نيوزيلندا... أخطر من مجرد حادث إرهابي!

نشر في 18-03-2019
آخر تحديث 18-03-2019 | 00:30
 أ.د. غانم النجار في تمام الساعة 9:20 من صباح 19 أبريل 1995 ، وقف الأميركي "تم ماكفيه" يراقب عن بعد انهيار مبنى مورا الفدرالي الضخم بأوكلاهوما سيتي، بعد أن زرعه بالمتفجرات، وسقط فيه 168 قتيلاً و680 جريحاً، وتم تدمير 324 مبنى مجاوراً وحرق 86 سيارة، بخسائر قدرت بأكثر من 625 مليون دولار.

حدث ذلك قبل ظهور بدعة "إسلاموفوبيا"، فكان المتهم المفترض هو "السحنة الشرق أوسطية"، إلى أن تم القبض على ماكفيه، وإعدامه لاحقاً في يونيو 2001 . ومع أن ماكفيه كان غاضباً ومنتقماً لحصار واكو، إلا أنه ذهب إلى أبعد من ذلك تسييساً، حين قال: "تفجير مبنى فدرالي يماثل تدمير أميركا لمبان حكومية في صربيا والعراق وغيرها من البلاد"، هكذا. وتم التعامل مع ذلك العمل الإرهابي المدمر بصورته المحدودة، وكاد يمحى من الذاكرة.

في السنة الماضية، قام ستيفن بورز، وهو رجل أميركي أبيض، باقتحام كنيس يهودي في بتسبرغ بنسلفانيا، وقتل 11 شخصاً. وقبله قام ستيفن بادوك بقنص 58 شخصاً في لاس فيغاس.

في صيف 2011 قتل النرويجي أندريه بريفيك، الثلاثيني، 77 شخصاً أغلبهم من الشباب الصغار النرويجيين، لرفضه سياسات الحكومة بإدماج الأجانب. ونشر بريفيك رأيه أونلاين، فكان طرحاً مدمراً، يتجاوز العنصرية والكراهية التقليدية. كيف لمجتمع مسالم، ثري، تعددي، متعايش مع الآخر، كالنرويج أو نيوزيلندا، أن يظهر به أشخاص كهؤلاء؟! وهكذا ظل النرويجيون، والآن النيوزيلنديون، يكررون نفس العبارات: من أين ظهر هؤلاء؟ وبالتالي لم يكن مستغرباً أن ينشر القاتل الأسترالي برينتون تارانت رأيه في ٧٣ صفحة على النت، ويذكر بوضوح أن بريفيك وبورز ملهمان له. الخطورة في المسألة أنها تتجاوز الكراهية والعنصرية التقليدية، للبدء في تشكيل منظومة فكرية شبابية، إن شئت، تزعم "الدفاع عن الأمة". اتجاه فكري أخذ في التشكل للقضاء على الآخر، وأن الحياة لن تستقيم إلا لفئة واحدة. وهو منطق لا يختلفون فيه كثيراً عن داعش، أو عن تشكل قوميات إثنية مرتبطة بديانات، كالقومية البوذية في ميانمار، أو القومية الهندوسية في الهند، أو غيرهما.

هل من الممكن التصدي لهذه الظواهر؟ الإجابة هي أنه على الرغم من خطورة الموقف فإنه مازالت أغلبية البشر تسعى للتعايش ولقيم الانفتاح والتعددية، ويبقى الفكر التعددي المتعايش مع الآخر، حتى على ضعفه، هو الضامن لقدر من الاستقرار، وإلا فإن العالم مقبل على خراب أكثر مما به من خراب، يتجاوز ما نعرفه اليوم عن خطاب الكراهية، أو العنصرية، إلى مرحلة جديدة يتوهم فيها المتطرفون أنهم بقتلهم لذلك الآخر، حتى لو لم يكن له ذنب، إنما هم في واقعهم يدافعون عن الأمة، وأنهم نصبوا أنفسهم ممثلين لتلك الأمة، وليذهب العالم للجحيم، فما بالك إن تولى هؤلاء المتطرفون الحكم؟! وهكذا صارت قيم التعايش السلمي بين البشر ضرورة للبقاء على الحياة.

back to top