إلى متى الخضوع الحكومي لـ «نواب المصايف»؟

نشر في 12-03-2019
آخر تحديث 12-03-2019 | 00:15
No Image Caption
إلى متى ستظل الديمقراطية لدى بعض نوابنا مجرد شعار أجوف تلوكه ألسنتهم في العلن دون أن يحملوا له في أنفسهم أدنى درجات الاحترام؟ إلى متى لا يدركون أن أبناء الكويت متساوون يجب ألا تفرق بينهم واسطة نائب أو محسوبية متنفذ؟ إلى متى يتمسكون بأساليب أقل ما يقال عنها إنها غير شريفة أو عادلة، منتهجين صنوف الترهيب والترغيب لتمرير مصالح أفراد معينين على حساب حياة المواطنين ومستقبلهم، ولو كان في ذلك ذبح العدالة ووأد المساواة؟

فالعبث بنظام العلاج بالخارج واضح وجليٌّ للجميع، وهو ليس بحاجة إلى أدلة دامغة، فأدلته -كما يقولون- بيّنة، ومنه وفيه. والمسألة ليست بحاجة إلى براهين أكدتها من قبل سوابق لها أول وليس لها آخر.

وقبل أيام تسرَّب كتاب مرفوع من المجلس الطبي لوزير الصحة يؤكد فيه "ازدياد الضغوط والتدخل السافر لبعض أعضاء مجلس الأمة في قرارات اللجنة، مما يترتب عليه إصدار قرارات وتوصيات طبية غير صحيحة وتفتقر للعدالة والمساواة... وفي حال رفضنا لهذه الضغوط يقوم النائب بتوجيه الأسئلة البرلمانية والتشكيك والتقليل من أعضاء اللجنة...".

هذه شهادة شاهد من أهلها، وليست ادعاء من مدَّعٍ مفترٍ بحق النواب.

وهو موضوع ليس بالجديد أو المفاجئ... فقد قيل فيه وكُتب عنه الكثير والكثير، لكن: لقد أسمعت لو ناديت حياً... ولكن لا حياة لمن تنادي!

والحكومة أول المدركين وآخر المتفاعلين لوضع حدٍّ لهذا العبث والهدر والظلم... ولذا غدا الأمر من أمور المباهاة، فالنائب يتباهى بأنه أرسل (في الصيف) عدداً من ناخبيه للسفر بقصد العلاج بالخارج، والناخب حين يُسأل في الدواوين عن برنامجه في العطلة الصيفية يقول إنه ينتظر نائبه كي ينجز له معاملة العلاج، وهو الذي يقرر ويقول للنائب: "أريد لندن أو ألمانيا أو فرنسا"، أو ما يحلو له.

تعبنا ومللنا ونحن نتحدث عن هذه المأساة، بما تحمله من كلفة على ميزانية الدولة، وبما فيها من ظلم وتغييب للعدالة، بل كثيراً ما تكون على حساب ذوي الاحتياج الحقيقي والفعلي للعلاج بالخارج.

وتحدث غيرنا مئات في هذا الأمر، لكن الصمت هو أحسن وسيلة عند الحكومة لتحاشي إثارته وجعله موضوعاً حيوياً لدى الناس... كيف نثق بأن الإدارة الحكومية قادرة وجادة بالمضي في طريق التنمية المزعومة التي تكلف المليارات، وهي إدارة غير قادرة على ضبط آليات العلاج بالخارج؟ فمن أين تأتي الثقة بإدارة كهذه؟

إن فشل الحكومة في إدارة هذا الملف لا يبقي ثقة أو إيماناً عند الناس بأنها قادرة على إنجاز أي مشروع... إذ كيف ستنجح في إدارة مشاريع عملاقة؟!

كيف للحكومة أن تقنع مواطنيها بأن شعارها الذي ترفعه بشأن محاربة الفساد والقضاء على الهدر الذي ينهب المال العام بكرة وعشياً ينبع من رغبتها الحقيقية في القضاء على تلك الآفة، لا مجرد مسكن تخدر به وعيهم لتغييبهم عن الواقع المر الذي ينطق به ذلك الكتاب المسرب من المجلس الطبي العام، والذي يؤكد جازماً أن شعارات الشفافية ومحاسبة المخطئين والقضاء على الفساد ليس لها محل من الإعراب، وإنما تأتي رفعاً للعتب وذراً للرماد في العيون، بدليل تلك النزهات السياحية المتدثرة برداء العلاج بالخارج؟

ألم تتعظ الحكومة من تلك الآثار السلبية التي جرتها على البلاد والعباد بسبب هذا العلاج السياحي، والذي مازالت مصائبه تنهمر على الميزانية العامة وحقوق المواطنين؟ دعك من هذا، ألم تخشَ الحكومة، بهذه الممارسة وذلك الخضوع لنواب المصالح و"المصايف"، أن يكون ذلك الباب مدعاة للمطالبة الحثيثة من البعض بإسقاط القروض، فإذا كانت الأموال ضائعة لا محالة، فلمَ لا يطالبون بأن يكون لهم نصيب من تلك التركة المستباحة من باب "إذا مت ظمآن فلا نزلَ القطرُ"؟!

وإذا قلنا إن الإدارة الحكومية متواطئة مع عدد كبير من النواب في الموافقة على هذا النوع من نهب المال العام حماية لوزرائها، فمتى ستكون مع الوطن حماية لأبنائه وحفاظاً على عدالة الحكم والإدارة؟

بقيت كلمة اعتزاز وعرفان عن هؤلاء المواطنين الشرفاء الذين رفعوا كتاب المجلس الطبي العام، إحساساً بمسؤوليتهم في الحفاظ على المال العام، ووقوفاً ضد فساد يرونه ينخر في جسد بلادهم، ورغبة في تخليصه من جرثومة المحسوبية والاستغلال... هؤلاء الغيورون لابد أن توفر لهم الحكومة الحماية حتى لا يتعرضوا لرد فعل انتقامي من ذوي المصالح، وخوفاً عليهم من أن يدفعوا ثمناً باهظاً نظير ما كشفوه من جرائم، فليس منطقياً في الكويت الغالية أن يجازى شرفاؤها جزاء سنمار.

الجريدة

back to top