الهاربات: إلى الجحيم!

نشر في 25-04-2019
آخر تحديث 25-04-2019 | 00:04
 مسفر الدوسري هروب الفتيات في السعودية إلى بلدان أجنبية، وطلب اللجوء فيما يشبه الموضة والصرعة أو التقليعة، أصبح ظاهرة اجتماعية لافتة، بفضل وسائل الإعلام الحديثة، وانقسم المجتمع بسبب هذه الظاهرة إلى قسمين؛ فهناك مَن شد على أزر هؤلاء الهاربات "معنويا" وشجَّعهن، بذريعة حقهن في النجاة من جحيم أوضاعهن الأسرية، كما زعمن، أو الفرار من جحيم قيود المجتمع الذي يعشن به، وقسم آخر لم يدَّخر كلمة سوء بحق هؤلاء الفتيات، لما تسببن فيه من فضيحة لا تغتفر لأسرهن ووصمة عار للمجتمع ككل، لدرجة أن بعض أفراد هذا القسم أحسَّ وكأن هروب إحداهن إساءة شخصية له بذاته، حتى إن لم تكن له معرفة بها أو تمتّ له بِصِلة قرابة من أي درجة، وتمنى لو أنه أخذ بيده ثأره وثأر المجتمع كله، ولو بالدم، ليغسل وصمة العار هذه.

أعتقد أن مشاعر القسم الأخير متشجنة بعض الشيء ومبالغ في ردة فعلها، فالأمر برمته، من وجهة نظري، لا يستحق أن يرتقي ليصبح هزة اجتماعية تخلخل أركان المجتمع لأسباب عدة، أولها أن هذه الظاهرة بدأت في مرحلة يشهد المجتمع السعودي تحولا جذريا، كان لحقوق المرأة منه نصيب واضح. ولا شك أن القادم في هذا المجال حتماً سيكون أكبر أو "أخطر"، كما يظن البعض، فهذه الظاهرة لم تبدأ من قبل، ولم يكن لها هذا الزخم عندما كان وضع المرأة أكثر سوءا بحق، مما يجعل نشوء هذه الظاهرة في هذا الوقت ليس مبررا وغير منطقي. ثانيا إن هروب هؤلاء الفتيات لا يشكل هروب أدمغة مفكرة ومبدعة لديها من الطموح العلمي مثلاً أو الإبداعي الذي عجزت الظروف الاجتماعية في بلدهن عن احتوائه والاستفادة من قدرتهن على إثراء الوطن بمنجزاتهن والإسهام في تقدمه وتطوره، ما يجعل المجتمع يخسر خسارة فادحة بفقدان تلك الأدمغة، فكم من عقول عظيمة كان من الممكن أن يكون لها أثرها الإيجابي والفاعل لصحة الوطن أُجبرت على الهجرة، وكان الأجدى لهذا الوطن المحافظة عليها، وتوفير المناخ المناسب لعطائها، واستثماره لمصلحة نهضته وتقدمه، ومع ذلك لم تُثر هذه الضجة، ولم يحرك أحد ساكنا لإيقاف هذا النزف الدامي لشريان من شرايين الوطن. فلماذا ترتعد فرائص المجتمع، لمجرد هروب فتيات باحثات عن الملذات، أو كأس في حانة، أو لهو في ديسكو، أو شيء من هذا القبيل؟! إنهن فقط فتيات باحثات عن جنة مشتهاة في مخيلتهن، وحُرية ذاتية لن يضفن من خلالها إلى مجتمعهن ولا المجتمعات التي لجأن إليها أي قيمة عظيمة تذكر، إنهن باختصار نقص يفيض عن الحاجة، ولو كان الأمر بيدي لشرّعت قانونا يسمح لمثل هؤلاء الفتيات بالمغادرة لأي جهة تستقبلهن، بشرط إسقاط جميع حقوقهن وواجباتهن تجاه أسرهن، بما في ذلك أسماء عائلاتهن، وكل ما يترتب على ذلك من حقوق قانونية من إرث وخلافه، وبالمقابل موافقة أولياء أمورهن على إسقاط جميع حقوقهم وواجباتهم وأي مسؤولية قانونية أو اجتماعية تجاههن، وبذلك نحمي سُمعة أسرهن في الوقت الذي نمنحهن أجنحة للوصول إلى جنتهن المنشودة، وليذهبن بعدها إلى الجحيم من دون ضجيج!

back to top