العم «بوصالح»... والسترات الصفراء

نشر في 01-01-2019
آخر تحديث 01-01-2019 | 00:08
إن ما يحدث الآن في فرنسا يحمل الكثير من العبر والدروس، والسعيد من اتعظ بغيره لا من اتعظ غيره به، إنها دروس لكل دول العالم، لاسيما تلك الدول التي يغيب فيها الشعب عن المشاركة أو إبداء الرأي، أو إقحامها الدول في مغامرات ومعارك عسكرية أو اقتصادية أو إعلامية لا طائل من ورائها، وذلك لإلهائها عن الكثير من القضايا.
 يوسف عبدالله العنيزي جلس بجانب منعزل من الديوانية، بدا عليه الكثير من الإحباط والكدر ويملأ قلبه هم دفين، إنه اليوم ليس كعادته، جلستُ بجانبه وسألته: "عمي عسى ما شر ايشفيك متكدر؟"، أخرج تنهيدة من القلب، وبالكاد رفع رأسه قائلاً: "السترات الصفراء"، وقبل أن أبدي دهشتي أكمل: نعم السترات الصفراء في فرنسا، إنها الإمبراطورية الفرنسية التي كانت تمتد من جزر الكاريبي والبهاما إلى أقصى شرق آسيا مروراً بإفريقيا والشرق الأوسط، إنها فرنسا نابليون بونابرت والحضارة والأدب والكاتب المبدع فيكتور هوغو وروايات البؤساء وأحدب نوتردام والطاحونة الحمراء، فرنسا خامس قوة نووية في العالم ورائدة في الصناعات المتقدمة، سواء العسكرية أو المدنية وصناعة الطائرات والسيارات وغيرها.

نعم إنها فرنسا التي تعاني من هذه الأمواج البشرية التي نزلت إلى الشوارع بعد أن وصلت إلى مراحل من الإحباط، وقسوة الحياة، وتطالب بالتخفيف من الضرائب التي تزيد معاناة تلك الطبقة من الشعب، ثم تطورت إلى مطالب أخرى أكثر قسوة. نعم إنها الإمبراطورية الفرنسية التي تعاني وستستمر في المعاناة حتى تتحقق مطالب "السترات الصفراء"، فالشعوب عندما تنزل إلى الشارع يصعب السيطرة عليها، فقد تجاوزت مرحلة الخوف من الإجراءات الأمنية، إن ما يحدث الآن في فرنسا يحمل الكثير من العبر والدروس، والسعيد من اتعظ بغيره لا من اتعظ غيره به، إنها دروس لكل دول العالم، لاسيما تلك الدول التي يغيب فيها الشعب عن المشاركة أو إبداء الرأي، أو إقحامها في مغامرات ومعارك عسكرية أو اقتصادية أو إعلامية لا طائل من ورائها, وذلك لإلهائها عن الكثير من القضايا، وقبل أن يهم العم "بو صالح" بالمغادرة أخرج من قلبه كلمات صادقة تعبر عن حبه وعشقه لهذا الوطن، قائلاً: "حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه وأدام عليها الأمن والأمان والرخاء والاستقرار "بلدة طيبة ورب غفور".

نعم كم نحن بحاجة إلى الهدوء والتفكير بعمق وعدم دفع الشعب إلى الإحباط، فالوطن بحاجة للإخلاص وتحريك عجلة التنمية، ولا نريد أن نكرر الأسطوانة فالتحلطم والاستهزاء والتذمر ستؤدي بالضرورة إلى المزيد من الإحباط، فالخلل ليس في الأشخاص أو في الحكومة ومجلس الأمة الذي أدار ظهره للأمة، بل الخلل في قوانين وإجراءات عرجاء لا تتماشى مع التطور وبناء الوطن الذي تراجع إلى المؤخرة بعد أن كان يحمل رايات الريادة... لماذا؟ كم هو قاسٍ ومؤلم هذا التساؤل الذي يدمي قلوب أهل الديرة.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top