الكويت تسمو على الجاحدين

نشر في 11-02-2019
آخر تحديث 11-02-2019 | 00:05
 فوزية شويش السالم مقالات كثيرة تُكتب عن قضايا الفساد في الكويت، كتاب كثيرون كتبوا عنها وأنا واحدة منهم.

كتبنا وكتبنا، ولكن هل هذا غيّر وأثّر وأصلح ولو بجزء صغير وبسيط منها؟

لا أعتقد أن هناك من استمع وتأثر وانتبه لها، وشعر بحال التذمر والغضب الذي بات يجتاح الأغلبية التي تسمع وتشاهد وتدرك "تسرسب" المال العام نقطة وراء نقطة أو قطرة وراء قطرة، والذي أصبح قضمة وراء قضمة أو همجة وراء همجة، والشاطر من نهب أكثر وجعل لقمته أكبر، وشد الرحال قبل أن تُكتشف سرقته، أو أنه - بكل بساطة - يخرج بسهولة شامخا برأسه، بعد أن تُكتشف سرقته آمنا مطمئنا ومدركا أن لا قانون سيطوله ويحاسبه.

مشاكل سرقات المال بدون خوف بات وضعا خاصا بالكويت، ولا أستطيع تحديد وتبيان هذا الاختصاص بنهب أموال وطن قدم للمواطن كل شيء، ورعاه واختصه بحقوق مواطنة كثيرة، لكن توسعت رقعة الفساد بكل أشكالها من نهب المال العام واستغلال الفرص غير القانونية للانتفاع والاستفادة من المراكز الوظائفية، بحيث بات الصراع على الكراسي والتطاحن للفوز بها هو صراع ليس لخدمة المواطن والدولة، بل هو لاقتناص النهب والكسب والتربح.

وقبل طرح الأسباب، أحب أن أبيّن الجحود الذي يبديه البعض لوطن قدم الكثير لمواطنيه أكثر من أي وطن آخر بالعالم، من الولادة وحتى الممات، من خدمات صحية وسكنية وتعليمية ورعاية لكل الأوضاع والحالات التي يحتاج إليها المواطن مقدمة "ببلاش"، دون أن يدفع مقابل هذه الخدمات ضرائب أو أي شيء، بما فيها التعليم العالي بالبعثات لأرقى الجامعات العالمية، والعلاج بالخارج بأعلى التكاليف، ومع هذا هناك من لا يمتلئ ولا يمتن ولا يشبع، ويساعد على تدمير هذا الوطن وامتصاص مقدراته وخيراته.

أهم سبب برأيي هو ارتفاع معدل حالات الإحباط التي يمر بها أغلبية الشعب الكويتي، وهذه أول مرة أشعر فيها بكبرها واتساعها وانتشارها، بحيث باتت الأغلبية تدركها وتمر بها، حالة الإحباط هذه يجب أن يُستمع لها بجدية، وأن تُبحث وتُدرس وتُقيّم أسبابها، فهذه الحالة ربما هي الأعلى في تاريخ الكويت، ومن أهم مسبباتها حالة المحسوبية والوساطة والفساد الطاغي المتفشي بشكل فاحش سافر وقح وبلا حياء، سرقات المال العام بأرقام فلكية مهولة، هذا فقط ما طفا وطفح على السطح، والله يعلم بالمستور والمخفي، سرقات باتت تؤسس لانتشار وشيوع وباء استسهال وتحليل مبدأ السرقات وتوطيدها كقاعدة وليست استثناء، وتحليلها وتسهيلها بصورة براقة، بحيث بات انتشارها أمرا عاديا، خاصة عندما لا يوجد عقاب رادع لسراق المال العام ومرتشيه، وهذا سيحلل ويبيح للجميع انتهاك قانون لا يسري مفعوله على المجرمين، فهل ننتظر إلى أن نتحول جميعنا إلى سرّاق وحرامية لنهب حقنا بمال بلدنا قبل أن يزول بترولنا؟

السبب الآخر هو اليأس من عدم تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع، بحيث باتت خيرات اقتصاديات البلد تصب بجيوب الهوامير وأولادهم وأحفادهم، وتتوزع كهبات بينهم، على حساب الأغلبية من عامة الشعب.

أيضا لا يوجد تحقق لمبدأ العدالة بالعمل والمناصب التي لا تعُطى لمن هم الأكفأ والأجدر والأحق والمبدعين بكل المجالات، وتضيع فرص أحقيتهم بأي مجال كان لتُوهب لمن هم محددون ومختارون بشهادة انتماء معروفة سلفا، وهم أقل كفاءة ممن حرموا وسلبوا من أحقيتهم فيها.

الأمر الثالث، سوء ما يقدم من خدمات تكشف رداءة من قام بها ومن استفاد بتقديمها بهذا الشكل، مثل الحصى المتطاير بشوارع الكويت الذي فضحت ستره سيول الأمطار، وخسّر المواطنين تكلفة إصلاح كسر زجاج سياراتهم، فضيحة نهب مقاولات هذه الطرق لم يُكشف الغطاء عن مسببيها، ولم يساءلوا أو يعاقبوا.

وتأتي التفرقة والتميز ما بين الحقوق والحريات والمنافع والمصالح التي تُعطى للرجل عن الحقوق والحريات والمصالح التي تُعطى للمرأة أمام القانون والعرف والمجتمع هي أكثر ما يوجع الشريحة الأكبر بالمجتمع وهنّ النساء، والأكثر تضررا منهن هن الأرامل والمطلقات اللاتي لا يحق لهن أمور كثيرة، ولعل أبسطها أن يكون لها حق بتأجير سكن خاص بها، لا يوجد قانون يبيح لها هذا الحق مع أهميته وضرورته.

كلنا نعترف أن هناك أخطاء كثيرة بالكويت، لكنها ليست غير قابلة للإصلاح الحقيقي الصارم، إن أخلصت النيات.

back to top