أول شهر بعد تحرير الكويت 1991

نشر في 28-02-2019
آخر تحديث 28-02-2019 | 00:08
كانت أصعب مواقف بعد التحرير هي البحث عن الأهل والمعارف والأصحاب ممن انقطعت أخبارهم بالغزو سواء من المرابطين أو من المغادرين، وكم كانت الصدمات قاسية عندما يعلن أن فلاناً شهيد أو أسير أو مفقود لا أثر له فتختلط دموع وإحساسات فرحة التحرير بمشاعر وآهات الفقد والخسارة والغياب.
 ‏‫وليد عبدالله الغانم الأيام الأولى التالية لتحرير الكويت من الغزو العراقي كانت فصلاً مثيراً في حياة الوطن، خصوصا للصامدين في الداخل، إنها فترة يغفل عنها الناس عند روايتهم لتاريخ الغزو والتحرير، ويتجاوزونها بالرغم مما شهدته من أحداث وتفاصيل تستحق الوقوف عندها مليّاً.

الأيام الأولى للتحرير شهدت غياب السلطة الحاكمة في البلاد قبل عودة الحكومة من الخارج، واضطر الكويتيون لإقامة النظام بأنفسهم عدة أيام بالتعاون مع قوات التحالف الداخلة والجيش الكويتي ريثما تعود الحكومة وتباشر أعمالها، ولما عاد الشيخ سعد العبدالله رئيس مجلس الوزراء للوطن في 4-3-1991 أعلن الحكم العرفي في البلد (لثاني مرة في تاريخ الكويت)، واتخذ من ديوان "الشايع" في منطقة الشامية مقراً للحكومة تدير أعمالها من خلاله.

28 -2 -بعد التحرير بيومين محاولة اغتيال النائب الوطني حمد الجوعان، رحمه الله، عندما أطلق عليه مجرم مجهول الرصاص من مسدس كاتم الصوت في منزله في حادث كئيب ألقى بظلال الشك والخوف على المجتمع.

الأيام الأولى شهدت انقطاع الكهرباء وشح المياه وانتشار دخان حرائق آبار النفط التي فجرها الغزاة، فحولت نهار الكويت إلى ليل دامس، كما لوثت الأجواء واختلطت بالأمطار التي كانت تهطل تلك الفترة فتصب علينا سوداء مدهنة أتلفت السيارات والمنازل وملابس الناس.

في تلك الأيام كانت المواد الغذائية نافدة، ولم يتبق عند الناس إلا آخر ما ادخروه من أيام الغزو، ثم فتحت لنا أبواب الواردات السعودية فغمرنا الخير من كل حدب وصوب، واستعادت الجمعيات التعاونية عافيتها شيئاً فشيئاً مع استمرار نشاط أبرز شركتين في تاريخ الغزو (المطاحن وKDD).

في هذه الأيام كانت مخلفات الغزو من الأسلحة والقنابل والمعدات والألغام تملأ الشوارع والطرق والمدارس والمؤسسات الحكومية وسواحل الكويت وصحراءها، وظلت أسابيع وشهوراً وسنوات حتى تم التخلص منها وتجميعها، كما أن الوثائق العراقية ومستندات الغزو قد فاضت في كل مكان حتى تجاوز ما جُمع منها مئات الآلاف من الأوراق والملفات والخرائط.

كان الدخول للكويت بعد التحرير لغير العسكريين ولغير موظفي الحكومة الذين يتم استدعاؤهم صعباً، وكذلك كان الخروج منها ممنوعاً، وإن لم تخني الذاكرة فقد سمح لنا بالخروج قبل رمضان الذي صادف 18 مارس 1991، وقد أخذنا مع بعض الأصدقاء تصريحاً مؤقتاً للسفر من وزارة الداخلية التي اتخذت من نادي كاظمة مقراً لها بعد التحرير وسافرنا إلى السعودية أياما قليلة ثم عدنا.

كانت أصعب مواقف بعد التحرير هي البحث عن الأهل والمعارف والأصحاب ممن انقطعت أخبارهم بالغزو سواء من المرابطين أو من المغادرين، وكم كانت الصدمات قاسية عندما يعلن أن فلاناً شهيد أو أسير أو مفقود لا أثر له فتختلط دموع وإحساسات فرحة التحرير بمشاعر وآهات الفقد والخسارة والغياب، وخفف هذه الآلام والجراح عودة آلاف المعتقلين الكويتيين من سجون العراق بعد ثورة الجنوب في مارس وأبريل 1991.

في 14 -3-1991الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، يعود إلى أرض الكويت لتكتمل أركان القيادة السياسية ويبدأ الوطن باسترداد عافيته قبل أن تحيط به الأمراض الداخلية من جديد، ويدخل في دوامة ما زلنا نعانيها إلى اليوم.

الغزو والتحرير راسخان في قلوب أهل الكويت وأذهانهم، وكلما تجددت الذكرى شكرنا نعمة الله سبحانه علينا بالتحرير الكبير، فالحمد لله أن أعاد لنا بلادنا وسلم لنا وطننا.

والله الموفق.

back to top