العنصرية وأمية الثقافة

نشر في 19-04-2019
آخر تحديث 19-04-2019 | 00:06
 بدر سعد الشريدة العنصرية كداء في المجتمعات تشكل واحدا من أخطر الأمراض العضال في أي مجتمع من المجتمعات، لما لها من مخاطر على الأفراد والمجتمعات، وهي من أخفى المشكلات الاجتماعية وأظهرها، لانتشارها وصعوبة تشخيصها وحصر طرق قياسها بشكل قاطع لمحاسبة من يمارسها.

وأكبر مشكلة هي حماية العنصرية من أناس ذوي نفوذ وسلطة في المجتمع، وسبب حمايتهم لها هو ممارستهم لها واقتناعهم بمبادئها ضد طوائف أخرى في المجتمع ممن لا ينتمون إليها طبعا، وكذلك توليهم وجماعاتهم زمام نفوذهم وسلطتهم في المجتمع من خلال ممارستهم واقتياتهم على نتنها المقيت، ولذلك هم يقاتلون عنها قتال المستميت حتى لا تصاغ ضدها آليات تحدد مظاهرها وممارستها، ومن ثم تجريم من يمارسها.

وقد حارب الإسلام العنصرية بكل صورها، ومن ذلك قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، وفي السنة حديث تنادي الصحابة من المهاجرين يا للمهاجرين وتنادي الأنصار يا للأنصار، فكان رد الرسول عليه الصلاة والسلام حازما وواضحا بقوله: ما بال دعوى الجاهلية

ثم قال صلى الله عليه وسلم دعوها فإنها منتنة.

مما لاحظت في العنصرية والتعصب الجاهلي خطورة تأسيسه وصعوبة السيطرة على منبعه، فهو أول ما ينشأ في الأسرة من خلال الوالدين، فيعلمان أبناءهما النفور من الفئة الأخرى المستهدفة منذ بداية النطق، بل لا أبالغ إن قلت قبل ذلك فهما ينهيانه ويقولان له لا تكن كـ(...) ومن ثم يسميان له الفئة المقابلة موطن التنفير والخصومة.

وتتخذ العنصرية صورا كثيرة كالأيديولوجيات والانتماءات الاقتصادية، وأصعبها وأقساها وأكثرها ظلما وإقصاء تلك التي تتخذ صورة التمييز العرقي ضد فئة أخرى فقط لنسبه أو عرقه لعائلة أو قبيلة.

والعنصرية هي المولد والمنشأ لأمية الثقافة، وهي ما يقصد بها أن يكون الشخص قد حاز مراتب عالية من التعليم والتحصيل المعرفي والثقافي لكنه يبقى حبيس سلوك وتصرفات من هم أميون ويجهلون القراءة والكتابة، فتجده دكتورا في الجامعة لكنه يميز بين الطلبة حسب العرق والانتماء وهو المطلع على ثقافة الغرب وتقدمهم المعرفي والسلوكي، ويدرك عوامل التقدم للمجتمعات، وأن هذه السلوكيات تؤسس للتخلف في مجتمعه، لكنه يكون رهينا لها ولأمية الثقافة، وما مرجع ذلك إلا لداء العنصرية المقيت الذي حاربته البشرية عقلا، والإسلام نقلا ونصا، وقس على هذا جميع الوظائف في المجتمع من أطباء ومهندسين وقياديين، إلا من رحم الله ممن استطاع تجاوز ما نشّأته عليه أسرته منذ الصغر.

ومن خلال هذه الظاهرة الخطيرة أُقصي الكثير من الكفاءات والمتميزين من أفراد المجتمع القادرين بحق وبتمكن على انتشال المجتمع من الكثير من المشاكل والأزمات التي تواجهها الكويت لسنين عديدة دون حلول، وهذا من أخطر نتاج العنصرية وأمية الثقافة وطغيانهما في المجتمع، وبالمقابل وصل أفراد فشلة وحجر عثرة وسبب للتخلف والفساد في المجتمع لأنهم ينتمون إلى طائفة ذات نفوذ وسلطة في المجتمع.

مما سبق من أمثلة أورد هنا أخطر مجال يمكن أن تقتحمه هاتان الظاهرتان المتلازمتان، وهو مجال المتدينين وعلماء الدين، وهنا لا أستثني للأسف الشديد بعض المتدينين، بل حتى علماء الدين من هذا الداء، وكل من خالط هذا الوسط لا أعتقد أنه يخالفني في هذا الأمر. لذا لا بد للمجتمع أن يواجه هذه الظاهرة بشتى الوسائل الرسمية كصياغة القوانين أو التوعية عن طريق المناهج والإعلام.

back to top