الـ81 مليوناً الذي أنفقته الحملات على فيسبوك خلال الانتخابات الرئاسية، حين وصل مجموعة الإنفاق المباشر وغير المباشر إلى مليارات الدولارات.

تشكّل رواية "المقاومة" عن سرقة الانتخابات إهانة للناخبين الأساسيين الذين حوّلوا اتجاه موجة عام 2016 نحو دونالد ترامب في مدّ جمهوري جارف ما كان متوقعاً في ولايات رئيسة مثل ويسكونسن، وميشيغان، وأوهايو، وبنسلفانيا. لم يحتشد هؤلاء الناخبون، الذين كان كثيرون منهم لم يقترعوا من قبل أو كانوا صوتوا لباراك أوباما في عامَي 2008 و2012، وراء ترامب لأنهم خُدعوا بطريقة ما بسبب عملية تدخل دولية لا أهمية لها. على العكس امتلك هؤلاء الناخبون دافعين: تبنوا أجندة القتال الحماسية التي قدّمها ترشح ترامب المتمرد ورفضوا في الوقت عينه تتويج هيلاري كلينتون المتعجرف الزائف الذي اعتُبر تحصيل حاصل.

ولكن بدل أن تحاول وسائل الإعلام الرئيسة ولو لبرهة الغوص في تفكير ذاتي حول إخفاقها الكامل في قراءة الناخبين الأميركيين، بنت رواية زائفة مستندةً فيها إلى العذر الكبير عن أن التدخل الروسي أدى إلى هذا الظلم الانتخابي غير المقبول. وهكذا، بدل أن تفكّر في خطأ هيلاري كلينتون الشبيه بخطأ ألكس غونزاليس، حين تجاهلت بالكامل ويسكونسن، فضلت وسائل الإعلام هذه أن تعلّق آمالها على دور روسيا، الذي شكّل مصدر الخوف الملائم تماماً على غرار بارتمان.

أتحسر كمواطن على الضرر الذي ألحقه إلقاء اللوم على كبش محرقة بنظام حكمنا، لكن الحزبي في داخلي يدرك بالكامل الصراع المعرفي الدائر هنا. على سبيل المثال، خلال بث نُقل يوم اثنين عيد الفصح من دور بلديات ديمقراطية على شبكتي الإخبارية "سي إن إن"، رأى المشاهدون مجموعة شبه فكاهية من مبريري الظلم بلغت ذروتها مع دعوة إلى منح حق التصويت للسجناء تزامنت مع إطاحة بحقوق حمل الأسلحة التي يضمنها الدستور لمن يلتزمون بالقانون. من الواضح أن الديمقراطيين وحلفاءهم في وسائل الإعلام، بدل أن يتعلموا الدروس من عام 2016، اختاروا إلقاء اللوم على التدخل الخارجي الفاعل المزعوم. وعوض أن يتأملوا الطرق الكثيرة التي خذلوا هم بها الولايات المتحدة، كان من الأسهل بالنسبة إليهم إلقاء اللوم على روسيا لتصبح بارتمان السياسة الجديد.

* ستيف كورتس

* «ريل كلير ورلد»

back to top