ميركل وماكرون يجددان شراكتهما ويثيران غضب القوميين

روما تتهم الفرنسيين بـ «إفقار» إفريقيا وعرقلة حل الأزمة الليبية... وباريس تحتج وتستدعي سفير روما

نشر في 23-01-2019
آخر تحديث 23-01-2019 | 00:04
ميركل وماكرون يوقعان المعاهدة في جنوب ألمانيا أمس (أ ف ب)
ميركل وماكرون يوقعان المعاهدة في جنوب ألمانيا أمس (أ ف ب)
أبرمت ألمانيا وفرنسا اتفاقية صداقة جديدة تصب في اتجاه إنعاش الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه العديد من المشاكل،
في حين تجدد الصدام بين باريس وروما بعد اتهام الأخيرة للأولى بـ«إفقار إفريقيا»، سعياً لتحقيق مصالح اقتصادية، وعرقلة التوصل إلى اتفاق سياسي ينهي الأزمة في ليبيا.
في وقت يواجه الاتحاد الأوروبي العديد من التحديات والتساؤلات حول مستقبله، وقعت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، معاهدة صداقة جديدة في مدينة اكس لاشابيل بغرب ألمانيا، أمس، في الذكرى الـ56 لتوقيع معاهدة الإليزيه في باريس، التي أرست المصالحة بين البلدين بعد الحرب العالمية الثانية.

وتلزم المعاهدة الجديدة الجارتين بتعزيز التعاون وإنعاش الاتحاد الأوروبي، والعمل من أجل سياسة خارجية وأمنية ودفاعية مشتركة، وكذلك تعزيز التكامل الاقتصادي والوصول بالعلاقات الثنائية إلى مستوى جديد.

يشار إلى أن المعاهدة ستتطلب موافقة برلماني البلدين قبل تطبيقها.

وعقب الخطوة التي تمثل رسالة دعم لبناء الاتحاد الأوروبي في مواجهة تصاعد النزعات القومية، أكدت ميركل عزم ألمانيا وفرنسا على الدفع باتجاه قيام "جيش أوروبي" مستقبلا، رغم اصطدام الفكرة بمعارضة شديدة وصريحة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وقالت ميركل إن المعاهدة الجديدة هي "مساهمة في إنشاء جيش أوروبي".

وأشارت إلى تطوير "ثقافة عسكرية وصناعة أسلحة مشتركتين"، بحسب ما تنص عليه المعاهدة المكملة لمعاهدة الإليزيه الموقعة عام 1963 بين البلدين.

من جهتها، أعلنت الرئاسة الفرنسية "انها لحظة مهمة للتأكيد أن العلاقة الفرنسية الألمانية ركيزة يمكن إحياؤها لخدمة تعزيز المشروع الأوروبي"، مضيفة "لم نمض يوما إلى هذا الحد على صعيد الدفاع المشترك".

وأقر البلدان "بند دفاع متبادل" في حال التعرض لعدوان، على غرار البند المنصوص عليه في نظام الحلف الأطلسي. وسيكون بوسعهما بموجب البند نشر وسائل عسكرية مشتركة في حال التعرض لهجوم إرهابي، أو التعاون حول برامج عسكرية كبرى كمشروعي الدبابات والطائرات المقاتلة.

وكان ماكرون وميركل أكدا في الخريف تمسكهما بقيام جيش أوروبي، ما أثار استياء ترامب في ذلك الحين.

واعتبر الرئيس الأميركي المشروع "مهينا جداً"، وحمل على تصريحات الرئيس الفرنسي، الذي قال إن هدف الجيش حماية أوروبا من دول مثل روسيا والصين، وكذلك الولايات المتحدة.

احتجاجات ومؤامرة

في غضون ذلك، خرج مئات الأشخاص في احتجاجات بألمانيا على هامش مراسم توقيع الاتفاقية التي تتضمن تشكيل "جمعية برلمانية مشتركة" من مئة نائب فرنسي والماني، وتحقيق تطابق في السياسات الاقتصادية والخارجية والدفاعية للبلدين وتعاون في المناطق الحدودية.

وأفادت الشرطة الألمانية بأن السلطات المحلية وافقت على 4 مظاهرات، من بينها مظاهرات لأنصار حركة "السترات الصفراء" في فرنسا ومحتجون موالون لأوروبا.

وقوبلت المعاهدة بمعارضة في فرنسا. والنص الذي تم توقيعه بالأحرف الأولى قبل أربعة أشهر من الانتخابات الأوروبية يثير جدلا في باريس، حيث يرى فيه اليمين واليسار المتطرفان انتقاصا للسيادة الوطنية وتبعية لبرلين.

ويستند قادة يمينيون فرنسيون من بينهم مارين لو بان إلى نظريات مؤامرة بأن ماكرون يعد للتخلي عن السيطرة على منطقة الألزاس شرقي فرنسا، وأنه مستعد لتقاسم مقعد بلاده الدائم في مجلس الأمن الدولي مع ألمانيا.

وتأتي الخطوة الرمزية، التي تتزامن مع تعثر مفاوضات خروج بريطانيا من التكتل، بين زعيمين ضعف موقعهما، فميركل تقبل على نهاية ولايتها في 2021 بعدما تراجعت شعبيتها، وماكرون يواجه أزمة احتجاجات "السترات الصفراء".

وظهرت خلافات بين باريس وبرلين حول عدة مسائل في الفترة الأخيرة، منها ميزانية منطقة اليورو وفرض ضرائب على شركات الإنترنت العملاقة المعروفة بمجموعة "غافا"، وتوصل البلدان إلى اتفاق بالحد الأدنى حول المسألتين لا يرقى إلى الطموحات الفرنسية، كما أن الحكومتين على خلاف حول سياسة بيع الأسلحة.

صدام

إلى ذلك، استدعت وزارة الخارجية سفيرة ايطاليا لدى فرنسا تيريزا كاستالدو، أمس الأول، إثر "تصريحات غير مقبولة وغير مبررة صدرت عن نائب رئيس الحكومة الايطالية لويغي دي مايو" اتهم فيها فرنسا بـ"إفقار إفريقيا" وتصعيد أزمة المهاجرين.

وكان دي مايو أعرب الأحد الماضي عن الأمل بـ"أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الدول، بدءاً بفرنسا، التي تقف وراء مأساة المهاجرين في البحر المتوسط من خلال تهجيرهم من افريقيا".

وأضاف دي مايو زعيم "حركة 5 نجوم" المناهضة للمؤسسات، والتي تحكم مع حزب "الرابطة" اليميني المتطرف بزعامة نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، "إذا كان هناك اليوم أفراد يرحلون فلأن بعض الدول الأوروبية في طليعتها فرنسا لم تكف عن استعمار عشرات الدول الإفريقية".

وتابع دي مايو، الذي يشغل منصب وزير التنمية الاقتصادية: "هناك عشرات الدول الإفريقية التي تطبع فيها فرنسا عملة محلية وتمول بذلك الدين العام الفرنسي. ولو لم يكن لفرنسا مستعمرات إفريقية، لأن هذه هي التسمية الصحيحة، لكانت الدولة الاقتصادية الـ15 في العالم، في حين أنها بين الأوائل بفضل ما تفعله في إفريقيا".

ورغم هذا الاستدعاء واصل دي مايو اتهاماته لفرنسا على المنوال نفسه.

وقال في تصريح صحافي لاحقاً: "لا اعتقد أن هناك حادثا دبلوماسيا. اعتقد أن كل ما قلته صحيح. إن فرنسا هي واحدة من الدول التي تمنع التطور وتساهم في رحيل اللاجئين، لأنها تطبع عملات 14 دولة إفريقية. وإذا أرادت أوروبا اليوم أن تتحلى ببعض الشجاعة، فعليها أن تتخذ قرار العمل على إزالة الاستعمار في افريقيا".

من ناحيته، واصل سالفيني الحرب الكلامية بين روما وباريس، وقال إن باريس لا ترغب في تهدئة الأوضاع في ليبيا التي يمزقها العنف، بسبب مصالحها في قطاع الطاقة.

وأضاف سالفيني للقناة التلفزيونية الخامسة: "في ليبيا، فرنسا لا ترغب في استقرار الوضع، ربما بسبب تضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا".

والعلاقات بين روما وباريس متوترة جداً منذ وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في إيطاليا في يونيو 2018.

المعاهدة تتضمن بند دفاع متبادل وتلقى معارضة في البلدين

ماكرون يتآمر لمصلحة برلين لوبن
back to top