زهير ابن أبي سلمى شاعر المحبة والسلام

نشر في 13-03-2019
آخر تحديث 13-03-2019 | 00:09
 د. عبدالمحسن حمادة هو زهير بن أبي سلمى ربيعة المزني، من مزينة مضر، كان زهير جاهليا لم يدرك الإسلام ومات قبل البعثة بعام، وأدركه ابناه كعب وبجير، ويقال عنه إنه كان عفّ القلب واللسان، كما كان يعترف بالجميل ولا ينسى أي يد قدمت له أي معروف أو كرم، كما عرف بالعفة والحياء بعكس الشعراء الذين انهمكوا بالعبث والمجون، لذلك أحبه قومه وتقرب إليه سادة العشيرة وصفوتهم وقدموا له الهبات والعطايا.

ومن المؤسف أن بعض النقاد عده من المتكسبين بشعره، لأنه قبل الهدايا من ممدوحيه، فهذا يجافي الحقيقة لأن المتكسب من يمدح شخصيات لا تستحق المديح للحصول على المال، أما زهير فمدح شخصيات تستحق المديح لما قاموا به من أفعال مجيدة لخدمة أمتهم.

واشتهر زهير بمدحه هرم بن سنان المري وابن عمه الحارث بن عوف، ورأى فيهما شخصيات مثالية، نظراً لسعيهما إلى تسكين الفتنة وإخماد نار الحرب التي كانت تدور رحاها بين قبيلتي عبس وذبيان، وامتدت أربعين عاما، وعرفت بحرب داحس والغبراء، وكادت تفني القبيلتين لولا تدخل هذين الشخصين الكريمين في الإصلاح بينهما وتحملهما ديات القتلى من مالهما، والتي بلغت ثلاثة آلاف بعير.

أعجب الشاعر بهذا العمل الجليل فبدأ يمدح أنصار السلام، ومن قصائده:

صَحا القَلبُ عَن سَلمى وَأَقصَرَ باطِلُه

وَعُرِّيَ أَفراسُ الصِبا وَرَواحِلُه

عدد أبياتها سبعة وأربعون بيتا، ومنها هذا البيت الجميل الذي يصف فيه هرما:

تَراهُ إِذا ما جِئتَهُ مُتَهَلِّلاً

كَأَنَّكَ تُعطيهِ الَّذي أَنتَ سائِلُه

أما القصيدة الثانية فهي معلقته وعدد أبياتها 64 بيتا، وبدأها بالتشبيب ومساءلة الديار التي رحل عنها الأحباب وخصص لهذا الغرض 15 بيتا:

أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ

بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ

ولم يكن زهير من العشاق ولا الباحثين عن المتعة مع النساء، أما أم أوفى فهي زوجته التي طلقها في حالة غضب ورفضت الرجوع إليه، ثم بذكر الديار التي عاشا فيها وما بقي فيها من الآثار، وبدأ يسكنها الظباء وبقر الوحش. لذلك لم يتعرف عليها إلا بعد جهد، ثم انتقل إلى مدح عظيمي غطفان وسعيهما إلى الصلح وتحملهما ديات القتلى، ثم طالب الأحلاف أن يلتزموا بما تعاهدوا عليه من السلم، وذكر أهوال الحرب ومصائبها، وما ينجم عنها من أحقاد، ثم هجا تجار الحروب ومشعليها.

لاشك أن الموقف الإنساني لهرم ابن سنان وابن عمه وسعيهما إلى إخماد الفتنة يستحق الثناء والمديح، وكذلك موقف الشاعر لإظهار تلك المواقف الطيبة، ولعلنا في هذه الأيام ونحن نشاهد الحروب تشتعل في منطقتنا وتهدد أمننا بحاجة لمن يبذل جهدا لإخماد الصراع الدائر في المنطقة، ولعل سعي صاحب السمو في إصلاح ذات البين بين الأشقاء وكراهيته للحروب تستحق المدح والإشادة، نتمنى أن تكلل جهوده بالنجاح ولذلك استحق لقب أمير الإنسانية.

back to top