سدانيات: آخر قُبلات الإمام!

نشر في 05-04-2019
آخر تحديث 05-04-2019 | 00:07
 محمد السداني بعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها أحد أصدقائي بسبب آراء سابقة له من عشر سنوات تبناها أيام الحراك عندما كان يعقل تصرفاته بعقل الشاب ابن العشرين عاماً، بعد هذه الهجمة بدأت أتفكر في كمية المقالات والآراء التي تبنيتها، والتي تغير جزء منها وجزء تطور، وجلست أتفكر هل سيحاسب المجتمع أفراده على كل فكرة أو رأي تبناه أحدهم؟!

وإذا كان فعلا هذا المجتمع سيحاكم الأفراد على كل فكرة أو موقف تبناه فرد منهم فلن نجد متسعا لنقيم محاكماتنا المجتمعية التي نصَّبنا فيها أنفسنا ملائكة، وجعلنا الآخرين شياطين مرجومين، لا يستحقون الحياة، ولا يستحقون أن يكونوا جزءاً من هذا الوطن.

إن الانحراف المفهومي لمصطلح «وطن» عند البعض جعل الممارسة لديه مغلوطة ومنحرفة، فهؤلاء القوم يظنون أن المعارضة أو تبني أي رأي ضد الحكومة معارضة للوطن! وهذا ما يحاول أن يسوّق له الجهلة والمأجورون ومجموعات الخمسين والستين وغيرهم ممن سار على نهجهم المعوج الإقصائي.

إن الوطن لا وجود له إلا في نفوس أبنائه الذين يخافون عليه، ويحاولون أن يطوروه بكل ما أوتوا من قوة وعلم وثقافة، فالأوطان لا تُبنى بإثارة الحقد والكراهية والنعيق خلف كل شاردة وواردة في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها تُبنى بالإيمان بالتعددية الفكرية والدينية وقبول الآخر واحتواء الجميع تحت عباءة الوطن الذي يضم أبناءه بين ذراعيه.

إن الوطن لا يحتاج من يهتف له- صباح مساء- نموت نموت ويحيا الوطن، فإذا متنا جميعا فلمن سيكون الوطن؟! إن حياتنا وبقاءها واستقرارها هو استقرار ضمني للوطن وبقائه، ومتى ما استوعبنا أن العمل والتفاؤل والمثابرة هي سبل النهضة ورقيّ الوطن فستكون حال أوطاننا مختلفة تماماً عما نراه في الساحة السياسية.

لم تخلُ دولة من الدول إلا ومرت بنوع من الاختلالات السياسية والاجتماعية التي أدت إلى صقل تجاربها وممارساتها وتعميق رؤيتها للأمور، ونحن في الكويت- ولله الحمد- لنا تجربة مليئة بالأحداث السياسية والاجتماعية التي بنت لنا مجتمعا متماسكا لا تزعزعه هجمات طائفية أو اجتماعية، وهذا ما جعل الكويت قِبلة لكل باحث عن الحرية والأمن والأمان في ظل قانون ودستور.

خارج النص:

• كنّا صغارا نلهو في ساحات المسجد حتى جاء الإمام إلينا، وقال لي: ما اسمك؟ فقلت: محمد، وقال: ما اسم صديقك؟ فقلت: عباس، فقال لنا كلمة لم أستطع نسيانها مهما طال الزمن: يا «عيالي» أنت وأخوك أقوى ما يكون إذا تماسكتما وتجمعتما ولا فرق بينك وبينه إلا بما تُحسن فعله وعمله، ذهب الإمام بعد أن قبَّلني على رأسي وقبل عباس قبلتين، كانت آخر قبلات الإمام هي رسالة شكر وسلام من هذا الرجل الطيب إلى صديقي الذي لم أعرف ما مذهبه، وما يؤمن به، إلا بعد عمر طويل من العلاقة.

back to top