الإرهاب يدفع أوروبا إلى إعادة النظر في استرضائها إيران

نشر في 28-01-2019
آخر تحديث 28-01-2019 | 00:00
خسرت ميركل شعبيتها في ألمانيا وتخطط للتنحي في عام 2021، منهيةً بذلك عهداً دام ست عشرة سنة على رأس الدولة الألمانية، لكن الولايات المتحدة
لا تستطيع الانتظار ريثما يبدّل خلفها المسار، فقد بدأت تثمر الجهود الرامية إلى دفع ألمانيا (وسائر أوروبا) باتجاه الولايات المتحدة في مسألة إيران وغيرها من المسائل، وعلى ترامب أن يعززها.
 نيويورك بوست حتى أنت يا أنجيلا؟ لا شك أن طهران تقف حائرة فيما ترى ألمانيا، التي كانت حتى اليوم ممكّن إيران الأكثر حماسة بين القوى الغربية، تنضم إلى قافلة العقوبات. إذاً، هل تتبنى حكومة المستشارة أنجيلا ميركل آراء ترامب؟ نوعاً ما.

أعلنت برلين حظراً كاملاً على خطوط ماهان الجوية، وهي شركة طيران "مدنية" تشكّل أيضاً أداة لنشاطات النظام الإيراني السيئة في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، وقد جاء هذا القرار، حسبما يُشاع، بعد أشهر من الجهود الأميركية الرامية إلى إقناع الألمان بأن ماهان لا تمثل شركة طيران عادية.

أخبرني السفير الأميركي إلى ألمانيا ريتشارد غرينيل في رسالة إلكترونية: "نقلت خطوط ماهان الجوية إرهابيين، وأسلحة، ومعدات، وأموالاً إلى مواقع دولية بغية دعم المجموعات الإرهابية الموالية لإيران"، بما فيها نظام الأسد القاتل في سورية، لذلك شكر السفير ألمانيا على فرضها الحظر.

أخبر المتحدث باسم الحكومة الألمانية ستيفن سيبرت، وكالة رويترز بعد إنكاره الضغط الأميركي: "لا يمكننا أن نستبعد احتمال أن تنقل خطوط الطيران هذه إلى ألمانيا أيضاً حمولة تهدد أمننا. يستند هذا إلى معلوماتنا عن نشاطات إيران الإرهابية السابقة في أوروبا".

قد تشير هذه الخطوة إلى تراجع أوسع في علاقة الحب الأوروبية مع إيران التي بلغت ذروتها مع الصفقة النووية عام 2015، فقد عمد الاتحاد الأوروبي بدوره أخيراً إلى فرض عقوبات على إيران، علماً أن هذه الأولى من نوعها منذ الصفقة، بغض النظر عما إذا كانت رمزية أو لا.

لماذا؟ الإرهاب. أوقفت كوبنهاغن أخيراً هجوماً مدبراً ضد منشقين إيرانيين في الدنمارك، وفي الصيف الماضي، اكتشفت السلطات الأوروبية مؤامرة لتنفيذ تفجير كبير في باريس يستهدف خصوماً للنظام الإيراني.

إذاً، بدأت مسيرة تطبيع أوروبا العلاقات مع طهران بالتباطؤ، فضلاً عن اكتشاف ارتفاع جديد في المؤامرات الإرهابية الإيرانية في القارة، تشعر أوروبا بالاستياء لأن إيران تجري تجارب على صواريخ بالستية أطول مدى من السابق، فقد اختبرت إيران قبل أيام إطلاقاً لقمر اصطناعي على منصة شبيهة بالصواريخ البالستية العابرة للقارات يستطيع بلوغ منطقة المحيط الأطلسي.

لطالما أيدت أوروبا التعاطي مع طهران على أمل تقويت نظام "المعتدلين"، ولكن يبدو اليوم أن إيران تزداد عزماً على عدم السماح للأوروبيين بمساعدتها، وكما أشارت وكالة رويترز في عنوان نشرته أخيراً، "نفد صبر أوروبا تجاه إيران وبدأت تتجه بحذر نحو ترامب".

يُعتبر تبديل ألمانيا موقفها مذهلاً خصوصاً، فلطالما كانت هذه الدولة من بين أبرز المطالبيين الأوروبيين بإنهاء العقوبات المفروضة على إيران، حتى إن ميركل سعت، بتعاونها اللصيق مع قيصر السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، إلى إنشاء آلية مصرفية لها غاية واحدة: مساعدة الملالي في تقويض العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة.

قد تساهم ألمانيا في إطلاق "الآلية المحددة الأهداف" الأوروبية التي تحافظ على قدرة الملالي على ولوج الأسواق المالية، صحيح أن المسؤولين الإيرانيين تفاخروا أخيراً بأن العمل بهذه الآلية قد بدأ، إلا أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي ما زالوا يرددون أنها ستصبح جاهزة قريبة جداً.

تكمن المشكلة، حتى بالنسبة إلى أبرز مَن يبررون أعمال إيران والصناعيين الأوروبيين المتحمسين إلى عقد الصفقات مع الملالي، في أنهم يعجزون عن غض النظر عن سوء سلوك طهران، فمع أن السفير غرينيل تعرض لانتقادات حادة في ألمانيا لضغطه على ميركل، تؤيد الوقائع موقفه.

علاوة على ذلك، حض غرينيل ألمانيا في مسائل أخرى غير إيران، فقد انتقد بشدة "تيار الشمال 2"، وهو خط أنابيب مقترح سينقل غاز روسيا الطبيعي مباشرةً إلى ألمانيا، عازلاً دول أوروبا الوسطى والشرقية التي يهددها الكرملين.

أخبرني غرينيل: "كلما ازداد تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا، نما نفوذ بوتين في زمن يعرب فيه المجتمع الدولي عن قلقه من العدائية الروسية المتنامية".

لكن ألمانيا لطالما طمحت إلى أن تصبح وسيطاً محايداً بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى. نتيجة لذلك، صعب غالباً أن تحدد برلين إلى جانب مَن تقف.

قد نكتشف المزيد في الشهر التالي حين يلتقي دبلوماسيون رفيعو الشأن في وارسو بغية مناقشة مسألة إيران ومسائل أخرى في الشرق الأوسط. أعلنت روسيا أنها لن تشارك، أما إيران، فلم تُدعَ.

ولكن ماذا عن ألمانيا؟ لم تعلن ميركل بعد مَن سترسل، فهل يقع اختيارها على وزير الخارجية هايكو ماس، نظير وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو؟ إذا أرسلت ميركل بدلاً من ذلك مسؤولاً أقل شأناً، فهي تشير بذلك إلى أن العقوبات الأخيرة ضد خطوط ماهان الجوية تشكّل حالة استثنائية.

خسرت ميركل شعبيتها في ألمانيا وتخطط للتنحي في عام 2021، منهيةً بذلك عهداً دام ست عشرة سنة على رأس الدولة الألمانية، لكن الولايات المتحدة لا تستطيع الانتظار ريثما يبدّل خلفها المسار، فقد بدأت تثمر الجهود الرامية إلى دفع ألمانيا (وسائر أوروبا) باتجاه الولايات المتحدة في مسألة إيران وغيرها من المسائل، وعلى ترامب أن يعززها.

*«بيني أفني »

مسيرة تطبيع أوروبا العلاقات مع طهران بدأت بالتباطؤ فضلاً عن اكتشاف ارتفاع جديد في المؤامرات الإرهابية الإيرانية في القارة
back to top