الصين والكويت الجديدة... ريادة التواصل

نشر في 29-03-2019
آخر تحديث 29-03-2019 | 00:30
 د. صلاح عبدالله العثمان يعرض هذا المقال أهمية توافق استراتيجيات الاستثمار لجمهورية الصين مع استراتيجيات الاستثمار لدولة الكويت، من خلال تنفيذ اتفاقيات مبادرة الحزام والطريق 2013، وينتهي بأهمية المبادرة بالتواصل وفق مشروع يستثمر الإمكانات المتاحة.

الصين

كما قادت مصالح المملكة المتحدة البريطانية في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الى توقيع اتفاقيات مشتركة مع التكوينات السياسية على سواحل خط الملاحة البحرية للتجارة البريطانية بين الشرق الآسيوي وأوروبا، تأتي الجمهورية الصينية حاليا بنظام اقتصادي مطور يخدم سوقها الناشئ والأسواق الناشئة الأخرى بتشارك المصالح والأرباح، ويعزز الثقة والصداقة مع الدول المشتركة في المشروع الاقتصادي الصيني الحزام والطريق (One Belt One Road)، والذي يخدم خطوط التجارة بين الصين والغرب. وبهذا المشروع يتوقع أن يتجاوز حجم الاقتصاد الصيني مثيله الأميركي قبل أن نصل إلى عام 2035.

ويسلط الباحث Yiping Huang من جامعة Peking الصينية الضوء على مبادئ مبادرة الحزام والطريق التي تعتمد على الانفتاح والتعاون، التجانس والشمولية، وعمليات السوق الحر، وتبادل المصالح ومشاركة النجاح.

ويناقش جمود المؤسسات التنموية الدولية المتمثلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تتبنى المدرسة الغربية وأدواتها الاقتصادية التقليدية، والتي مازالت تركّز على مكافحة الفقر والجهل واستخدام سياسات نقدية واقتصادية متشددة، حيث صنع هذا الجمود فراغا مهّد للصين تطوير آليات نموذجها الاقتصادي المبني على تبادل المصالح مع الأسواق النامية والناشئة، وهو نموذج ينافس المدرسة الغربية التي شابها الشك في دورها المحدود على مدى 70 عاما في تطوير الاقتصاديات النامية، كما وصفه المستشار الاقتصادي الأميركي John Perkins.

والفكر التوسعي لمصالح الصين ناشئ من فكر التوسع الطبيعي والحتمي للشركات الصينية. فكلما كبر وتطور حجم إنتاج الشركة زادت قدراتها وإمكاناتها المؤسسية من رأسمال وأصول وأنظمة وشبكة علاقات، وأيضا زادت قدرات كوادرها البشرية وقوتها المعرفية، مما يحتم عليها التوسع باتجاه أسواق أجنبية شبيهة لها تستثمر وتشغّل فيها فوائضها وقدراتها.

وقد راكمت الصين من الفوائض المالية الناتجة من النمو الاقتصادي خلال العشرين عاما الماضية، ما ناهز ثلاثة تريليونات دولار، ووصلت الى مفترق طريق بشأن التصرف بالفائض، حيث وصل الاستثمار الصيني في السندات الحكومية الأميركية في 2018 ما يقارب 1.17 تريليون دولار.

من جانب آخر، بدأ الاقتصاد الصيني يفقد مميزاته التنافسية بشأن كلفة اليد العاملة الصينية المنخفضة، وبدأ باستيراد العمالة من بنغلادش وكمبوديا. وهي حالة – إن استمرت - ستؤدي الى توقع انخفاض نمو الاقتصاد الصيني ليصل الى 5% في عام 2030 إن لم تستثمر الصين في تخفيض تكلفة الإنتاج والتكاليف اللوجستية.

وعليه تحتم على الصين التحول نحو الاستثمار المباشر لفوائضها المالية في البنية الأساسية للإنتاج وفي مسارات خطوط تجارتها الدولية، مستخدمة الجغرافية والتاريخ في تفعيل العلاقة بين الشرق والغرب.

هذا الاستثمار سيساهم في استدامة نمو الاقتصاد الصيني، وتعزيز أفضلية الوجود المباشر لرعاية مصالحها في الدول المتعاقدة مع مشروع الحزام والطريق.

وفي تلك الدول وجد الباحثان الصينيان Julan&Yifei أن الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية الحكومية تتركز في مشاريع البنية التحتية والموارد الطبيعية، بينما الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية التي يمتلكها القطاع الخاص تتركز في مشاريع التكنولوجيا والاتصالات والخدمات المالية.

الكويت

تلتقي الكويت مع مشروع جمهورية الصين بعد توقيع الاتفاقيات المشتركة في يوليو 2018 بما لديها من مميزات السوق الناشئ من موقع جغرافي وبنية تشريعية متطورة وبيئة سياسية مستقرة ومجتمع عالي التعليم وإمكانات اقتصاد الخدمات بمميزاته التنافسية للقطاع التجاري والمالي، إضافة الى مميزات خدمات إنتاج النفط. وعليه تنظر الصين للكويت كمنصة للتزود بالطاقة والخدمات اللوجستية وانطلاقة لأكبر سوقين في الإقليم؛ إيران والعراق.

ومن جانب الكويت، يساهم هذا التعاون في توطين المصالح الصينية في الكويت ويدعم استراتيجيات حماية الوجود والحدود وتمدد مصالحها خارج حدودها الجغرافية. كما سيؤدي الى صناعة الفرص الوظيفية للأجيال القادمة، ويقلل الاعتماد الفائق على إيرادات انتاج النفط الخام، كما يحيي مشاريع المناطق الاقتصادية في شمال الكويت، والتي ستساهم في تحقيق توقعات المواطن الكويتي.

وقد وجدت دراسة أعدتها وزارة شؤون مجلس الأمة عام 2013 ومنشورة على موقعها الإلكتروني أن 51% من المواطنين يتوقعون أن تنحصر أولويات الحكومة في حل قضية الإسكان وتطوير الصحة والتعليم واستخدام الإنترنت. وبغضّ النظر عن قدم الدراسة، فإنها تؤكد أساسيات العناية بالجيل القادم ومستقبله.

التفعيل والتواصل

لقد أبرمت الاتفاقيات الكويتية - الصينية في توقيت مميز، كما أبرمتها اقتصاديات عدة في إقليم الخليج، إلا أن الكويت تتفوق في الاستقرار السياسي والبنية التشريعية المتقدمة ومميزات اقتصاد الخدمات، وأهمها الخدمات المالية، لذلك يأتي مشروع تعمير المناطق الاقتصادية في شمال الكويت فرصة للاستفادة من توافق المصالح الكويتية - الصينية، والعمل على إيجاد نماذج تواصل حثيثة وكفؤة مع وبين المجتمع الكويتي وإقليم الخليج والصينيين، تساهم في بناء كويت جديدة، وتستخدم الوقت لزيادة جودة تنفيذ المشروع لا إنهاكه. ولعلنا في القادم نتناول ذلك بشيء من التفصيل.

back to top