المسرح الاستهلاكي

نشر في 03-02-2019
آخر تحديث 03-02-2019 | 00:05
 د. خالد عبداللطيف رمضان سؤال يتكرر في كل مناسبة، ما هو وضع الحركة المسرحية في الكويت وكيف ترى مستقبلها؟ يرد هذا السؤال من إعلاميين ومثقفين ومن أفراد الجمهور العادي. إذن، التساؤل مشروع فالغالبية من الجمهور تدرك أن ثمة مشكلة تعتري المسرح في الكويت. وللإجابة عن هذا التساؤل علينا أن نتعرف إلى الكيانات المسرحية القائمة حالياً.

ثمة الفرق المسرحية الأهلية المشهرة وفق قانون جمعيات النفع العام، وهي أربع فرق مضى على تأسيسها أكثر من نصف قرن من الزمان، نشطت في بداية تأسيسها مثلما نشطت مختلف القطاعات في الكويت بعد الاستقلال في مرحلة النهوض لبناء الكويت الحديثة، واستطاعت هذه الفرق بعطاءاتها المميزة أن تفرض نفسها على خارطة المسرح العربي. ولكنها ظلت على اللوائح المنظمة لعملها نفسها وتعمل بالميزانيات عينها التي ترصد لها من الدولة في بداية الستينيات من القرن الماضي، رغم مرور سنوات طويلة تغيرت فيها الظروف وبلغ التضخم مبلغه، فما عادت قادرة على المنافسة بإمكاناتها المتواضعة وبنظام عملها المقيد بلوائح قديمة، وفي ظل منافسة غير متكافئة مع الإنتاج الدرامي التلفزيوني على اجتذاب الممثلين. لذا اقتصر حضور هذه الفرق على تقديم عروض نوعية للمهرجانات المحلية أو الخارجية بتكاليف متواضعة بحيث تعرض غالباً لليلة واحدة ويشاهدها جمهور المهرجان الذين لا يتجاوز عدده خمسمائة متفرج في أفضل الأحوال ومعظمهم من المشاركين والمنظمين للمهرجان. ولم تعد الفرق المسرحية الأهلية قادرة على إنتاج المسرحيات الجماهيرية التي تحتاج إلى موارد مالية غير متاحة وأسلوب إدارة وإنتاج حديثين، وهذا ما لا يتوافر لديها. يضاف إلى ذلك أن معظم العروض المسرحية في المهرجانات يتسم بالغموض والكآبة، وهذا عامل طارد للجمهور المسرحي العام.

في المقابل، ظهر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي نمط جديد من المسرح. كانت البداية مع مسرحية {هاللو دوللي} سنة 1974، ثم توالت عروض هذا النوع من المسرح الذي يقوم على الإنتاج الخاص وتتولاه مؤسسات الإنتاج الفني المرخصة من وزارة التجارة ووزارة الإعلام. أدى ظهور المسرح التجاري في هذه الفترة إلى تفريغ الفرق المسرحية الأهلية من أهم العناصر الفنية فيها، فقد تسابق الفنانون الكبار إلى تأسيس مكاتب للإنتاج الفني بغرض الإنتاج المسرحي بعدما وجدوا أن الإنتاج المسرحي يدر أرباحاً جيدة قياساً إلى المكافآت الضئيلة التي يتقاضونها من فرقهم الأهلية، وقد أدى ذلك إلى هبوط أداء هذه الفرق في الكم والكيف، وفقدت قسماً من جماهيرها لصالح المسرح التجاري الجديد الذي يجيد لعبة الإنتاج ويعرف كيف يستقطب أكبر عدد من الجمهور، من ثم تحقيق أكبر ربح ممكن. وشيئاً فشيئاً بدأ المسرح الجديد يسيطر على الجمهور ويكيفه وفقاً لما يريد. وربما تكون المسرحيات التي قدمها المسرح التجاري في بداياته أفضل مما يقدم حالياً فيما عدا استثناءات محدودة.

ومن المسرحيات التي قدمت في المرحلة الأولى {فرسان المناخ، وحرم سعادة الوزير، وممثل الشعب، وباي باي لندن، ودقت الساعة، وحامي الديار}، وغيرها من مسرحيات تفوق في مستواها الفني ما يقدمه المسرح الأهلي.

ومع منتصف الثمانينيات، بدأ هذا المسرح يستقطب منتجين جدداً لهم مفاهيم مختلفة للمسرح، ويجيدون فن جني الأرباح، فظهرت مجموعة من المسرحيات الترفيهية الخفيفة التي تندرج ضمن إطار المسرح الاستهلاكي، وغالباً لا تخضع هذه المسرحيات للاعتبارات الفنية والجمالية، إنما تسعى إلى استقطاب أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، خصوصاً الشباب والأطفال، وأصبح المسرح وقتها أحد أكثر المجالات الاستثمارية ربحية، خصوصاً مع التسويق التلفزيوني وبيع حقوق تسجيلاتها لشركات تسويق أشرطة الفيديو، وهذا ما دفع منتجين جدداً لا علاقة لهم بالفن إلى اقتحام هذا المجال. وخلال سنوات قليلة، استطاع المسرح الاستهلاكي أن يسود الساحة المسرحية ويفرض قيمه الخاصة في الفرجة المسرحية ويشكل ذوق الجمهور المسرحي. وللحديث بقية.

back to top