أحمد عرابي قائد غير أرستقراطي!

نشر في 29-01-2019
آخر تحديث 29-01-2019 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم ظل هدفاً لسهام أعدائه طوال أيام كفاحه، وحتى بعد أن انتهت أيام الكفاح بالنفي إلى سيلان (سيريلانكا). هاجمه الأصدقاء أيضاً، وبقسوة في كثير من الأحيان.

أعداؤه كانوا يقولون عنه: جاهلٌ، ومغرور، ولا علم له بالعسكرية ولا بالسياسة، فلولا تخبطه لما وقعت مصر في براثن الاحتلال البريطاني.

***

• عندما كنت في سيريلانكا منذ عقدين من الزمن، ذهبتُ إلى المكان الذي كان يقيم فيه أحمد عرابي، حيث أقيم له ما يُشبه المتحف الصغير وحُفظت فيه بعض كتاباته، حيث جاء في إحداها: "نعم أخطأت، ليس لأنني قدت الكفاح المسلح ضد الغزاة ثم سقطت في ميدان الشرف، ولكن لأني لم أتمكن من اختيار الوقت المناسب لبداية المعركة، حيث كان يجب عليّ أن أحفِّز الأهالي للمقاومة وأترك قيادة المعركة السياسية للسياسيين، الذين كانوا يشيعون عني بين الناس أنني لم أنل ثقافة سياسية أو اجتماعية تؤهلني لزعامة مصر سياسياً وعسكرياً".

***

• وفي وريقات أخرى، بمتحفه الصغير في مدينة كولومبو في سيريلانكا، كتب عرابي: "قد لا أكون من الأرستقراطيين ممن يتولون المناصب السياسية والعسكرية، فالأرستقراطية التي كانت تحكم مصر لها أساليبها التي لا أجيدها، ولما حاولت مجاراتهم فيها كانت قدراتهم تتفوق علي، فأنا أنتمي لشعب أغلبه من الفلاحين الذين كانوا يؤيدونني ويساندونني ويقفون معي، ولكن دون سلاح نفسي أو معنوي أو حتى اقتصادي، في مواجهة عصابة مسلحة بكل أنواع السلاح، عصابة من الأجانب والخديوي وحاشيته وباشواته والخواجات جميعاً، ما بين قناصل وتُجار ووكلاء شركات وأصحاب مصارف، ويحيط بهؤلاء عدد هائل من اللصوص والنصابين والمحتالين وتجار الخمور والقوادين من أحط شعوب الدنيا، ومعظم هؤلاء كانوا جواسيس للدول والخديوي والسلطان العثماني، ووجدت نفسي في مواجهة كل هؤلاء، وكان علي أن أتعامل معهم مما أوصلني لهذه النتيجة... النفي".

***

• من كان في موقف عرابي، الذي كان يسعى لمواجهة القوى الأجنبية بمصر في مطلع القرن التاسع عشر، حتماً كان سيقع في الكثير من الأخطاء، فالإنكليز كانوا يخططون لاحتلال مصر، وكانوا في قمة نفوذهم السياسي والعسكري في العالم، ولم يكن يعجزهم استغلال فرصة ضعف الدولة العثمانية المتخاذلة، بعد أن تمكنوا بحسهم الاستعماري من اللعب على إشعال التوتر بين الخديوي والطبقة المصرية، التي كانت تنادي بدستور، ويلقى هذا النداء صداه عند الشعب المصري، والإنكليز كانوا يطرحون أنفسهم كضامنين لحماية رأسمال الأجانب، ويحظون بتأييد من قناصل أوروبا كفرنسا والنمسا وغيرهما.

وفي هذه المرحلة كان عرابي يؤجج خوف الناس من الوقوع في شرك الإنكليز ومن يساندهم من المصريين، فدُبرت له مكيدة حقيرة بلع طعمها بسذاجة، وكان من نتيجتها أن ضُربت مدينة الإسكندرية بالمدافع، فقُتل وحُرق عدد كبير من الأهالي وحمّلوا عرابي مسؤوليتها، ثم بدأ الغزو البريطاني الذي انتهى بهزيمة عرابي في التل الكبير، وتم احتلال العاصمة المصرية، فحوكم أحمد عرابي ونُفي إلى سيلان لأنه لم يُحسن اللعبة الأرستقراطية.

back to top