خطاب ترامب وأزمة التيار السياسي المعتدل في العراق

نشر في 05-04-2019
آخر تحديث 05-04-2019 | 00:00
ترامب - عادل عبد المهدي
ترامب - عادل عبد المهدي
تصاعدت المطالبات بإبرام اتفاقية جديدة تنظم الوجود العسكري الأميركي في العراق، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك حيث طالب بإخراج القوات الأميركية من العراق بشكل كامل، وتسبب هذا الإعلان في إحراج الحلفاء هناك، في حين يعزز موقف أعداء أميركا في المنطقة الذين يبثون الشكوك حول حقيقة نواياها وأهدافها.
يواجه رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي استجواباً في البرلمان العراقي حول الوجود الأميركي في العراق، وهذه سابقة هي الأولى من نوعها، وما كان لها أن تحدث لولا تزايد قوة ونفوذ الأحزاب المدعومة من قبل إيران والرافضة للوجود الأميركي في العراق.

أصبح الساسة المعتدلون الذين يمثلون قاعدة التحالف مع الولايات المتحدة، يجدون أنفسهم في وضع حرج، إذ بات من الصعب عليهم الدفاع عن تصوراتهم حول أهمية الحليف الأميركي وضرورة وجوده على الأراضي العراقية، وذلك تفادياً لتكرار تجربة عام 2011، وما تلاها من تدهور في الوضع الأمني الذي انتهى باحتلال تنظيم «داعش» لثلث الأراضي العراقية.

ومن ثم فإن عدد الذين يشككون في الدور الأميركي ودوافعه في المنطقة يجب ألا يستهان به، وهذا التطوّر الدراماتيكي في البرلمان العراقي لم يأت بمعزل عن خطاب الرئيس الحالي للولايات المتحدة دونالد ترامب الذي ساهم جزئيا في تشكيل العلاقات الأميركية– العراقية.

ألحقت العديد من التصريحات التي أطلقها الرئيس ترامب، والتي يعود تاريخها إلى حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016، ضرراً كبيراً بصورة الولايات المتحدة كحليف رئيسي ضد تنظيم «داعش»، فخلال حملته الانتخابية أعلن الرئيس ترامب أن سلفه باراك أوباما هو الذي خلق تنظيم «داعش»، وهذا أعطى مصداقية لنظرية المؤامرة الخارجية التي تسيطر على قطاع كبير من العقل الجمعي في العراق ومنطقة والشرق الأوسط.

ونتيجة لذلك لم يعد ذلك الاعتقاد بأن «أميركا هي التي صنعت تنظيم «داعش» مجرد «خرافة» يتداولها البعض، بل تحول في الشارع العراقي والإسلامي بشكل عام، إلى «حقيقة» مؤكدة بلسان الرئيس الأميركي نفسه، وأبرز مثال على هذا النمط من التفكير هو القول إن الولايات المتحدة تستخدم تنظيم «داعش» لخلق اضطرابات بين مختلف شرائح المجتمع العراقي، حيث انتشر ذلك أيضا في الأوساط السياسية العراقية على أعلى المستويات، حتى وصل الأمر بنائب رئيس البرلمان العراقي حينها، الدكتور همام حمودي، إلى أن يصرح بها دون تردد خلال الدورة 31 لمؤتمر الدول الإسلامية في إيران في عام 2017.

دون شك، كان هذا أحد الأسباب التي أدت إلى سرعة صعود التيار المعادي للتوجه الأميركي في العراق، والذي بدأ بالضغط على الحكومة لإجبارها على اتخاذ موقف رافض للوجود الأميركي هناك. ويبدو أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي قد أصبح محاصراً من قبل هذا التيار، حيث تجلى ذلك في إقدام لجنة الأمن والدفاع البرلمانية على منحه، أواخر الشهر الماضي، مهلة عشرة أيام لتقديم إحصاءات دقيقة عن القوات الأميركية في العراق.

وقد هدّدت اللجنة أنها في حال لم تحصل على المعلومات المطلوبة، فإنها ستقاضي عبدالمهدي بدعوى التستر على «عدد القوات الأميركية في العراق»، وقد بدأ التحضير لاستجواب رئيس الوزراء في البرلمان بعد انتهاء المهلة.

ومع ذلك بدأ الوضع في التفاقم، حيث أثار تصريح ترامب الأخير في بداية شهر فبراير الماضي، حفيظة الشعب العراقي، حين أعلن أن الولايات المتحدة ستحتفظ بقواعدها في العراق بغية مراقبة إيران عن كثب، ومع ذلك هناك منطق واضح وراء تصريح ترامب، فالعراق بالنسبة إلى الولايات المتحدة يشكل الممر الاستراتيجي الذي قد يمكنها من خلاله السيطرة على تحركات إيران في المنطقة وأنشطتها النووية. والإبقاء على الوجود العسكري الأميركي في العراق سيساهم بالطبع في قطع الاتصال بين إيران وأذرعها في سورية ولبنان. ومع ذلك، فإن صياغة هذا الاهتمام الاستراتيجي بهذه الطريقة العلانية يعكس عدم احترام سيادة العراق، كما يبدو من تصريحات ترامب أيضا أن الولايات المتحدة لا تعير اهتماما للإرادة العراقية، وأنها تستخدم أراضي العراق كـ»منطلق لمحاربة دول الجوار»، علما أن هذا الأمر محظور في الدستور العراقي الجديد.

ونتيجة لذلك تصاعدت المطالبات بإبرام اتفاقية جديدة تنظم الوجود العسكري الأميركي في العراق، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك حيث طالب بإخراج القوات الأميركية من العراق بشكل كامل، فمن جديد، يتسبب هذا الإعلان في إحراج الحلفاء هناك، في حين يعزز موقف أعداء أميركا في المنطقة والذين يبثون الشكوك حول حقيقة نواياها وأهدافها.

وهناك أيضا بعض الترتيبات التي تجري حاليا داخل البرلمان العراقي للخروج بمشروع قانون ينص على إخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية كافة، بحلول منتصف هذا العام، بما فيه إقليم كردستان العراق. وجاء هذا المشروع مشفوعا بتوقيع 75 نائبا من جملة 328 نائبا في البرلمان. ويستند مشروع القانون هذا إلى البند أولاً والمادة الخامسة من الدستور الذي يقول «إن العراق دولة مستقلة ذات سيادة تامة على أراضيها، وإن الجيش العراقي هو المسؤول عن أمن ترابه وسمائه ومائه».

في ضوء هذه الضغوط المتصاعدة، لا شك أن حلفاء أميركا في العراق وجدوا أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه إثر ذلك التصريح، لذلك كان لزاما عليهم الرد لتهدئة الشارع العراقي المصدوم من ذلك التصريح، وفي هذا الصدد، بث الرئيس العراقي برهم صالح رسائل تطمينية للداخل العراقي يؤكد فيها أن القوات الأميركية موجودة فقط لدعم «مكافحة الإرهاب»، كما نبه لخطورة مثل تلك التصريحات على الحلفاء هناك حين قال خلال أحد المنتديات الدولية في بغداد «لا تثقلوا العراق بقضاياكم. الولايات المتحدة قوة كبرى، لكن لا تسعوا وراء أولويات سياساتكم فنحن نعيش هنا».

ومن منظور سياسي قد تعني مغادرة الولايات المتحدة للعراق الآن انزلاق الأخير في الفوضى مجدداً، وترك البلد فريسة للنفوذ الإيراني الذي أصبح يسيطر على المؤسسات الحيوية في البلاد.

ولم يعد هذا بالأمر المستبعد خصوصا إذا استمرت الولايات المتحدة في تشكيل سياستها في العراق دون أخذ الرأي العام العراقي في الاعتبار، فحلفاء الولايات المتحدة في العراق يتناقصون باطراد، وينحسرون في زوايا ضيقة.

وتدرك إدارة الرئيس ترامب هذا الأمر جيداً، لذلك تواصل الضغط على تلك الجماعات من أجل تحييد نفوذها، لكن سياسة «كسر العظام» المتبعة في هذا الإطار قد لا تكون هي الأخرى الخيار الأمثل، فهذا النوع من السياسة يستفز قواعد تلك الجماعات ويحفّزها على التطرف أكثر باتجاه معارضة التوجه الأميركي في المنطقة، لذلك فإنّ على الإدارة الأميركية خلق أرضية للحوار مع الجماعات التي تبدي استعداداً للاعتدال، واستحداث شراكة حقيقية قوية مع حلفائها في العراق، تسمح بوضع خطط مشتركة ومعالجة المشكلات وفق المعايير التي تخدم مصالح كلا الطرفين، وتحد من النفوذ الإيراني المتزايد هناك.

● شكر خلخال

back to top