جرس سفارة بنغلاديش

نشر في 27-01-2019
آخر تحديث 27-01-2019 | 00:08
لنتخيل أن عاملاً يُعيل أسرة تنتظر شهرياً وبحرقة وحاجة ماسة راتبه ليأكلوا ويشربوا منه فيقوم أصحاب بعض الشركات بتأخير هذا الراتب!
 مظفّر عبدالله أول العمود:

لم تشهد الكويت برامج (توك شو) سياسية سواء في تلفزيون الدولة أو في القنوات الخاصة، لكن وسائل التواصل الاجتماعي بدأت هذا النوع من الأعمال وبشكل لافت، ويعوض تدهور فن الكاريكاتير الذي كان ذا أثر في الصحافة قبل عشرين عاماً وأكثر.

***

هذا المشهد الذي أوحت لي به "الجريدة" بنقلها خبر هجوم ٣٠٠ عامل من بنغلاديش على سفارة بلادهم هنا في الكويت بحاجة إلى قليل من الخيال لضمان الاستيعاب!

كثيرا ما أسأل العمالة البسيطة عن قيمة رواتبهم من الشركات التي يعملون لديها، والفرق بين ما هو مُدون بالعقد وما يستلمونه فعلاً، وذلك من باب المعرفة وتوظيف المعلومة لكتابة مقال أو تقرير حقوقي. الفرق شاسع بين الرقمين وقد يصل ما يقبضه العامل ما نسبته ٦٠٪ من قيمة التعاقد!

ما حصل في السفارة البنغلاديشية الأسبوع الفائت تطور نوعي في الاعتراض، وجريء، وخطير، وقد يتطور مستقبلاً إلى سلوك أكثر غلظة وعنفا، وسيكون حديثا مُترفا إن قلنا أن أفعالهم "شنيعة"، وصمتنا عن جرائم أصحاب بعض الشركات.

العبث الذي تسلكه شركات بعينها ضد هذه العمالة بحجز رواتبهم ثلاثة أشهر وأكثر وتعطيل حصولهم على إقامات صالحة لحماية أنفسهم من التفتيش والقبض والتسفير يجب أن ينتهي إلى غير رجعة، فهذا الأمر لم يعُد موجودا حتى في دول عربية وخليجية، هذه الشركات بأفعالها المتكررة تقوم بعمل تخريبي ضد أمن الدولة الاجتماعي ولا تبالي بمفهوم السلم الاجتماعي، وتساهم في خلق مجرمي شوارع يشغلون رجال الأمن ويستهلكون طاقاتهم.

لنتخيل أن عاملاً من هؤلاء يُعيل أسرة تنتظر شهرياً وبحرقة وحاجة ماسة راتب معيلها ليأكلوا ويشربوا منه فيقوم أصحاب بعض الشركات بتأخير هذا الراتب! هذه الفعلة في نظر العامل وأسرته نهاية العالم، نعم نهاية العالم، لأن هذه الدنانير القليلة والتافهة في نظرنا تبقيهم على قيد الحياة، وتحقق آمالهم في شراء جهاز كهربائي أو ماكينة خياطة يبنون آمالهم عليها في تنمية دخلهم.

حياة هؤلاء أبسط مما نتخيل، وأكثر مأساة مما نعتقد، ففي حين نحن غارقون في بناء مجدنا الشخصي وطموحاتنا الخاصة نجدهم يتحدثون عن حوالة مالية لا تتعدى ٤٠ ديناراً لأسرهم يتداوون بها، ويقتاتون منها، ويستمر المعيل هنا في الكويت في الكدح والعمل ساعات طويلة من اليوم، ويعيش على الكفاف.

هنا كيف يمكن أن نوازن بين قيام هؤلاء بعمل عنيف كالذي حدث في السفارة البنغلاديشية مع الجريمة التي ارتكبها صاحب شركة غاصب لرواتبهم؟ نقول إن العمال أخطؤوا؟ نعم هو خطأ في عرف القانون، لكن كيف نصف ما فعله صاحب الشركة؟ إنها جريمة أكبر.

back to top