«الحرير»... ضرورات اقتصادية تصطدم بتحديات إدارية وإقليمية

• إباحة الخمور وفردية القرار لا تضمنان إنجاح المشاريع الضخمة
• لا بد من كشف آليات التمويل وضمان جدية توفير فرص العمل

نشر في 28-03-2019
آخر تحديث 28-03-2019 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
المشاريع بعيدة المدى توحي بقدر كبير من عدم الجدية، مما يستوجب ربطها ببرامج تنفيذية سنوية وفصلية، تعطي للمجتمع صورة واضحة عن التطورات أو الإخفاقات، في سبيل دعم المتابعة أو تصحيح المنهج.
عاد إلى الواجهة مجدداً الحديث عن مشروع "الجزر - مدينة الحرير"، مضافاً إليها منطقة الكويت الاقتصادية الشمالية، كمشروع دولة تصطدم ضروراته الاقتصادية بتحديات تنفيذه الإدارية.

لا شك أن أغلب ما يقال عن أهداف مشروع الحرير مطلوب ولا خلاف عليه، فمن الضروري أن تشرع الدولة في خلق مصدر دخل مساند، إن لم يكن بديلاً للنفط، ومن الحتمي أن تجد الدولة لشبابها مناخات وفرص عمل خارج القطاع العام، ومن البديهي أن جذب الاستثمارات الأجنبية يعطي الكويت أبعاداً سياسية وأمنية تضاف للفائدة الاقتصادية المرجوة من المشروع، غير انه من المنطقي ايضا اعتبار كل ما سبق عناوين عريضة او رؤى عامة تحتاج الى كثير من التفصيل والشرح، بل وحتى طمأنة المجتمع بشأن مستقبله.

خطط سابقة

فأهداف مثل المصدر البديل للنفط أو فرص العمل للشباب او الاستثمارات الاجنبية ليست وليدة اليوم، لكنها متكررة في كل خطة او مشروع حكومي، ولكي تكون الامثلة واضحة يكفي ان نتذكر انها نفس تطلعات خطتي التنمية الاولى والثانية (2009 -2019) ناهيك عن العديد من الخطط والاستراتيجيات القديمة والحديثة، ومن سيتولى تنفيذ "مشروع الحرير" لن يبتكر الآليات والادوات والقيادات التي تضمن النجاح فيما فشلت فيه سابقا، فالحديث عن مشروع بمئات المليارات يستوجب جدية وإقناعا، لا المزيد من علامات الاستفهام، فضلا عن ان المشاريع بعيدة المدى توحي بقدر كبير من عدم الجدية، مما يستوجب ربطها ببرامج تنفيذية سنوية وفصلية تعطي للمجتمع صورة واضحة عن التطورات او الاخفاقات في سبيل دعم المتابعة او تصحيح المنهج.

وظائف وتمويل

وحتى يكون الأمر قابلاً للتفاؤل، فمن حق المجتمع أن يحصل على إجابات عن بعض الأسئلة، مثل كيفية خلق أكثر من 400 الف وظيفة للكويتيين من الاستثمارات الاجنبية، في الوقت الذي لا تستطيع الجهة المعنية فعليا بهذا الامر، وهي هيئة الاستثمار الاجنبي المباشر، توفير اكثر من الف وظيفة فقط خلال 5 سنوات؟ ناهيك عن اهمية توضيح قيمة المشروع وآلية تمويله، إن كان من الاحتياطي العام الذي تشكو الحكومة من انحدار قيمته بواقع 60 في المئة منذ عام 2013 ليبلغ حاليا 24 مليار دينار، أو عبر اصدار سندات سيادية تسعى الحكومة أصلا لزيادتها لتغطية عجوزات الانفاق العام، أو من خلال بدائل أخرى يُستحق توضيحها.

دول الجوار

كذلك من المهم معرفة مدى قابلية دول الجوار، تحديدا العراق وإيران، في التعاون والاستثمار بالمشروع الذي لن ينجح أبدا بدونهما، وهنا يتجاوز الأمر الحديث عن تدهور احوال البلدين الاقتصادية والأمنية، الى مدى واقعية التعامل معهما تجاريا واقتصاديا، فالعراق اصلا لديه تحفظات على انشاء ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان، ويسعى الى مد قناة مائية من ميناء الفاو الى الخليج العربي، بهدف منافسة اي مشروع لوجستي كويتي، فضلا عن عوامل اخرى غير محفزة للاستثمار؛ مثل اختلاط اعمال الحكومة الرسمية بالميليشيات غير النظامية، وتجاوز الدين السيادي لثلثي الناتج القومي العراقي واحتلال مراتب متأخرة في العديد من المؤشرات الدولية، اهمها المرتبة الـ166 من أصل 176 دولة في مؤشر مدركات الفساد، بحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية، وهذه كلها بيانات غير مبشرة لانطلاق مشروع اقتصادي قوي. أما ايران، التي لديها وضع نسبي أفضل من العراق، فأمامها تحدٍّ عسير يتمثل في العقوبات الاميركية عليها، مما يجعل كبريات الشركات العالمية تمتنع عن الدخول في اي شراكة او تعاملات معها، حتى وإن كانت غير مباشرة... وربما تكون طهران نفسها لا تريد التعامل مع اي جهة لا توفر لها نافذة خلفية للالتفاف على العقوبات.

هذه التحديات الخاصة بدول الجوار تمس جوهر المشروع، والاجابة عنها من خلال طبيعة الاتفاقات المبرمة معهما ستحدد جانبا مهما من امكانية النجاح من عدمه.

خمور وفردية

بالطبع شهد النقاش المجتمعي حول "مشروع الحرير" انحرافا لافتا عن الفكرة الاساسية، فثمة من يعتقد ان نجاح اي مشروع اقتصادي يرتبط شرطا بترخيص الخمور او اطلاق حريات غير مرغوبة اجتماعيا او دينيا، مع مزجها بفردية القرار بعيداً عن قوانين الدولة، وهذه نظرية لا اصل لها في علم الاقتصاد ولا تجاربه.

فالعديد من دول العالم الناجحة اقتصاديا، وخصوصا من وسط آسيا الى اقصى شرقها، تولي ثقافتها وتقاليدها ودينها اهمية قصوى في التعاطي مع اي ملف اقتصادي، وفي المقابل يصعب في عالم اليوم وجود دولة ناجحة اقتصاديا او ماليا ولا تكون ذات مستوى عال في الديمقراطية والرقابة الشعبية، مع الاخذ بعين الاعتبار ان النموذج الاقرب للحريات غير المرغوبة اجتماعيا وفردية القرار في المنطقة، وهي إمارة دبي، تعاني منذ سنوات الأزمة المالية العالمية من خفوت بريقها التجاري والاقتصادي وحتى العقاري والفندقي. ولعل من المخيف تسويق مثل هذه الافكار للمجتمع واتخاذها عذرا، إن فشل المشروع لأسباب أخرى تتعلق بمحدودية قدرات الإدارة العامة.

الجيد في الأمر أن الحكومة سحبت القانون الخاص بالمشروع، والذي كان جعله دولة داخل الدولة، بإعفائه من قوانين الكهرباء والشركات والرسوم والعمالة الأجنبية وأملاك الدولة والاستثمار المباشر وديوان المحاسبة وقوانين الشراكة والمراقبين الماليين والعمل الأهلي، ويعطي القائمين عليه صلاحيات استثنائية. ومن المنتظر تقديم مشروع جديد لقانون "الحرير" في الفترة المقبلة.

محددات النجاح أو الفشل

إن مشروع بضخامة "الحرير" يمكن ان ينقل الكويت لمستقبل أفضل، إن ارتبط مع تحدياتها الاقتصادية الاساسية؛ كتقليل الاعتماد على النفط وخلق سوق عمل للشباب وإعادة هيكلة التركيبة السكانية أو رفع كفاءة وحجم القطاع الخاص في الاقتصاد وجذب التكنولوجيا، ناهيك عن المزايا الأخرى السياسية والأمنية، فهذه المعايير هي ما تستحق ان تكون محددات النجاح او الفشل، وهي عناوين عريضة تحتاج بالتأكيد الى كثير من المتابعة والشرح.

كيف يمكن خلق 400 ألف وظيفة للكويتيين من الاستثمارات الأجنبية فيما تستهدف هيئة الاستثمار المباشر توفير ألف وظيفة فقط خلال 5 سنوات؟

التحديات الخاصة بالعراق وإيران تمس جوهر المشروع والإجابة عنها معهما ستحدد جانباً مهماً من إمكانية النجاح
back to top