عريعر: لا أؤمن بعروبة الثقافة والنقاد لا يغربلون كل النصوص

«النقد الأدبي العربي يواكب المستجدات ويستحق الاحترام»

نشر في 09-04-2019
آخر تحديث 09-04-2019 | 00:03
انتصرت الناقدة العراقية د. هيام عريعر لمستوى النقد في العالم العربي، مؤكدة أنه يواكب المستجدات الثقافية ويستحق الاحترام، لكنها في الوقت ذاته قالت إنها لا تؤمن بعروبة الثقافة، لذا ترى أن النقد الأدبي على المستوى العربي ليس واحداً حتى يمكن إخضاعه للقياس. وفي حوار أجرته معها «الجريدة»، أكدت أستاذة النقد الأدبي في جامعة القادسية العراقية أن الرواية والشعر يسيران في خطين متوازيين، لكن المتلقي يقبل أكثر على الرواية... وإلى نص الحوار:
● بوصفك أستاذة للنقد الأدبي في جامعة القادسية، كيف ترين مستوى النقد الأدبي العربي راهناً؟

- النقد الأدبي على المستوى العربي ليس واحداً، حتى يمكن الحكم عليه أو إخضاعه للقياس. أنا لا أؤمن بعروبة الثقافة، فالبلدان العربية تختلف في واقعها الثقافي ومدخلاتها المعرفية وطبيعة بيئاتها الحاضنة، كما تختلف في مستوياتها الاقتصادية الداعمة، ووسائلها الإعلامية المروّجة للأفكار، وواقعها السياسي وأيديولجياتها الحاكمة. تلك الحلقات لا تنفكّ عراها ولا تنفصل في أي واقع ثقافي. فالوقائع النقدية وقائع ثقافية، وتلك الأخيرة وقائع معيشة، تخضع لما تخضع له أية ظاهرة حياتية أخرى، ناهيك عن جدل المؤسسات الثقافية نفسها وكيف تدير شؤونها في كل بلد على حدة.

فمصطلح النقد العربي الذي نطلقه تجاوزاً، لا يدلّ على ظاهرة واحدة، ولكن على عدة ظواهر تقع تحت مسمى واحد، والتميز فيه حتماً سيكون لتلك البيئات الثقافية التي تدعم مثقفيها، وتبيح لهم تبني الأفكار، وتمكنهم من الانفتاح الثقافي على المستجدات، وتسوّق نتاجهم، بالشكل الذي لا يبقى رهين واقعه المحلي الضيق. وعلى سبيل المثال، فإن الواقع النقدي العراقي كان ومايزال حافلاً بالنقاد، الذين يشار إليهم بالبنان على الصعيد الأكاديمي والعام، بيد أنهم لم ينالوا فرصتهم الكافية، فكانت نتاجاتهم أقلّ من حقيقتهم ومن مستوى طموحهم. أما أولئك الذين احتضنتهم بيئات ثقافية أخرى فقد ظهر معدنهم الإبداعي، وشاع نتاجهم وألقى بظلاله على الوعي النقدي العربي عموماً، مما يعني أن النقد العربي ظاهرة تستحق الاحترام، وأنه يتطور بمستوى لا بأس به، ويواكب المستجدّات الثقافية، سوى أنه يحتاج إلى بيئة صحية تمكنه من الإعلان عن نفسه بشكل آخر، والزمن كفيل بالإبقاء على الأصيل وطرد الدخلاء.

سطوة الأسماء

● الكم الهائل من الإصدارات الأدبية العربية، التي تخرج إلى النور باستمرار، هل تستوعبها الحركة النقدية؟

- لا أظن أن النقد قادر على استيعاب الإصدارات الأدبية التي أخذت تظهر بشكل مطرّد، ومن دون ضابط، وليس للنقد أن يؤدي وظيفته في غربلة كل تلك النصوص، من دون أن يكون للإشهار فعله الحاسم في تغليب مجموعة من الأسماء الأدبية على الأخرى، مما يعني أن النقد اليوم أخذ يتعاطى من الأسماء الأدبية وليس مع الظواهر في الأعم الأغلب، وقد أسهمت الجوائز التي يفترض بها أن تكون معياراً يُحتكم إليه في شيوع بعض الأسماء، على الرغم من وجود مَنْ هو أحق بالتميز والقراءة وأجدر.

● "الخطاب النقدي العربي المعاصر وعلاقته بمناهج النقد الغربية"، ما أبرز ما يطرحه هذا الكتاب الذي يحمل توقيعك؟

- الكتاب في أصله أطروحتي للدكتوراه، وهو كتابي اليتيم، لا عن شحة معرفية، ولكن لذات الأسباب التي ذكرتها آنفاً، ولقد كان ظرف تسجيل عنوانه في السنة التي تلت سقوط النظام في العراق عام 2003 التي ظهرت نتائجها من نهب وتخريب وترويج للنزاعات الطائفية، مما جعل البلد في حالة فوضى، وأوجب انبثاق السؤال الأكبر عن حقيقة ما نستلهمه من الغرب من معارف وافدة وثقافات مختلفة، هل هو بضمن إطار المثاقفة والتلاقح والتناتج الفكري، أم أنه تبعية من نوع آخر، نلغي بها ذواتنا وتراثنا وهويتنا لصالح قوى كبرى تجهد نفسها في خلق نظام عالمي، لا تتوانى عن تحقيقه بكل السبل المتاحة؟ وهذا هو لبّ الكتاب.

الثقافة الاستهلاكية

● تتجه الكتابة الحداثية إلى التكثيف ولغة الكتابة التلغرافية، هل تعتقدين أن المبدع العربي يسير في ذات الاتجاه؟

- كثير من المبدعين العرب يسيرون في الاتجاه الكفيل بتسويقهم، فهم لا يكتبون لكي يبقوا رهن الجدران، بل لينالوا قسطاً من الشهرة وذيوع الصيت. من أجل هذا ينتهج المبدعون كثيراً من الوسائل التي تحقق لهم ما يرغبون، ومنها التكثيف والاختزال، لا سيما أن المتلقي هو ابن الثقافة الاستهلاكية السريعة، وأن الظواهر النقدية المستجدّة تثير المبدع فيتمثلها فكراً وسلوكاً في نصه الأدبي، تسويقاً لمنتجه الإبداعي وتقديراً لذوق المتلقي ومستواه المعرفي من جهة، وحركة النقد ومستجداتها من جهة أخرى.

● أيهما يسود المشهد الأدبي في العالم العربي الآن: الرواية أم القصيدة، ولماذا برأيك؟

- الأمر يحتاج إلى إحصائية دقيقة في عدد الصادر من الدواوين والروايات سنوياً، وإن كنت أحسب أنهما يسيران في خطين متوازيين، وأن الفارق الإنتاجي بينهما بسيط، لكن على صعيد التلقي يبدو الإقبال على الروايات قراءة ونقداً أكبر؛ لأن الشعر أدب محفلي يحتاج إلى تفاعل آني بين الشاعر والمتلقي، أما الرواية فإنها أليق بالقراءة الصامتة، فضلاً عما قدمه الفن السابع لهذا النوع الأدبي من دعم واضح.

الناقد مبدع

● لماذا لا نجد جوائز للنقاد، بالمقارنة بتلك المخصصة للإبداع؟

- النقد إبداع أيضاً، وهو إبداع على إبداع، أو لغة على لغة، أو هو اللغة الثانية، وأنا أسمع عن بعض تلك الجوائز هنا وهناك، لكن الأضواء لا تسلط عليها كما تسلط على الجوائز التي ينالها الأدباء، فالأمر خاضع للعرض والطلب، ولأن الأدب وجداني فإنه أقرب إلى الساحة الثقافية من النقد الموضوعي، وصدى جوائزه حتماً سيكون أكبر.

● ما المشروع النقدي الذي تعكفين على إنجازه حالياً؟

- لن أتبنى مشروعاً يجتر فكرة مطروحة، فهذا عبث وضياع للوقت، ولن أعكف على كتابة فكرة يكون حظها أدراج المكتبات، فالفكرة تحتاج إلى من يروِّج لها كما أوردت سلفاً، ولقد ظل كتابي الأول حبيس أروقة الجامعات العراقية حتى اليوم، على الرغم مما حظي به من ردود أفعال إيجابية. وعموماً فإني لن أتنازل عن سياسة التفكيك التي انتهجتها فكراً وسلوكاً، وليس أولى من القرآن بإعادة النظر، فما قدمه النقاد لهذا النص مازال لا يرقى إلى حقيقته، فضلاً عن اهتمامي الذي لا أستطيع إخفاءه بالمرئي وأثره في وعي المتلقي.

القراءة الصامتة سبب إقبال المتلقي على الرواية أكثر من الشعر
back to top