هل عارض ترامب سياسة أوباما في الشرق الأوسط؟

نشر في 18-01-2019
آخر تحديث 18-01-2019 | 00:03
جون بولتون , باراك أوباما
جون بولتون , باراك أوباما
ترامب وأوباما انتهيا فيما يتعلق بالشرق الأوسط إلى الانهماك في الصراع الساعي إلى إخراج الولايات المتحدة من مستنقع الشرق الأوسط.
خلال زيارة إلى القاهرة صرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن التقارير التي تحدثت عن خروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط في عهد الرئيس ترامب كانت موضع مبالغة شديدة، وأن الرئيس السابق باراك أوباما هو الذي تخلى عن تلك المنطقة محدثاً تأثيرات مدمرة.

وعلى الرغم من ذلك فإن المفارقة هي أنه في حين كانت تصرفات ترامب وأوباما في الشرق الأوسط مختلفة فإنها في حقيقة الأمر انتهت الى الانهماك في الصراع نفسه الساعي إلى إخراج الولايات المتحدة من مستنقع الشرق الأوسط.

واتهم وزير الخارجية الأميركي الرئيس السابق أوباما– الذي اشتهر قبل 10 سنوات خلال زيارة إلى القاهرة بالسعي إلى «بداية جديدة» بين الولايات المتحدة ومليار مسلم– اتهمه بالتقليل من قيمة العقيدة الإسلامية الراديكالية وتجاهل خطر النظام الإيراني والخطأ في تصور أن الولايات المتحدة هي «القوة التي تسبب المتاعب في الشرق الأوسط». وجادل بومبيو في خطاب في الجامعة الأميركية في القاهرة بأن ذلك ألحق الضرر بمئات الملايين من الناس في المنطقة والعالم في حين كان تنظيم داعش «يغتصب وينهب ويقتل» وتنشر إيران «نفوذها السرطاني» وتطلق سورية الإرهاب عبر استخدام الغازات ضد شعبها، وكل ذلك في وجه الجبن من جانب الولايات المتحدة.

ولاحظ بومبيو بعد القرار المفاجئ للرئيس ترامب بالانسحاب من سورية أننا «تعلمنا أن الفوضى تنتشر على الأغلب بعد الانسحاب الأميركي»، وقال إنه بعد القضاء على تنظيم «داعش» في سورية والعراق والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وتوجيه ضربتين ضد حكومة دمشق بسبب استخدامها للأسلحة الكيميائية بدأت إدارة ترامب بتأكيد «دور الولايات المتحدة التقليدي على شكل قوة خير» في المنطقة.

واللافت، على أي حال، أن مراقبي السياسة الخارجية الأميركية من الجانبين يرون تطابقاً بين وجهات نظر ترامب وأوباما إزاء التضحية بدماء وأموال الأميركيين في الشرق الأوسط، وكما أخبرني مستشار أوباما السابق حول الشرق الأوسط فيليب غوردن فإن ترامب يعكس صورة لأوباما، وقال مارك ديوبويتز من جمعية الدفاع عن الديمقراطية الشيء نفسه حول إنهاء الدور العسكري الأميركي في المنطقة باستثناء وجهة نظر ترامب نحو إيران.

وكان بومبيو نقل رسائل تطمين إلى إسرائيل والشركاء العرب خلال جولة له شملت 9 دول في الشرق الأوسط، وقبل عدة أسابيع فقط تجاهل رئيسه أولئك الحلفاء عندما أعلن خططاً لسحب القوات الأميركية من سورية وترك آخرين لمتابعة تطهير ما تبقى من مناطق هناك من تنظيم «داعش»، ملاحظاً أن في وسع ايران عمل ما تريده في ذلك البلد، وأن الوقت حان كي تنهي الولايات المتحدة «حروبها التي من دون نهاية»، وقد أثار بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون ضجة حول توقيت الانسحاب وشروط مغادرة القوات الأميركية لسورية.

وفي إشارة أخرى إلى أن الرئيس ليس مشغولاً تماماً بتأكيد «الدور الأميركي التقليدي» في الشرق الأوسط كان اللافت عدم وجود سفير أميركي في أكثر من نصف الدول التي زارها بومبيو في جولته بما في ذلك مصر، وثمة إشارات أخرى أيضاً: في حين كان بومبيو يتحدث عن توجه ترامب إلى تكساس على شكل جزء من محاولته بناء جدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة عن طريق إغلاق الوكالات الحكومية، وفي حين كان بعض مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية يعملون من دون أجر من أجل مساعدة بومبيو في جولته كان ترامب يعلن أن في وسعه تمويل بناء الجدار مع المكسيك من خلال جزء من المبالغ التي تنفقها الولايات المتحدة على الحرب في أفغانستان.

جدار لإبعاد أخطار الحدود

ويتبنى ترامب الفكرة القائلة إن في وسعنا «بناء جدار حول الولايات المتحدة وإبعاد كل تلك التهديدات سواء جاءت في صورة مهاجرين أو إرهابيين»، وفي غضون ذلك كان وزير خارجيته يخبر الحلفاء في الشرق الأوسط أن «الولايات المتحدة لن تتراجع خلف جدران بل ستشارك بعمق أكبر في قضايا المنطقة والعالم».

كان خطاب أوباما في القاهرة في سنة 2009 طموحاً جداً وكان يهدف إلى علاج جروح جورج دبليو بوش التي نجمت عن الحرب في العراق، وأمام جمهور واسع في جامعة القاهرة أعرب الرئيس الأميركي الجديد عن تصميمه على سحب جنود بلاده من العراق وأفغانستان وحل النزاع الفلسطيني– الاسرائيلي والدخول في مفاوضات نووية مع إيران وربما إقامة علاقات أكثر إيجابية معها وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط.

ثم جاء الربيع العربي وعواقبه المرعبة التي دفعت أوباما إلى إطاحة دكتاتور في ليبيا ونشر قوات أميركية لمحاربة تنظيم داعش، والجدال حول ما اذا كان يتعين التدخل العسكري في سورية.

وعقد أوباما اتفاقاً نووياً مع إيران لكنه لم يتمكن من خفض القوات الأميركية في أفغانستان والعراق أو تحقيق تقدم كبير في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو تحويل الرأي العام حول الولايات المتحدة في العالم الإسلامي.

وعندما سألت غوردون وهو كبير مستشاري أوباما لشؤون الشرق الأوسط في الفترة بين 2013 و2015 كيف كان تأثير خطاب القاهرة في رسم سياسة واشنطن في فترة وصول غوردن الى البيت الأبيض؟ أجاب «ليس كثيراً حقاً». وقد عكست الملاحظات مشاعر أوباما إزاء المنطقة ورغباته، وقال غوردون «أظن أنه سيكون أول من يعترف بعدم قدرته على طرح تلك البداية الجديدة».

وبحلول نهاية فترة رئاسته تحرر أوباما من الوهم المتعلق بالشرق الأوسط، ووصف هذه المنطقة بأنها مصدر هلاك لأرواح الأميركيين وقوة الولايات المتحدة والاهتمام بأنحاء من العالم (مثل آسيا) التي كانت حيوية بالنسبة الى المصالح الأميركية، وتحفل بحلفاء يصعب الحفاظ عليهم وقبلية خطرة ونزاعات لا نهاية لها.

ويجادل غوردون في أن ابتعاد أوباما عن الشرق الأوسط كان موضع مبالغة في أغلب الأحيان، ولكن أوباما على الرغم من ذلك كان عازماً على خفض التكلفة بالنسبة الى الولايات المتحدة والتزاماتها في المنطقة، وعدم التورط في الشرق الأوسط. وما وجده غوردون مفاجئاً في انتخابات عام 2016 أن البوصلة السياسية لم تتقدم في اتجاه معاكس، كما يحدث في أغلب الأحيان عندما يسيطر الحزب الآخر على البيت الأبيض، وكان العكس هو الصحيح.

وأشار فيصل عيتاني وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي الى اختلاف مهم بين الرئيسين، والذي شدد عليه أيضاً بومبيو في القاهرة: عودة ترامب الى الفكرة التقليدية المتعلقة بالحلفاء والخصوم التقليديين للولايات المتحدة في أعقاب فترة أوباما.

ولاحظ عيتاني أن أوباما كان في فترة ما ينتقد الشركاء العرب السنة مثل السعودية ولم يرغب في تقديم الدعم لهم في تنافسهم مع إيران، أما بومبيو وعلى العكس من ذلك فقد تعهد في مصر بالشراكة مع «أصدقائنا ومعارضة خصومنا بقوة»، ملاحظاً أن إدارة ترامب «عززت فهماً مشتركاً مع حلفائنا الذين كانوا في حاجة الى مواجهة أجندة إيران الثورية».

وأخبرني ديوبويتز «أنك إذا سألت الخليجيين والإسرائيليين اليوم ربما سيقولون لك إنهم يفضلون صديقاً فوضوياً على عدو منهجي مثل أوباما، وقال إنه جمع من خلال مناقشاته مع مسؤولين أثناء رحلته الى الشرق الأوسط في شهر ديسمبر الماضي أنهم يعتبرون أوباما وترامب جزءا من مسار يدعو الى الخروج من الشرق الأوسط نتيجة الإعياء من الحرب في الولايات المتحدة والمنافسة الحادة بين القوى العظمى».

وأبلغني أن القادة العرب يفهمون «أنهم قد لا يتمكنون من الاعتماد على مضي الولايات المتحدة قدماً وأنهم يفسرون استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني على أنها تتعلق بالصين فقط»، أو كما يقول ترامب «الجدار ثم الجدار وبعده الصين».

● يوري فريدمان– الأتلنتيك

لاحظ بومبيو بعد القرار المفاجئ للرئيس ترامب بالانسحاب من سورية أننا «تعلمنا أن الفوضى تنتشر على الأغلب بعد الانسحاب الأميركي»
back to top