إيران تزداد عناداً بعد عام على انسحاب أميركا من الصفقة النووية

نشر في 16-04-2019
آخر تحديث 16-04-2019 | 00:00
بعد مرور نحو سنة على انسحاب إدارة ترامب الأحادي الطرف من الصفقة النووية الإيرانية، يبدو أن طهران تزداد عناداً وأنها مستعدة للانتظار إلى أن يرحل ترامب، آملة ألا يدوم عهده سوى ولاية واحدة وأن تعود الإدارة التالية إلى الاتفاق النووي لعام 2015.
 معهد لوي للسياسة الدولية بعد مرور نحو سنة على انسحاب إدارة ترامب الأحادي الطرف من الصفقة النووية الإيرانية، تنادي اليوم بصوت عالٍ بالتأثير القوي لإعادة فرض العقوبات الثانوية الأميركية في الاقتصاد الإيراني.

يؤكد المسؤولون الأميركيون أن إيران تواجه، نتيجة تراجع العائدات، ضغطاً متنامياً للحد من دعمها المجموعات التابعة لها التي وسّعت نفوذ إيران الإقليمي.

صحيح أن الإيرانيين يعانون البطالة والتضخم المرتفعين، ولكن ما من إشارات إلى أن حكومتهم مستعدة للتحاور مع مسؤولي ترامب بشأن صفقة "أفضل" أو أنها تخلت عن شركائها الإقليميين القدماء. على العكس، يبدو أن طهران تزداد عناداً وأنها مستعدة للانتظار إلى أن يرحل ترامب، آملة ألا يدوم عهده سوى ولاية واحدة وأن تعود الإدارة التالية إلى الاتفاق النووي لعام 2015.

لا شك أن إيران تنبهت لأن نحو ستة مرشحين رئاسيين ديمقراطيين تعهدوا بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إذا انتُخبوا في عام 2020. في هذه الأثناء، بدأ المحللون الداعمون لخطة العمل هذه في المؤسسات الفكرية الأميركية يقدّمون خرائط طريق بغية استئناف التزام الولايات المتحدة بها والتفاوض مجدداً على اتفاق "يقدّم المزيد مقابل المزيد" (كان معهد بروكنز آخرها).

وصفت إدارة ترامب سياستها بشأن إيران بسياسة "الضغط الأقصى"، لكن عدداً من العوامل يكبّل قدرة الولايات المتحدة على الضغط أكثر على إيران خلال الأشهر الثمانية عشر التالية.

صحيح أن العقوبات خفضت صادرات إيران النفطية بنحو مليون برميل يومياً وتسبب مشقة كبيرة للشعب الإيراني، إلا أن إيران ما زالت تبيع ما يكفي من النفط (نحو 1.2 مليون برميل) لتؤمن حاجاتها، فضلاً عن أنها تستفيد من مئة مليار دولار من احتياطات العملة الصعبة التي ما عادت مجمدة بعد تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2016.

يترتب على إدارة ترامب في شهر مايو أن تقرر ما إذا كانت ستجدد الإعفاءات التي أعطتها لنحو ست دولة، سامحةً لها بشراء النفط الإيراني من دون مواجهة خطر العقوبات الأميركية. وإذا امتنعت الإدارة عن تجديد هذه الإعفاءات، التي منحتها إلى مستوردين أساسيين مثل الصين والهند، تخاطر برفع أسعار النفط العالمية بقوة في مرحلة تحد فيها العقوبات الأميركية أيضاً من صادرات فنزويلا من النفط الخام. في الأسابيع الماضية، قارب سعر البرميل السبعين دولاراً، علماً أن هذا مستوى يقلق على ما يبدو الرئيس ترامب.

من غير المرجح أيضاً أن تسعى الولايات المتحدة إلى معاقبة الاتحاد الأوروبي لمحاولته الحفاظ على الحد الأدنى من الروابط الاقتصادية مع إيران. طوّر الاتحاد الأوروبي آلية تُدعى "أداة دعم المبادلات التجارية" (INSTEX) بغية تسهيل التجارة في مجالَي الغذاء والدواء مع إيران، وينتظر الأوروبيون أن يمرر البرلمان الإيراني قانوناً لمحاربة تبييض الأموال قبل تفعيل هذه الأداة في أواخر العام الحالي.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للولايات المتحدة أن توازن المصالح المتضاربة بشأن العراق الذي يتشارك مع إيران في حدود طويلة ويعتمد على الغاز الطبيعي الإيراني ليؤمن نحو نصف إنتاجه من الكهرباء. جددت إدارة ترامب أخيراً الإعفاءات التي منحتها لبغداد كي تتمكن من مواصلة استيراد الغاز الطبيعي الإيراني لثلاثة أشهر إضافية، ولا شك أن آخر ما تريد الولايات المتحدة رؤيته في العراق المزيد من الاضطرابات هذا الصيف بسبب نقص الطاقة الكهربائية ودرجات الحرارة المرتفعة جداً نتيجة التبدل المناخي.

في زيارة أخيرة إلى الشرق الأوسط، حض وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو العراق على تضييق الخناق على الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والتي شاركت في حملة هزم تنظيم "داعش"، لكن العراق عمد بدلاً من ذلك إلى إدراج هذه الميليشيات في جداول الرواتب الحكومية، ولا شك أن قرار أميركياً بتصنيف حرس الثورة الإيراني مجموعة إرهابية (يُقال إن بومبيو روّج له) سيقحم العراق في وضع بالغ الصعوبة نظراً إلى علاقة هذا الحرس القوية بالميليشيات والسياسيين العراقيين. كذلك قد يعرّض بضعة آلاف من الجنود الأميركيين لخطر أكبر.

أما في لبنان الذي زاره بومبيو أيضاً خلال جولته الأخيرة، فهاجم وزير الخارجية هذا بشراسة حزب الله، شريك إيران الإقليمي الأقدم، معتبراً إياه منظمة إرهابية "تقف في طريق أحلام الشعب اللبناني" وينصاع "مقاتلوها لأوامر طهران".

لكن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل عارض وجهة نظر بومبيو، ففي حين كان باسيل يقف إلى جانب كبير الدبلوماسيين الأميركيين هذا، أخبر المراسلين، بمَن فيهم المراسلون الأميركيون الذين كانوا يغطون جولة بومبيو، أن "حزب الله حزب سياسي... لا إرهابي" وأنه يحظى "بدعم سياسي كبير" في لبنان، وهذا مؤكد، بما أن داعمي هذا الحزب فازوا بسبعين مقعداً من مقاعد المجلس النيابي اللبناني المئة والثمانية والعشرين في انتخابات السنة الماضية.

تدّعي إدارة ترامب أنها تبني ائتلافاً عالمياً ضد نشاطات إيران "الخبيثة"، ولكن مع أن دولاً غربية كثيرة تود أن ترى إيران تتراجع عن تدخلاتها الإقليمية، وتحد برنامجها للصواريخ البالستية، وتحسِن معاملة مواطنيها، لا تحظى السياسة الأميركية بدعم قوي إلا من عدد قليل من خصوم إيران في الشرق الأوسط. أقر بومبيو خلال مقابلة معه في 28 مارس: "تشاطرنا دول الخليج العربي وإسرائيل نظرتنا إلى الخطر الذي تشكّله جمهورية إيران الإسلامية".

ولكن حتى هذا الائتلاف لا يبدو راسخاً، إذ يجد المواطنون الإيرانيون أنفسهم واقعين بين انتهاكات حكومتهم الخاصة وموقف واشنطن العدائي، ويشعرون بالاستياء من أداء حكومتهم السيئ، كما تُظهر الأدلة على سوء الاستعداد للفيضانات الأخيرة، إلا أنهم لا ينالون أي راحة من حملة دعائية أميركية شرسة تسعى إلى لوم المسؤولين الإيرانيين على كل مشكلة تنشأ.

* بربارا سلافن

* «معهد لوي»

المسؤولون الأميركيون يؤكدون أن إيران تواجه نتيجة تراجع عائدات النفط ضغطاً متنامياً للحد من دعمها المجموعات التابعة لها
back to top