الحرب والإبداع!

نشر في 19-04-2019
آخر تحديث 19-04-2019 | 00:12
 عبدالهادي شلا يتبادر للذهن أن هذا العنوان يبحث في العلاقة بين الحرب التي يصنعها الإنسان بيده وفكره وبين الإبداع الذي يتقنه بعقله ومشاعره، فهل هناك علاقة حقا بين الحرب وبين الإبداع؟ لا شك أن العلاقة في جوهر كل منهما تكاد تشبه العلاقة بين الحرب والسلم، أو بين الحب والكراهية أو باختصار هي علاقة بين متناقضين، ولكن بينهما عامل مشترك هو الإنسان الذي يقوم بفعل كل منهما، وفي الحالات التي ذكرناها فإن التناقضات تكون ضرورة أحيانا في أضيق الحدود، أو أنها تفرض نفسها دون أن يكون للإنسان عليها سيطرة.

الحرب فعل مرفوض بكل أشكاله لأن نتائجه محسومة بالدمار والخراب وتشويه صورة الحياة التي يتمنى الإنسان فيها أن تكون نعيما وبهجة ومركز نشاط إنساني يسمو فوق كل ما توسوس به النفس الأمارة بالسوء.

ورغم هذا فإن دوافع خفية تكمن في نفس البشر تستدعي حالة الحرب التي تطورت أدواتها لتصبح أكثر فتكاً مخلفة دمارا نفسيا وجسديا وماديا تبقى آثارها مدى الحياة، لا ترحم توسلات ضعفائهم الذين لا حول لهم ولا قوة، وتنتصر لنوازع الشر والطمع الكامنة في النفس، وتتمكن من أصحابها ليصبح الشر الكامن فيها نارا حين تنطلق شرارتها فإنها لا تبقي ولا تذر.

وللحرب علاقة بالإبداع، حين يوثقها المبدع على شكل قصيدة أو كتاب أو لوحة أو قطعة موسيقية في نشيد انتصار يمجده وهو يظن أنه يقدم خدمة إنسانية لأمته.

أو بشكل آخر حين يأخذ نتائجها يوثق تفاصيلها المرعبة، فتبقى ذكراها عالقة في الوجدان والخيال تثير في القلوب سؤالا محيراً وأمنيات بأن تزول هذه الدوافع الكامنة في نفس بعض البشر الذين يرون في الحروب مكاسب وسيطرة على مقدرات الضعفاء أو حتى منافسة آخرين من الأقوياء، وأن يحل مكانها قصائد حب ولوحات فرح وقصص تثير كوامن الجمال في الروح وتنشط غرائز خاملة في النفس، وتحث على العطاء والتآخي والتسامح.

ومن بلاغة ما قاله المبدعون في الحرب: "الحرب نتائجها لا تُحدد من كان مُحقا، إنما تُحدد من بقي حياً، وأنها مأساة يُسخر لها الإنسان كل ما لديه من إمكانات وقدرات ليلحق بنفسه سوءا لا يمكن تصوره".

الحقيقة أن الحروب وويلاتها لم تترك للمبدع مجالا للتخلي عن رسالته الإنسانية بل زادت على كاهله مسؤولية أن يبقى صامدا في الجهة المضادة لها ينبذها بكل وسائل الإبداع، وقد يكلفه هذا الكثير من المشقة ويسبب له العداء من قبل دُعاتها والمستفيدين من مخلفاتها.

هناك نوع من الحروب تفرض على الإنسان لأسباب دفاعية عن النفس أو الوطن وهي حروب مشروعة مهما كانت نتائجها لأن الإنسان مأمور بها وهي واجب اجتماعي في أسوأ تعبير لها تستدعيها النخوة ورفض الضيم، ولا بد منها فقد قالت العرب: الأرض كالعــِرض نموت دونها!

ستبقى الحرب قائمة حتى قيام الساعة بين التناقضات في النفس الإنسانية، وسيبقى المبدعون يتصدون لوجهها الكريه ببث روح القيم الإنسانية الرفيعة والسامية لأنهم يعرفون أثرها في النفس الخلاقة والمعطاءة التي تحتاجها الحياة ليسعد الإنسان بما فيها من خير ونماذج الإبداع كثيرة لا تحصى.

* كاتب فلسطيني- كندا

back to top