أين الهوية؟

نشر في 27-01-2019
آخر تحديث 27-01-2019 | 00:05
 د. خالد عبداللطيف رمضان كل دولة في العالم تسعى إلى الحفاظ على هوية المواطن فيها، لا بل تشكيلها وفقاً لما يتطلبه المجتمع، فكيف يتأتى لها ذلك؟

من البديهي أن كل دولة لها رؤية مستقبلية لما تريد أن تكون عليه بعد حقبة زمنية معينة، وللوصول إلى الأهداف المطلوبة تحشد كل ما لديها من إمكانات وتسخرها لتحقيق الهدف. والعامل الرئيس لتحقيق خطط الدول هو الأنسان، لذلك تتم العناية به من لحظة تكونه في رحم أمه ثم في مراحل نموه كي يكون مواطناً سليماً بدنياً ونفسياً، وتعد له برامج تعليمية وتربوية وتوجيهية عبر مختلف الوسائل المتاحة في الدولة كي تتشكل شخصيته وفقاً لاحتياجات مجتمعه، وكي يكون قادراً على الوصول بدولته إلى الأهداف التي ترتجيها. لذلك تحظى الخدمات الصحية والتعليمية والتربوية باهتمام المجتمعات المتحضرة بهدف بناء شخصية المواطن وفقاً لما تسعى إليه هذه المجتمعات. وإذا أمعنا النظر في أحوالنا وما نقوم به تجاه الناشئة، نجد أننا كنا في حال أفضل قبل عقود عدة من الزمن، فالطفل كان يبقى في رعاية أهله مباشرة ويتشرب خبراته الأولى والقيم التي يكتسبها من البيت مباشرة ولا يعهد به إلى المربيات والخدم، ثم تتلقفه المدرسة منذ نعومة أظفاره وتتولى تربيته إلى جانب تعليمه، وتسهم من خلال النشاط المدرسي المتنوع ببناء شخصيته وتنمية مواهبه وقدراته. فالمدرسة كانت تحتوي على أنشطة ثقافية وفنية واجتماعية ورياضية، ومن خلالها تزرع فيه القيم التربوية الإيجابية مثل تذوق الفنون الجميلة واحترام الآخرين والحفاظ على البيئة ونظافتها وعلى النظافة الشخصية والاهتمام بالرياضة والحرص على التزود بالمعارف العامة وغيرها من قيم، إضافة إلى تنمية المهارات القيادية. فهل تقوم المدرسة الآن بهذا الدور؟

شخصياً، أزعم بأن المدرسة تخلت عن دورها التربوي منذ زمن لحساب التلقين من خلال مناهج وخطط دراسية متغيرة باستمرار، وإشغال الطالب باختبارات متتابعة طوال العام الدراسي. ومع ذلك، لم يسفر إهمال النشاط المدرسي عن تطور العملية التعليمية، ومستوى مخرجات التعليم العام تشهد بذلك، وشكوى الكليات والمعاهد الجامعية من تدني مستوى مخرجات التعليم العام لا تتوقف. إذن خسرنا التربية ولم نكسب التعليم الجيد.

لماذا نتذمر من سلوك الأبناء وما يشوبه من ظواهر سلبية والمجتمع لم يحسن تربيتهم، فلا عجب أن نرى التفحيط بالشوارع والرعونة في القيادة ومخالفة قواعد المرور، والمعارك الشبابية التي تزهق فيها الأرواح في الأسواق والمجمعات التجارية، والقيم السلبية التي يتبناها الشباب من عدم احترام آراء الآخرين ومعتقداتهم والرغبة في الحصول على الشهادات من دون تعليم والحصول على وظيفة من دون عمل والحصول على امتيازات من دون جهد، وإتلاف المرافق العامة وعدم الحرص على المال العام وتقديم الانتماء القبلي والطائفي على الانتماء الوطني.

لا شك في أن المجتمع بما لديه من أدوات وإمكانات ووسائل مسؤول عن ذلك، ليست المدرسة وحدها مسؤولة عن التربية، فالبيت أوكل تربية الأبناء في المراحل الأولى إلى الخدم، ووسائل الإعلام بدلاً من نشرها القيم الإيجابية نجدها تكرس القيم السلبية من خلال البرامج المنوعة والمسلسلات الدرامية والأفلام. والقطاعات الثقافية تعمل كيفما اتفق، من دون خطة لتنمية شخصية الإنسان الكويتي وبلورتها.

أما آن الأوان للعمل من خلال جهة مركزية تجمع الأجهزة التربوية والإعلامية والثقافية، وتوحيد جهودها لبناء شخصية المواطن الكويتي المستقبلي الذي نريده متعلماً واعياً يحترم العمل المهني كما يحترم الآخر وآراءه ومعتقداته وحريته ويحافظ على مقدرات وطنه وموارده وبيئته، ويتذوق الجمال في الأدب والفن ويكون ولاؤه لوطنه خالصاً قبل أي انتماء آخر ويحسن اختيار من يمثله في أي مكان في النادي أو الاتحاد أو الجمعية أو البرلمان؟

أم نستمر فيما نحن فيه ونضيع الأجيال المقبلة كما ظلمنا الجيل الحالي؟

back to top