طعنة «الصوابر»

نشر في 01-02-2019
آخر تحديث 01-02-2019 | 00:02
 فيصل المجلي برزت في الفترة الماضية حملة بعنوان #أنقذوا_الصوابر، واختلفت آراء الناس حول هذه الحملة وكثر فيها اللغط والتشكيك عن مساعيها ودوافعها، هذه الحملة يا سادة أطلقها شباب وأساتذة أكاديميون من فئة تعاني منذ سنوات تهميش أجهزة الدولة الرسمية لحقوقها والنظر بجوانب اختصاصها، وهي فئة المعماريين.

فقد كفل الدستور حقوقاً للمواطنين ولهذه الفئة في المادة (١٢) منه، والتي أوجبت على الدولة المساهمة في ركب الحضارة الإنسانية والمحافظة على تراثها، كما نظم المشرع قانوناً يؤكد ذلك، وأطلق عليه مسمى قانون الآثار، ونص هذا القانون في أولى مواده على وجوب صيانة الدولة لتراثها الثقافي الذي تركته عصور ماضيها المتعاقبة، فالكويت دولة لديها إرث معماري فريد من نوعه في المنطقة والعالم، وعلى الأخص في فترة الرخاء الاقتصادي بعد اكتشاف النفط وتصديره، والتي ازدهرت بها الكويت من بين دول المنطقة.

إلا أن هنالك مع الأسف بعض المفاهيم غير الصحيحة لدى جهات الدولة وعدد كبير من أفراد المجتمع؛ أولها اقتصار مفهوم التاريخ الثقافي العمراني على المباني الطينية والحجرية في فترة ما قبل النفط، متناسين أن فترة النهضة بالستينيات والسبعينيات وأوائل الثمانينيات تدخل أيضاً في التاريخ الثقافي لدولة الكويت، بل حتى الفترة اللاحقة لذلك والفترة المعاصرة اليوم ستصبحان في يوم من الأيام جزءاً من هذا التاريخ.

المفهوم الثاني هو اقتصار القيم المعمارية على الجانب الفني والجمالي من المباني، وربما كانت هذه هي المشكلة الأكبر التي يعانيها تاريخ الحركة العمرانية في القرن العشرين، والممتدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى مطلع الثمانينيات، بما يطلق عليه مسمى "عصر الحداثة"، حيث إن تلك الفترة كانت توجهاً عالمياً في شتى المجالات إلى التركيز على الأساليب التقنية والعلاقات الوظيفية في تصميم المباني، وإيجاد تناسق حضري بين المشاة والسيارات والمساحات الخضراء بدلاً من التركيز على الجوانب الفنية والجمالية والمتمثلة في شكل المباني وواجهاتها.

وربما كان مجمع الصوابر من أكبر وأبرز المشاريع في الدولة التي تمثل فلسفة تلك الحقبة التاريخية، وتعكس عناصر قوتها وروعتها التي لم تعد تطبقها غالبية التصاميم الحديثة في الكويت، وهو ما يعكس أن الكويت كانت حاضرة بين دول العالم في تلك الفترة التاريخية، بل ساهمت فيها.

وسبق للدولة التقصير في السنوات الأخيرة في المحافظة على العديد من المباني التاريخية ذات القيمة المعمارية الفريدة مثل مبنى غرفة التجارة والصناعة السابق، ومبنى الخطوط الجوية الكويتية السابق، ومبنى بيت لوذان وغيرها، مما دفع بعض الشباب المعماريين والأساتذة والمهتمين إلى التحرك عن طريق الجهات الرسمية للمحافظة على مجمع الصوابر ومطالبة تلك الجهات بتفعيل نصوص الدستور والقوانين المتعلقة بهذا الشأن.

ولمسنا فعلاً تجاوباً وتأييداً من إدارات الدولة المختصة بشأن قيمة هذا المجمع التاريخية وإمكانية إعادة تأهيله، وذلك بالإضافة إلى الجهات الدولية وعلى رأسها منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة، إلا أن القيادات في الدولة لم تلتفت إلى تلك القوانين وأغفلتها أو تغافلتها مما نتج عنه تسليم موقع المجمع لمقاول الهدم ليباشر أعماله فيه، غافلين أيضاً عن التوجهات العالمية الداعية للاستدامة والتنسيق مع الجهات المختصة لمراعاة الأثر البيئي الذي قد يترتب على هدم هذه الكمية من الخرسانة، وبعض المكونات الموجودة فيها، والذي أدى إلى تدخل الهيئة العامة للبيئة فور شروع المقاول بالهدم وإيقاف أعماله إلى حين بحث هذا الجانب المؤثر على صحة الناس وسلامتهم، وهو ما أكد للجميع التخبط وسوء الإدارة اللذين تقوم بهما بعض جهات الدولة. لست ممن يحب التذمر والتشكي على ما جرى في الماضي، لكنها دعوة إلى جهات الدولة والقائمين عليها لتدارك هذه الأخطاء والاهتمام أيضاً بالمباني الأخرى ذات القيمة، فقد طُعن الصوابر، وها هو الآن يحتضر في غرفة الإنعاش أمام قضاء الدولة العادل، وجميعنا سيكون راضياً بنتيجة هذه العملية الجراحية سواء أعاش الصوابر أم مات، ولكن يجب أن تصل صرخته المدوية التي أطلقها حينما تلقى تلك الطعنة إلى جميع المسؤولين والمواطنين. إذ قال حينها: حافظوا على هوية الكويت العمرانية وأصالتها.

back to top