مخيلتك... كيف تُساعدك في التغلّب على خوفك؟

نشر في 22-01-2019
آخر تحديث 22-01-2019 | 00:00
No Image Caption
يمكنك القيام بما يحلو لك في مخيلتك. ركوب تنين؟ سهل جداً. تشكّل المخيلة وقود الإبداع، وتتيح لنا التوصل إلى حلول مبتكرة. ويكشف بحث جديد قيّم صوراً للدماغ تظهر أن مخيلتنا تساعدنا أيضاً في التخلص من قلقنا وخوفنا.
مخيلتنا أداة مفيدة جداً. بإمكانها تهدئتنا في الأوقات العصيبة وتساعدنا في حل المشاكل، وابتكار أشياء جديدة، والتفكير في مسارات عمل محتملة.

يشير بعض الباحثين إلى أن مخيلتنا، التي تمنحنا القدرة على التفكير في سيناريوهات مختلفة، تشكل جوهر ما يجعل الإنسان مميزاً عن سائر مملكة الحيوانات.

علاوة على ذلك، تُظهر الأبحاث الحالية أن ما نتخيله قد يؤثر في عقولنا وأجسامنا بطرائق حسية ملموسة. مثلاً، كشفت دراسة نشرتها مجلة علم النفس في عام 2009 أن جسمنا وعقلنا، عندما نتخيل مسألة ما، يتوقعان التطورات المتخيلة كما لو أنها تطورات فعلية.

تشير نتائج دراسة أخرى، نُشرت في مجلة Current Biology عام 2013، إلى أن تخيلنا سماع بعض الأصوات أو رؤية أشكال معينة قد يبدّل نظرتنا إلى العالم في الواقع.

أثبت اليوم بحث جديد أجراه فريق من جامعة كولورادو بولدر وكلية إيكان للطب في ماونت سايناي في نيويورك، أن ما نتخيله قد يبدو حقيقياً بالنسبة إلى دماغنا بقدر تجاربنا الفعلية.

يوضح الباحثون في تقرير دراستهم، الذي نُشر في مجلة {الخلية العصبية}، أننا نستطيع استغلال {القوى السحرية} لمخيلتنا بغية مساعدتنا في التغلب على ما نعانيه من مخاوف واضطرابات قلق مستمرة.

يضيف البروفسور تور واغير، باحث شارك في إعداد تقرير الدراسة: {يؤكد البحث أن المخيلة واقع عصبي قد يؤثر في دماغنا وجسمنا بطرائق مهمة تنعكس على عافيتنا}.

قوة ما تتخيله

في محاولة مساعدة مَن يعانون الرهاب أو اضطرابات قلق، قد يوصي علماء النفس بـ{العلاج بالتعرض». تهدف هذه المقاربة إلى الحد من حساسية الإنسان تجاه المحفزات، التي تطلق رد فعله الخائف، بتعريضه مراراً لهذه المحفزات في بيئة آمنة تماماً.

تساعد هذه العملية الإنسان في الكف عن ربط تلك المحفزات بإحساسه بالخطر والعواقب السلبية الوشيكة.

في الدراسة الجديدة، استعمل الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي بغية مسح أدمغة المشاركين وتقييم نشاط الدماغ في أوضاع تشمل محفزات بغيضة واقعية ومتخيلة على حد سواء. كان هدفهم معرفة ما إذا كانت المخيلة تساعدنا في التخلص من الروابط السلبية وكيفية تحقيقها ذلك.

تشير ماريان كوميلا ريدان، باحثة أشرفت على تقرير الدراسة وطالبة دراسات عليا في قسم علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة كولورادو بولدر: «تسد هذه الاكتشافات الجديدة فجوة قديمة بين الممارسة السريرية وبين علم الأعصاب المعرفي».

تتابع موضحة: «هذه أول دراسة في علم الأعصاب تُظهر أن تخيل خطرٍ قد يبدّل في الواقع طريقة تمثيله في الدماغ».

في الدراسة الحالية، استعان فريق البحث بـ68 مشاركاً سليماً كيّفهم الباحثون ليربطوا صوتاً معيناً بالتعرض لصدمة كهربائية تسبب لهم الإزعاج لا الألم.

وزّع الباحثون المشاركين بعد ذلك على ثلاث مجموعات. أسمعوا المشاركين في المجموعة الأولى الصوت الذي باتوا يربطونه بتجربتهم الجسدية المزعجة.

أما المشاركون في المجموعة الثانية، فكان عليهم بدلاً من ذلك تخيل سماع الصوت ذاته، في حين طُلب إلى المجموعة الثالثة (مجموعة الضبط) تخيل أصوات جميلة، مثل تغريد العصافير أو صوت المطر. ولم يتلقَّ أي من المشاركين المزيد من الصدمات الكهربائية.

تخيُّل الخطر مراراً مفيد

فيما كان كل المشاركين يسمعون الصوت المحفز الفعلي، أو يتخيلونه، أو يتخيلون أصواتاً جميلة، قيّم الباحثون نشاط دماغهم مستخدمين التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. كذلك قاس الفريق ردود فعلهم النفسية بوضعهم أجهزة استشعار على بشرتهم.

اكتشف الباحثون أن نشاط الدماغ جاء متشابهاً كثيراً بين المشاركين الذين سمعوا صوت الخطر الفعلي ومَن تخيلوا سماعه. في حالة كل هؤلاء المشاركين، نشطت القشرة السمعية (منطقة الدماغ التي تعالج الأصوات)، والنواة المتكئة (ترتبط بالخوف المكتسب)، والقشرة الجبهية الأمامية البطانية الإنسية (التي ترسل إشارات التعرض لخطر).

ولكن بعدما سمع المشاركون الصوت المحفز أو تخيلوه مراراً من دون تلقي الصدمة الكهربائية، ما عادوا يشعرون بالخوف. فقد بددت هذه العملية الرابط بين ذلك الصوت وبين التجربة المزعجة. تُدعى هذه الظاهرة «الانقراض».

في مجموعة الضبط التي تخيل فيها المشاركون أصواتاً جميلة فحسب، نشطت مناطق أخرى من الدماغ خلال عمليات المسح بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، إلا أن الرابط السلبي بين الصوت المحفز والصدمة الكهربائية لم يزل مطلقاً.

توضح ريدان: «إحصائياً، لم نلحظ اختلافاً بين التعرض للخطر الحقيقي والمتخيّل على مستوى الدماغ ككل. فقد جاءت المخيلة على القدر ذاته من الفاعلية».

يضيف البروفسور وايغر: «أعتقد أن كثيرين يفترضون أن أفضل طريقة للتخلص من الخوف أو المشاعر السلبية تقوم على تخيل أمر جيد. لكن الطريقة الأكثر فاعلية معاكسة تماماً: تخيل الخطر إنما من دون مواجهة العواقب».

تحديث الذكريات السيئة

يشير الباحثون أيضاً إلى أننا، بفضل قوة المخيلة، قد نتمكن من «العودة» إلى ذكرياتنا المزعجة أو غير المفيدة و{تحديثها». تذكر ريدان: «إذا كنت تملك ذكرى لم تعد مفيدة لك أو تعوِّقك، تستطيع أن تستعمل مخيلتك لتدخلها، وتبدلها، وتعيد تثبيتها، محدّثاً طريقة تفكيرك واختبارك أمراً ما».

ولكن لمدى قوة مخيلة كل منا تأثير في نتيجة تجارب مماثلة. لذلك يوضح الباحثون أن مَن يتمتعون بذاكرة حيوية يجنون أكبر فائدة من «التلاعب» بالروابط المزعجة، في حين أن مَن يملكون مخيلة خاملة قد لا يختبرون أي اختلاف.

ثمة حاجة حقيقية إلى مزيد من الأبحاث التي تتناول قوى المخيلة، وفق الباحثين، إلا أن الاكتشافات الحالية تشدد على نقطة مهمة: يجب ألا نقلل من أهمية تأثير ما نتخيله.

يختم واغير: «تحكّم في مخيلتك وما تسمح لنفسك بتخيله. تستطيع أن تستخدم مخيلتك بطريقة بناءة كي تصوغ ما يتعلمه دماغك من التجربة».

تستطيع أن تستخدم مخيلتك بطريقة بناءة لتصوغ ما يتعلمه دماغك من التجربة
back to top