فهم تحول بنك الاحتياطي الفدرالي

نشر في 21-03-2019
آخر تحديث 21-03-2019 | 00:00
إذا ظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي قويا هذا العام، فقد تتبعه بعض الزيادة في نمو الأجور ومعدلات تضخم الأسعار، وقد يرتفع معدل التضخم الأساسي عن المستوى المستهدف في النصف الثاني من العام.
 بروجيكت سنديكيت فاجأ بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي الأسواق مؤخرا بتغيير كبير وغير متوقع في سياسته النقدية. عندما اجتمعت اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) في ديسمبر 2018، قررت رفع أسعار الفائدة لبنك الاحتياطي الفدرالي إلى 2.25 و2.5 في المئة، وأشارت إلى رفع سعر الفائدة القياسي إلى 3 في المئة و3.25 في المئة، قبل أن يتوقف، كما أكدت استمرار فك ميزانيتها العمومية لسندات الخزينة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري إلى أجل غير مسمى، بما يصل إلى 50 مليار دولار شهريا.

لكن بعد ستة أسابيع فقط، في اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة في أواخر شهر يناير أشار بنك الاحتياطي الفدرالي إلى أنه سيوقف رفع أسعار الفائدة في المستقبل المنظور، ويتراجع عن فك ميزانيته العمومية في وقت ما هذا العام.

هناك العديد من العوامل التي دفعت الاحتياطي الفدرالي لتغيير موقفه:

أولاً وقبل كل شيء، كان يشعر صناع السياسة بقلق كبير إزاء التشديد الحاد في الظروف المالية بعد اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة في شهر ديسمبر، والذي سارع في هزيمة أسواق الأسهم العالمية التي بدأت في أكتوبر 2018، وقد زادت هذه المخاوف بسبب ارتفاع قيمة الدولار الأميركي واحتمال الإغلاق الفعلي لبعض أسواق الائتمان، لا سيما تلك الخاصة بالقروض ذات العائد المرتفع والقروض المرفوعة.

ثانياً، في النصف الأخير من عام 2018، توقف التضخم الأساسي الأميركي بشكل غير متوقع عن الارتفاع نحو هدف الاحتياطي الفدرالي البالغ 2 في المئة، وبدأ بالانخفاض حيث بلغ 1.8 في المئة. مع ضعف توقعات التضخم أُجبر بنك الاحتياطي الفدرالي على إعادة النظر في خطته لرفع أسعار الفائدة، والتي كانت تستند إلى الاعتقاد بأن تراجع معدلات البطالة الهيكلي من شأنه أن يدفع التضخم إلى ما فوق 2 في المئة.

ثالثاً، أثارت الحروب التجارية التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتباطؤ النمو في أوروبا والصين واليابان والأسواق الناشئة مخاوف بشأن توقعات النمو في الولايات المتحدة، خصوصاً بعد قرار إغلاق الحكومة الفدرالية الأخير الذي اعتمدته الولايات المتحدة في العام الجديد.

رابعاً، أبدى بنك الاحتياطي الفدرالي استقلاله في مواجهة الضغوط السياسية. في ديسمبر الماضي، عندما أشار إلى زيادة أسعار الفائدة، كان ترامب يدعو إلى التوقف، ولكن منذ ذلك الحين كان على بنك الاحتياطي الفدرالي أن يقلق بشأن تحمل المسؤولية في حالة حدوث تراجع اقتصادي.

خامساً، انضم ريتشارد كلاريدا خبير الاقتصاد والسوق الشهير إلى مجلس بنك الاحتياطي الفدرالي في خريف عام 2018 كنائب للرئيس، مما أدى إلى إضعاف توازن اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة. بحلول ذلك الوقت، كانت ميول رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول المضطربة تخضع لمراقبة موظفين أقل حماسة والعضو الثالث في الترويكا القيادية لمجلس الاحتياطي الفدرالي، ورئيس الاحتياطي الفدرالي في نيويورك جون ويليامز، الذي توقع ارتفاع التضخم تدريجيا عن المستوى المستهدف مع تشديد سوق العمل.

لا شك أن إضافة كلاريدا وسط توقف التضخم وتضييق الظروف المالية كانت حاسمة في قرار مجلس الاحتياطي الفدرالي بالضغط على زر التوقف المؤقت، لكن يبدو أن كلاريدا قد دفع بنك الاحتياطي الفدرالي نحو سياسة نقدية أكثر مرونة. بداية، يدعم وجوده وجهة نظر باول بأن استقرار منحنى فيليبس (الذي يؤكد وجود علاقة عكسية بين التضخم والبطالة) قد يكون أكثر هيكلية من كونه مؤقتا. يختلف بعض الباحثين في مجلس الاحتياطي الفدرالي مع وجهة النظر هذه، وقد نشروا بحثا يجادلون فيه بأن عدم اليقين فيما يتعلق بمنحنى فيليبس يجب ألا يمنع بنك الاحتياطي الفدرالي من تطبيع السياسة النقدية الأميركية. لكن مع مشاركة كلاريدا، من المرجح أن يُركز بنك الاحتياطي الفدرالي على اتجاهات التضخم الفعلية، بدلا من التركيز على معدل البطالة الرسمي وتأثيره على النماذج التقليدية.

وبينما يبدو أن العديد من مسؤولي الاحتياطي الفدرالي يعتقدون أن معدل النمو المحتمل للاقتصاد الأميركي منخفض للغاية (نحو 1.75 إلى 2 في المئة)، يبدو أن كلاريدا، مثل باول، يعتقد أن التخفيضات الضريبية وسياسات إلغاء القيود التنظيمية التي وضعها ترامب، مقترنة بالموجة القادمة من الابتكار التكنولوجي، ستسمح بنمو غير تضخمي أكبر إلى حد ما.

أخيراً، يعتزم كلاريدا إجراء مراجعة استراتيجية داخلية لتحديد ما إذا كان ينبغي على مجلس الاحتياطي الفدرالي تعويض ما دون معدل التضخم المستهدف خلال فترات الركود والانتعاش البطيء من خلال السماح بالتضخم فوق الهدف خلال فترات النمو. وعلى الرغم من أن المراجعة لا تزال في مراحلها الأولى، يبدو أن بنك الاحتياطي الفدرالي قد تبنى بالفعل فكرة أنه ينبغي السماح للتضخم بأن يتجاوز 2 في المئة دون الحاجة إلى تشديد السياسة النقدية.

تُشير هذه العوامل مجتمعة إلى أن الاحتياطي الفدرالي يمكن أن يظل في وضع الإيقاف المؤقت لبقية عام 2019. بعد كل شيء، حتى التسارع المتواضع الأخير في نمو الأجور لم يُؤد إلى ارتفاع التضخم، مما يعني أن منحنى فيليبس قد يظل مستقرا لفترة أطول، ونظرا للسياسة الفعلية الجديدة لمجلس الاحتياطي الفدرالي المتمثلة باستهداف متوسط التضخم على مدار دورة الأعمال، فإن الزيادة المؤقتة المتواضعة في التضخم الأساسي التي تتجاوز 2 في المئة لن تُعالج من خلال تدابير السياسة النقدية.

لكن على الرغم من أن بنك الاحتياطي الفدرالي يمكن أن يبقى في وضع التوقف المؤقت حتى أواخر عام 2019، فإنه لا يمكن استبعاد زيادة أخرى في سعر الفائدة في نهاية العام أو في عام 2020. يبدو أن تباطؤ النمو في الصين بدأ بالتراجع، وقد يؤدي ذلك إلى تعزيز الانتعاش في الأشهر المقبلة، خصوصا إذا أدت المفاوضات الصينية الأميركية الحالية إلى تراجع التوترات التجارية. وبالمثل، فإن اتفاقية تجنب "خروج بريطانيا الشاق من الاتحاد الأوروبي" الكارثي من الناحية الاقتصادية لا تزال قائمة، وقد يكون تراجع منطقة اليورو- خصوصا في ألمانيا- مؤقتا.

علاوة على ذلك، فإن الأوضاع المالية العالمية آخذة في التراجع نتيجة استمرار بنك الاحتياطي الفدرالي والبنوك المركزية الأخرى في اعتماد سياسة متساهلة، وقد يترجم هذا إلى نمو محلي قوي في الولايات المتحدة.

سوف يعتمد الكثير على ما إذا كان ترامب يمتنع عن شن حرب تجارية منفصلة ضد صناعة السيارات الأوروبية، والتي من شأنها أن تهز أسواق الأسهم مرة أخرى، لكن بدون تجدد الصراعات حول الميزانية الفدرالية الأميركية وسقف الديون- ناهيك عن إجراءات المساءلة المحتملة ضد ترامب- يمكن للولايات المتحدة تجنب صدمات سياسية داخلية خطيرة في الأشهر المقبلة.

إذا ظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي قويا هذا العام، فقد تتبعه بعض الزيادة في نمو الأجور ومعدلات تضخم الأسعار، وقد يرتفع معدل التضخم الأساسي عن المستوى المستهدف في النصف الثاني من العام أو في عام 2020، وفي حين يبدو الاحتياطي الفدرالي مستعدا لتحمل تضخم أعلى لفترة معينة، فإنه لا يمكن أن يسمح لهذا أن يصبح الوضع الراهن الجديد. في حالة حدوث هذا السيناريو في وقت لاحق من العام أو العام المقبل، يمكن لمجلس الاحتياطي الفدرالي رفع سعر الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس أخرى قبل أن يتوقف لفترة طويلة. وفي كلتا الحالتين، من المرجح أن يكون المعدل الطبيعي الجديد لسعر الفائدة في الولايات المتحدة قريبا من 3 في المئة أو أقل بقليل.

* الرئيس التنفيذي لشركة روبيني ماكرو أسوشيتس وأستاذ الاقتصاد في كلية شتيرن للأعمال بجامعة نيويورك.

«نورييل روبيني»

حروب ترامب التجارية وتباطؤ النمو في أوروبا والصين واليابان والأسواق الناشئة أثارت مخاوف بشأن النمو في الولايات المتحدة

في اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة أواخر يناير أشار بنك الاحتياطي الفدرالي إلى أنه سيوقف رفع أسعار الفائدة في المستقبل المنظور
back to top