سنة حلوة للجميع

نشر في 31-12-2018
آخر تحديث 31-12-2018 | 00:05
 فوزية شويش السالم كل عام وقراء جريدة الجريدة بخير وصحة وسعادة، وأتمنى لكم سنة حلوة سعيدة تتحقق فيها أحلامكم وأمانيكم، وأن تحظوا بعطلة مريحة تمسح متاعب وأخطاء سنة مضت بأفراحها ومتاعبها، وأن تستقبلوا السنة الجديدة بأماني وأحلام جديدة تليق بها، ويتكرر ذات الديكور بكل عام نستقبله بالبهجة وصهيل الفرح، ونودعه بدون ذرّة حزن ولا "حسافة"، مقالي هذا آخر مقال لسنة 2018، وهو يوم الاثنين، وبعده يوم الثلاثاء سيكون أول يوم في السنة الجديدة 2019.

يا رب تكون سنة خير وسلام ومحبة وانتهاء لكل الحروب الطاحنة التي أكلت الأخضر واليابس في الدول العربية العزيزة حولنا، وأن تكون السنة هي ترميم لكل الأخطاء الماضية، وأن تعيد الفرح والمحبة والصلح بين شعوبنا العربية والخليجية، وأن تضع كلمة النهاية لكل المعارك الطاحنة والتمزق العربي الذي خلّف جروحا وآلاما نتمنى أن تلتئم في العام الجديد.

المناسبات تعني للجميع عطلا وإجازات للراحة والسفر والاحتفالات، إلا فئة الكتاب الذين أتصور أن عقولهم تشتغل بجميع المناسبات من دون توقّف، ولا تعرف الراحة أو لا تستكين لها حتى وإن عطلت الدنيا كلها، يبقى موتور عقل الكاتب شغال وحاضر وجاهز لالتقاط أدنى التفاصيل التي لا يمكن لها أن تشرد وتغيب من رصد شاشته، وأقصد به وعيه الذي يبقى صاحيا ويقظا ومستعدا وجاهزا بكل مجساته لالتقاط صيد فريسته، أي مادته، التي قد تكون قصة أو رواية أو مقال أو قصيدة، فهل هذا يعني أن الكاتب يعني ويتقصد أن يبقى صاحيا ومنتبها طوال الوقت لقنص مادته؟

طبعا لا... لا الكاتب ولا أي أحد يريد أن يبقى مهموما ومشغولا ومربوطا طوال الوقت بماكينة عمل دائر موتورها بلا راحة ولا عطلة ولا توقّف، الكاتب حاله حال الجميع يريد أن يتمتع بنعيم الراحة ولذة الكسل، وهو غالبا يبدو وكأنه يعيش ويتمتع وينغمس بحياة الراحة أكثر من غيره، وهذا ما يبدو على زبد السطح وعلى الصورة الخارجية.

كيف؟

هناك تناقض بالمعنى الذي لا تنطبق صورته على مضمونه؟

وهذا صحيح... الكاتب الحر مثلا الذي لا يرتبط بعمل مكتبي، ويمارس عمله بحريّة كاملة بأي وقت يشاء، هذا الكاتب قد تبدو صورته أنه يتمتع بحرية مطلقة والكتابة لا تقيده ولا تمثّل له عبئا أو التزاما خانقا، لكن الحقيقة غير الصورة المظهرة من النيجاتيف الباطني السري والخفي الذي لا يعرفه ولا يطلّع عليه أحد، الحقيقة مختلفة تماما عن صورتها الظاهرة، وهي أن الكتابة بشكل عام والإبداعية بشكل خاص هي تلبّس لا يمكن الفكاك من قيده مهما حاول الكاتب أن يتهرب ويتحلل منه، لا يتمكن من فراره ولا من التملص منه.

إنه قدر ملتصق أو توأمة لا يمكن الخلاص منها.

الكتابة الإبداعية ليست مهنة وليست قرارا وليست اختيارا، أنها قدر وصفة جينية تولد مع كاتبها، ملتصقة به ومشاركة له بمائه ومقتسمة معه مشيمته وحياته وقدره، لذا لا يمكنه الفرار والانسلاخ منها بأي وقت كان، قائما أو قاعدا أو نائما أو حسبما يريد، هي شريكه الذي لا يغفل عن التقاط ذرات التفاصيل، سواء بشكل متفق وواع مع عقل الكاتب أو بشكل غائب عنه، وهو ما يشتغل عليه الوعي الباطن، لذا سواء كان الكاتب في إجازة أو عطلة أو متعطلا، بكل الأحوال ماكينة عقله لا تتوقف عن العمل، حتى وإن شتمها وزعق عليها، وأمرها بالتوقف ليستمتع بالعطلة ويتلذذ بنعيم الخدر و"التنبلة" والكسل، يجد عقله الباطن يرفض ويحرن ويعانده، ويبقى شغالا بقنص وصيد اللحظات وتفتيت المعاني وتحليل المعلومات وتخزين الصور ورصد المرئيات، وتحويلها إلى ملفاته و"فايلاته" السرية التي يجتر منها ما يريده عقل الكاتب عندما يفيق ويحتاج بشدة إلى نجدة سريعة تمده بمتطلباته، ساعتها يستنجد ويتذلل ويشحذ مواده من ذاك الوعي الباطني الذي كان لا يهدأ ولا ينام ولا يتمتع بعطلة أو براحة، منتظرا هذه اللحظة بالذات التي يطلب توأمه وشريكه بمواده.

كل السفرات والعطلات والإجازات التي أمضيتها في حياتي كان فيها عقلي الباطن يعمل بتخزين وتجميع مواده التي احتجتها واشتغلت عليها فيما بعد، سواء في عملي الروائي أو المسرحي أو الشعري وحتى مقالاتي.

كل عام وأنتم بخير وسنة سعيدة.

back to top