دفاتر ليلى عبدالله... «دفاتر فارهو»

نشر في 27-02-2019
آخر تحديث 27-02-2019 | 00:01
 طالب الرفاعي ليس أسهل من كتابة رواية، وليس أصعب من كتابة رواية!

لقد غدت كتابة رواية، تلاقي نجاحاً لدى النشر والقراءة والجوائز، حلماً يعربد في رأس الكثير من الكتّاب، والكتّاب الشباب خصوصاً.

فواحدة من إيجابيات الجوائز العربية الكثيرة المرصودة لجنس الرواية، أنها حفّزت الكتّاب على امتداد أقطار الوطن العربي، وفي كل زاوية منه، على خوض مغامرة الكتابة الروائية، سواء منْ كان يُتقنّ الكتابة أو من لم يكنّ.

لكن من سلبيات جوائز الرواية، أنها صارت، بشكل أو بآخر، بوصلة القراءة لدى عدد كبير من القراء، وبحماس وتعاون استهلاكي محمومين من الناشر العربي، الذي صار يجهّز ملصق القائمة الطويلة والقائمة القصيرة حتى قبل إعلان نتيجة لجان التحكيم.

إن الراصد لحركة نشر الرواية في مختلف أقطار الوطن العربي، يتبين، بسهولة، العدد المهول من الروايات الجديدة التي تصدر تباعاً، لأسماء معروفة ومكرّسة وأسماء جديدة، تحاول أن تجد لها حضورا على ساحة يصعب ولوج أرضها بدون مساعدة من هنا ومساعدات من هناك.

نعم، لم يعد سهلاً أبداً على كاتب شاب أن يجد تشجيعاً يليق بروايته، من الناشرين والقراء، إذا شاء قدر تلك الرواية السيء ألا تكون ضمن قوائم جوائز الروايات العربية.

علماً بأن لجان تحكيم الجوائز العربية، لها ذائقتها الخاصة، وهذا حقها المطلق، فليس مطلوبا من أي لجنة أن تجاري رأياً هنا أو مقالة هناك.

رواية "دفاتر فارهو" للكاتبة العمانية الشابة ليلى عبدالله، (إصدار منشورات المتوسط، الطبعة الأولى 2018)، هي رواية مفرِحة لقارئ مثلي يفتش عن أسماء شبابية عربية مبدعة يستطيع أن يحمّلها رهان كتابات كثيرة قادمة.

ليلى عبدالله، تكشف في روايتها الأولى، بشكل جلي، عن موهبة واضحة وقدرة جلية لكاتبة عربية شابة، تعرف منعرجات الرواية، وتعرف عناصر المشهد الروائي، وتعرف أيضاً كيف تأخذ القارئ وراءها ليقرأ مشهداً روائياً طازجاً وبأنفاس لاهثة.

تقدم ليلى رواية مغايرة، تخوض في عالم المسكوت عنه، حيث المستويات الخفية للحياة الاجتماعية داخل دول الخليج العربي، للعمالة الوافدة. تلك المستويات التي تشكل المشهد الكامن خلف لوحة الحياة الجميلة التي وصلت إلى وعي المواطن العربي والغربي. حياة الأقليات في دول الخليج حياة أقل من يُقال عنها إنها مخيفة. فهي حياة تعج بأجناس البشر: سحن ورطانات وجنسيات وأديان. وكلها جاءت هرباً من جحيم وحروب بلدانها.

فارح، أو فارهو، يفتح في رواية ليلى قلبه وبوحه أمام صحافي أميركي "كارل"، يحاول تحويل حياته إلى فيلم وثائقي. حيلة فنية جميلة استطاعت الكاتبة من خلالها، تمرير قصة فارحو وأمه وأخته عائشة وخاله منصور أو منغستو، وعشرات القصص من حولهم.

واستطاعت بحرفية عالية، وبعين لاقطة، أن تقدم حيوات بائسة يعيشها بشر هربوا من جحيم بلدانهم؛ إثيوبيا والصومال وأفغانستان وغيرها، وجاؤوا للعيش في دولة خليجية، تقدم لهم المأوى البائس، وتترك لهم تدبير أمور عيشهم بطرقهم الخاصة المشروعة وغير المشروعة.

ما تجدر الإشارة إليه هو أن القارئ، منذ الصفحة الأولى، يجد نفسه مقتنعاً أنه أمام كاتبة واعية لتجربة الحياة بمستوياتها المختلفة، وواعية أيضاً لحرفة الكتابة، وهي إذ تراوح بين واقع الحياة بخبرتها ومعاناتها الشخصية كإنسان وكفتاة، فإنها توظف بجمالية عالية وبجرأة لافتة، كل تلك المعارف لتكون في نص روائي يقطر بمعاناة الإنسان وخيباته وضعفه أمام لقمة العيش، ولا شيء سوى لقمة العيش: "كان عليَّ أن أنتظر في البناء الخشبي، كي لا نموت جوعاً، أنا حارسة روحك، أمي، وروح أخي، كنت أعرف تماماً ما الذي ينتظرني. إنها مقايضة اعتدناها نحن النساء، مقايضة لا بد منها في هذا العالم الذكوري"، (ص146).

"دفاتر فارهو" رواية عربية تقدم كاتبة شابة ينتظرها مستقبل كبير ومؤمل.

back to top