السعودية وبوليفيا والفلبين

نشر في 26-04-2019
آخر تحديث 26-04-2019 | 00:14
 د. محمد بن عصّام السبيعي هل يخمن أحد ما يجمع بين هذه الوحدات الدولية، السعودية وبوليفيا والفلبين، التي تترامى في أصقاع متباعدة من هذا العالم؟ الإجابة لا تخرج في المقام الأول عن أن الفرد أو عصبته المباشرة قد أدت، على نحو أو آخر وفي ظروف مواتية، دورا رئيسا في بناء الأمة، وبذا كانت سببا في أن تحمل الأمة أو قل الدولة اسم ذلك الفرد أو عصبته.

ففي جزيرة العرب أدى حكام بلدة الدرعية، في الطرف الغربي من الرياض، آل سعود، دورا فذا وعنيدا في توحيد أكبر قدر ممكن من جزيرة العرب، ورغم ما شهده بناء الدولة طوال ثلاثة قرون مضت من تقدم، تبعه تقهقر ليليه تقدم مرة أخرى، فقد جرى ذلك بإصرار يثير العجب. ويعود تثبيت الحدود الحالية للدولة إلى معاودة عبدالعزيز آل سعود توحيدها بعد اختفاء في القرن التاسع عشر، فقد تسنى له ذلك في الربع الأول من القرن الماضي، والمساحة الحالية للمملكة، التي تغطي نحو ثلاثة أرباع شبه جزيرة العرب، هي في الحقيقة من السعة والامتداد، حيث شهدت أقاليمها وأنحاؤها، فيما سبق وأثناء كرات بناء دولة آل سعود، عديدا من دول دالت ثم زالت. كان ذلك في الحجاز غربا، والإحساء شرقا، وفي شمال نجد، وفي الجنوب على حد سواء. ولذا لم تكن مهمة إيجاد صفة عامة لهذا الكيان فائق الحجم باليسيرة، بل لربما جاء وصف المملكة العربية الوليدة بالسعودية حلا وحيدا، ولعله قد جاء أيضا تمييزا لها عن المملكة الهاشمية التي قامت في الحجاز غداة الحرب العالمية الأولى حين أعلن العرب بقيادة شريف مكة الثورة على الخلافة العثمانية، وبالمناسبة فما زال اللقب الهاشمي وصفا للمملكة الأردنية.

وعلى منوال مقارب لا مطابق ترد إرهاصات إطلاق اسم بوليفيا على تلك الدولة المغلقة عن البحار في غرب حوض الأمازون في وسط أميركا الجنوبية، فبوليفيا تنسب إلى سيمون بوليفار، ذلك البطل المحرر من نير الاستعمار الإسباني الذي يُحتفى به في سائر دول أميركا اللاتينية ويطلق اسمه على عديد من مقاطعاتها، ومع ذلك لم يكن بوليفار هو من قاد حروب تحرير بوليفيا من الإسبان، مباشرة كما فعل في دول أخرى، كما في موطنه فنزويلا، أو في كولومبيا أو في غيرها. كلا، فحين تحقق ذلك في الربع الأول من القرن التاسع عشر، كان، بدعم من بوليفار بالطبع، ولكن على يد القائد أنطونيو دي سوكر، الذي تنسب إليه العاصمة السياسية لبوليفيا. وبالمناسبة أيضا، فعلى غرار المملكتين، العربية السعودية، والأردنية الهاشمية، فإن التسمية الرسمية لجمهورية فنزويلا تحمل لقب البوليفارية، كما أن العملة المتداولة فيها هي البوليفار توسما بالبطل سيمون بوليفار.

وفي سياق مغاير تماما ويثير الغرابة يمكن إيراد حال أرخبيل الفلبين في شرقي بحر الصين الجنوبي، فمجموعة الجزر التي يربو عددها على السبعة آلاف شهدت رسو سفن المستكشف الإسباني روي لوبيز دي فيلالوبوس مصادفة في منتصف القرن السادس عشر، الذي أطلق عليها اسمها الحالي نسبة إلى ملك إسبانيا القاصر آنذاك فيليب الثاني، وقد مكثت جزر الفلبين منذ ذلك الحين مستعمرة إسبانية حتى تحررها في نهاية القرن التاسع عشر. ما يثير الغرابة هو سر احتفاظ شعب تلك الجزر بالتسمية الإسبانية أو قل الانتساب على اسم علم إسباني رغم ترامي مواطن سكانه وغزارة عدد سكانه وتنوع مشاربه المنتمية إلى ثقافات جنوب شرق آسيا. ناهيك عن أن سياسة المستعمر الإسبانية قد حملت كثيرا مشاريع تبديل الهوية الدينية والثقافية لسكان الجزر. ولعل مساعي الرئيس الحالي إلى الدفع نحو إعادة تسمية الدولة، إلى مهارليكا، خطوة نحو إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، فالتسمية الحالية للجزر لا يدعمها أي اعتبار، لا من تاريخ الجزر أو ثقافتها أو محيطها المتاخم.

هذه أمثلة لدور الأفراد في صنع هوية الأمم، وهي ليست الأمثلة لا غيرها، فلو شئنا الاستزادة لذكرنا الولايات المتحدة الأميركية، التي تنسب إلى الإيطالي أميريغو فيزوبوتشي، معاصر كريستوفر كولومبس الذي تنسب إليه على المنوال نفسه جمهورية كولومبيا وكثير من مقاطعات ومدن دول أميركا، وفضلا عن تلك الأمثلة هناك الدولة العثمانية التي عمرت لقرون عديدة وبالكاد مضى قرن منذ اندثارها.

back to top