بين حلف وارسو ومؤتمرها

نشر في 20-02-2019
آخر تحديث 20-02-2019 | 00:18
 أ.د. غانم النجار الزائر لوارسو، العاصمة البولندية، يكتشف بسرعة حالة القلق الذي تعيشه، على عكس عاصمتها القديمة كراكاو، التي مازالت تحتفظ برونقها التاريخي وساحتها الأكبر في أوروبا وجامعتها الأقدم. أما وارسو أو فارشيفا، كما يُطلَق عليها، فقد تعرضت لغزو وتدمير وإبادة جماعية حتى يخال لك أن وارسو الحالية فيها الكثير من إعادة التشكيل.

وربما كان ذلك القلق هو الذي نتجت عنه التحولات اليمينية الشعبوية، التي جعلت بولندا من أكثر دول وسط أوروبا المعادية للمهاجرين، والدخول في صدامات مباشرة مع الاتحاد الأوروبي.

في بولندا تأسس حلف وارسو العسكري سنة 1955، لتتم تصفيته نهائياً في 1991، بعد المتغيرات التي عصفت بشرق أوروبا ووسطها، ولم توفر حتى الاتحاد السوفياتي، الذي خرجت من تحت عباءته 15 دولة جديدة.

الوضع السياسي في بولندا متأرجح جداً، ويميل إلى التطرف، وفتح جبهات داخل الاتحاد الأوروبي، حيث الأزمة مشتعلة بين وارسو والاتحاد، وما زالت الإشكالات لم تُحل بعد.

لا يتوقف القلق عند هذا الحد، بل يذهب بعيداً تجاه الماضي الشديد المأساوية، ففي بولندا وأوشويلتز تحديداً جرت تفاصيل دامية، وهي ما صار يعرف بالهولوكوست، أيام الاحتلال النازي لبولندا، ورغم أن تلك المجازر لم تقتصر على اليهود فحسب، وإن كانوا أغلب ضحاياها، فإن الباب فُتح لمحاولات ترميم الماضي مع اليهود ممثلين بإسرائيل، فجاء انعقاد المؤتمر الأخير في سياق ترميم تلك العلاقة الملتبسة والمرتبكة بين نتنياهو ورئيس الوزراء البولندي. وهذا التوتر، الذي يبدو أكثر تعقيداً مما تظهر عليه الأمور، دفع إلى إعلان بولندا مقاطعتها لاجتماع آخر في إسرائيل، بسبب ما تلفظ به نتنياهو، واعتبرته بولندا إساءة لها.

انعقد مؤتمر وارسو تحت مظلات متباينة ومقاصد معلنة وغير معلنة، إلا أن الملاحظ فيه ملامحُ فشله، إن كان هناك من ظن أن نتائج ستخرج منه وعنه، فكان ما لم يُقل فيه أهم بكثير مما قيل، فصدر عنه بيان لا يمثل أحداً إلا من قام بصياغته، بل كان جاهزاً قبل المؤتمر، فلم يكترث له أحد.

كان المؤتمر بقضه وقضيضه، وتلميحاته وتصريحاته، قاصراً بمن لم يحضر، لا بمن حضر فقط. فكان مؤتمراً من ذلك النوع، مؤتمراً بمن حضر ناقصاً بعضاً ممن حضر.

حجم العبث الذي ساد المؤتمر له أول وليس له آخر، وهو من ذلك النوع من المؤتمرات الذي يعقد لذاته، ولا يرتجى منه نتائج. أما "صفقة القرن" المزعومة فقد تم تأجيلها إلى ما بعد انتخابات أبريل، فنحن لسنا في زمن فيه صفقات، والحالة الدولية متأرجحة لا ثبات فيها.

نتيجة المؤتمر كانت واضحة، فلا سلام قادم ولا وئام، ولكن علاقات عامة ودعاية انتخابية لنتنياهو. لن ينتج عن المؤتمر أكثر مما قيل، ولن ينجح في تحريك شيء، لم تكن هناك نية لتحريكه.

back to top