مواجهة خطيرة بين الصين وتايوان

نشر في 15-01-2019
آخر تحديث 15-01-2019 | 00:00
 نيو ستاتسمان بدا الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه الأول عام 2019 والأول عن مسألة تايوان متشدداً على نحو بارز، فبعد مرور أربعين عاما على موافقة بكين على وقف قصفها اليومي لجزيرتَي كويموي وماتسو التايوانيتين وإطلاقها سياسة الإغراء التجاري، ساءت العلاقات، ففي خطاب وجهه لمجموعة من المسؤولين العسكريين والحزبيين، فضلاً عن الشعب الصيني عموماً، أشار الرئيس الصيني إلى نفاد صبره من الوضع القائم، كذلك رفض استبعاد استعمال القوة العسكرية وحذّر "القوى الأجنبي" من التدخل فيما تعتبره بكين شأناً داخلياً، ولا شك أن هذه لحظة مخيفة بالنسبة إلى تايوانيين كثر.

يخوض هذان الكيانان صراعاً منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949، حين لجأ الحزب القومي المهزوم إلى تايوان على بعد 177 كيلومتراً تقريباً قبالة الشاطئ، تاركاً البر الرئيس للحزب الشيوعي بقيادة ماو. لكن تايوان، بدعم من الولايات المتحدة، واصلت الاحتفاظ بمقعد الصين في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، تبنى كلا الطرفين في هذا الصراع الرأي القائل إن ثمة دولة صينية واحدة، إلا أنهما اختلفا بكل بساطة حيال هوية الحزب الذي يجب أن يقودها.

كان كلا الكيانين دكتاتوري، ولكن في أواخر سبعينيات القرن الماضي، اختلف طابعهما السياسي، فنجحت حركة ديمقراطية في تايوان بكسر قبضة الحزب القومي الصيني، مما سمح لقوى سياسية أخرى بالظهور، وشملت هذه الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي أحرز فوزاً ساحقاً في الانتخابات عام 2016 والذي يتمسك بحق تايوان في تقرير مصيرها.

أكّدت الولايات المتحدة مراراً سياسة "الصين الواحدة"، إلا أنها حافظت على علاقات غير رسمية مع حليفها السابق، مادةً تايوان بالسلاح ومقدمة لها ضمانات أمنية. ركّز سلف شي جين بينغ، هو جينتاو، على إقناع الناخبين التايوانيين بفوائد الروابط الاقتصادية: استثمرت الشركات التايوانية في البر الرئيس، في حين زار السياح الصينيون تايوان، فازدهرت تايوان في حين نما اقتصاد الصين، وبحلول نهاية السنة الماضية، زودت الصين تايوان بنحو 40% من وارداتها، في حين نشط أكثر من مئة ألف شركة تايوانية في البر الرئيس.

بدأت في عام 2016 أزمة بين الصين وأميركا حين قبِل الرئيس المنتخب آنذاك ترامب اتصال تهنئة من رئيسة تايوان الحالية زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي تساي إنغ ون، وعندما استعمل ترامب تايوان كورقة مقايضة في خلافه التجاري مع الصين خلال مقابلة له على شبكة "فوكس نيوز". عملت الصين منذ ذلك الحين على تعزيز الضغط: فقد شهدنا السنة الماضية تدريبات بحرية بالنيران الحية في مضيق تايوان، وتظاهرات في شهر سبتمبر بسبب بيع الولايات المتحدة تايوان أسلحة بقيمة 330 مليون دولار، وتجدد مطالبات الكيانات التجارية، مثل الخطوط الجوية والفنادق، بالإشارة إلى تايوان كجزء من الصين. كذلك حدت الصين من الواردات السياحية والزراعية من تايوان، واتهم أيضاً المسؤولون التايوانيون بكين بالتدخل في الانتخابات المحلية السنة الماضية، التي مُني بها الحزب الديمقراطي التقدمي بهزيمة كبيرة، ولا شك أن شي جين بينغ يأمل فوز الحزب القومي الصيني في الانتخابات الوطنية التالية في عام 2020.

أخيراً، مرر الكونغرس الأميركي في 31 ديسمبر 2018 قانون مبادرة إعادة طمأنة آسيا، الذي يدعو إلى تبادل رسمي أوسع بين الولايات المتحدة وتايوان وتواصل عمليات بيع الأسلحة، نددت الصين بهذا القانون، حتى إن متحدثاً باسم وزارة الخارجية وصفه بأنه "انتهاك خطير لمبدأ الصين الواحدة" و"تدخل سافر في شؤون الصين الداخلية".

يُعتبر هذا الاحتجاج خطوة مألوفة، إلا أن خطاب شي جين بينغ لم يكن كذلك. صحيح أن الصين احتفظت بحق استعمال القوة، لكن جين بينغ أعلن أن الوقت قد حان لتقبل تايوان بعملية "توحد سلمي" وفق مقاربة "بلد واحد ونظامان"، ولا عجب في أن ترفض تساي إنغ ون ذلك.

وسمح وعد الصين هونغ كونغ بـ"بلد واحد ونظامين" بموجب الإعلان المشترك، الذي وُقّع مع المملكة المتحدة في عام 1984، للصين بالحد من الحريات السياسية والإعلامية في هذه المستعمرة البريطانية السابقة.

وتعمل تساي إنغ ون على توسيع أسواق أخرى منها الهند، آخذة في الاعتبار خطر الاعتماد على الصين، كذلك طالبت رئيسة تايوان أخيراً بدعم دولي لديمقراطيتها، وتبدلت أسس التفاعل التي صانت السلام المتوتر عبر المضيق طوال 30 سنة، إلا أن اللجوء إلى القوة سيشكّل كارثة بالنسبة إلى الطرفين والمنطقة بأسرها، ولكن إلى أي حد يبدو شي جين بينغ مستعداً للذهاب؟ وما قد يدفعه إلى اعتبار أن مكاسب التهليل الداخلي تستحق مخاطر الإصرار على الوحدة؟ بما أننا مضطرون اليوم إلى التفكير في أسئلة مماثلة، يشكّل هذا إشارة إلى حقبة جديدة من عدم اليقين والاضطراب.

* إيزابيل هيلتون

*«نيوستايتسمان»

back to top