طرفا الصراع بشأن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي معرّضان للخسارة

نشر في 24-03-2019
آخر تحديث 24-03-2019 | 00:00
يثبت مشهد تيريزا ماي وهي تفشل في تنظيم عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي أنها غير مؤهلة لأداء هذه المهمة، ولا يعني ذلك التخلي عن تلك المهمة بالضرورة، لكن هذا الوضع بالنسبة إلى عدد كبير من المشككين بكيان الاتحاد الأوروبي يعطي أثراً معاكساً.
 الغارديان لو حوّلت الحكومة الفوضوية مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى معارضين له، لكانت بريطانيا قررت منذ فترة طويلة ألا تزعج نفسها بمسألة خروجها من الاتحاد الأوروبي، لكن لا تحصل الأمور بهذه الطريقة.

يثبت مشهد تيريزا ماي وهي تفشل في تنظيم عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي أنها غير مؤهلة لأداء هذه المهمة، لكن لا يعني ذلك التخلي عن تلك المهمة بالضرورة. بالنسبة إلى عدد كبير من المشككين بكيان الاتحاد الأوروبي، يعطي هذا الوضع أثراً معاكساً، فمن وجهة نظرهم كان انهيار رئيسة الوزراء الصلبة بسبب مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تأكيداً على حاجة الوضع القائم إلى قيادة حماسية.

ينطبق المبدأ نفسه على الفوضى الإجرائية والمأزق القائم في البرلمان، ويبتهج الموالون للاتحاد الأوروبي حين يصوّت معظم النواب ضد قرار خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي من دون عقد اتفاق، ويُحيّون رئيس مجلس العموم البريطاني حين يستعمل بروتوكولاً قديماً لمنع التصويت مجدداً على اتفاق الانسحاب الذي طرحته ماي ورُفِض مرتين في مجلس العموم. من وجهة نظر مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي، يُعتبر موقف السلطة التشريعة طريقة لتحدي سوء الحكم.

بعبارة أخرى، إنه مفعول الديمقراطية الناشطة، أما مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فيرون في هذا الوضع مشرّعين فاسدين يمنعون تحقيق إرادة الشعب، وبالتالي إنها خيانة للديمقراطية، حيث تقلّ الآراء القابلة للتغيّر.

بدأنا نبتعد عن مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن من دون أن نتجه لإيجاد حل للتوتر الاجتماعي والسياسي الذي كشفه الاستفتاء. إنها ديناميكية خطيرة! أحرزت جهود مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي تقدماً تكتيكياً وقد ترسّخ هذا التقدم نتيجة ضعف خصومهم، لكنّ الحجج التي تبرر البقاء ضمن المشروع الأوروبي لم تتقدم بأي درجة ملحوظة.

لو أرادت بريطانيا أن تحافظ على علاقة سليمة مع أقرب حلفائها، فلن يكون فشل الخروج من الاتحاد الأوروبي كافياً، بل يجب أن يرغب عدد إضافي من الناس في فشل هذه العملية.

تشير استطلاعات الرأي إلى وجود نزعة ثابتة إلى تأييد معارضي الخروج من الاتحاد الأوروبي منذ عام 2016، لكن لا يبدو هذا التفوق أكبر من حجم المجموعة التي لم تتخذ قرارها بعد بهذا الشأن، ولن يكون الشعور المزعج ببدء مقاربة خاطئة منذ ثلاث سنوات كفيلاً بتغيير مسار التصويت، بل يتوقف الوضع على طريقة صياغة السؤال وسبب طرحه.

يمكن أن ينشأ نوع واحد من الاستفتاء من المطالب الشعبية باعتباره الحل اللازم للمأزق القائم والارتباك المتزايد. قد يفوز به مؤيدو الاتحاد الأوروبي الذين يتبنون مقاربة تفاؤلية ويخوضون حملتهم على أساس التمسك ببلد يتطلع إلى المستقبل ويتعامل بسلاسة إضافية مع الدول المجاورة له ومع نفسه، لكن يبرز أيضاً استفتاء آخر ويشتق هذه المرة من اليأس الذي يرتبط بالتفاوض حول ملحق المادة 50 ويعكس صورة بروكسل المتغطرسة التي تطالب بجواب مختلف عن السؤال القديم نفسه. في هذا السياق، سيصعب التغلب على الحملة التي تشجّع بريطانيا على التمسك بأسلحتها المُشكّكة بكيان الاتحاد الأوروبي.

عملياً، ستدخل بريطانيا في دوامات جهنمية جديدة حين تحاول التملص من معاهدات الانسحاب الموقّعة والمختومة. لن يكون هذا الوضع كافياً لردع جونسون وراب وديفيد ديفيس وآخرين. سبق أن شاهدوا عن قرب ما يمكن تحقيقه في أي مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك أصروا على تبني موقف معاكس. هم يحملون دوافع مشبوهة وإيديولوجية لمنح ماي ما يكفي من الدعم لإنهاء مهمة القضاء على عضوية الاتحاد الأوروبي، وتزيد قوة تلك الدوافع في ظل تأخير، أو حتى انهيار، احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

يبدو أن الخوف المتزايد الذي ينتاب مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي لا يضاهي الثقة المتزايدة لدى خصومهم بشأن صوابية البقاء في الاتحاد الأوروبي. يركّز النواب المؤيدون للاتحاد على تقصير ماي، ثم يعتبرون أن القرار النهائي يجب أن يرتكز على توجّه الشعب. لكن يبقى الاستفتاء مجرّد إجراء وليس نتيجة بحد ذاتها.

حين يدعو أي طرف إلى إجراء استفتاء مماثل، لن تكون النتيجة التي يفضّلها سراً على أحد، ففي مجلس العموم وحده، يمتعض الأشخاص الذين يكرهون فكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي من احتمال أن يضطروا في مرحلة معينة للاعتراف بضرورة وقف هذا المسار.

ينجم معظم هذا التخبط عن شوائب حزب العمال البريطاني. يتبنى الحزب سياسة نظرية تؤيّد إجراء الاستفتاءات، لكن يكره جزء من نواب الحزب هذه الفكرة، لذا يجد زعيمه صعوبة في دعمها. ثمة فرق بين السياسة التي يتقبلها جيريمي كوربين والقضية التي يخوض حملته على أساسها، فهو يلوم طريقة تعامل المحافظين مع ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بصوته القوي، لكنه يتمتم بخجل حين يتكلم عن صوابية فكرة الخروج من الاتحاد. حتى لو اجتمعت الظروف كلها دعماً لإجراء استفتاء عام، لن يصبح كوربين مدافعاً شرساً عن عضوية الاتحاد الأوروبي لأنه لا يحبذها.

يواجه كوربين معضلة إدارية، ومن الشائك أن يكون أحد المشككين بالاتحاد الأوروبي زعيماً لحزب يؤيّد الاتحاد نفسه، لكن يظن بعض النواب أن وضع بريطانيا سيكون أفضل طالما تبقى في الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك يجدون صعوبة في التعبير عن هذا الرأي بصوت مرتفع، لذا يفضلون الانتظار إلى أن تنتهي جميع الأسئلة المطروحة باستثناء أهم سؤال: هل يجب أن نلغي الخطة كلها؟

لطالما رفض مؤيدو البقاء في الاتحاد الأوروبي تلك اللحظة، وستزيد صعوبة سحب مبرراتهم من الأفخاخ الإجرائية والأشواك السياسية الحزبية، ويمكن أن تصبح بريطانيا عالقة في مخالب ملحق المادة 50، وحين تنطلق محركات الحملة الانتخابية لإعادتنا إلى الوراء، قد تدور العجلات وتخرج عن السيطرة!

* «رافاييل بير»

back to top