أعياد المسيح وتفويت الفرص

نشر في 30-12-2018
آخر تحديث 30-12-2018 | 00:10
الكويت كدولة ومجتمع، مؤهلة لأن تكون حاضنة للتنوع بسبب طبيعتها الاجتماعية المتنوعة، فلماذا نفقد عاملاً يقوي أسس الدولة ويُحسن مكانتها التي تستحقها أصلاً؟
 مظفّر عبدالله أول العمود:

اختيار الزميل إبراهيم الكندري رئيساً للصندوق الوطني لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة لا يأتي بوصفه من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل لأنه تصرف مع الحياة على أنه إنسان مؤهل لهذا المنصب والمناصب السابقة وبفضل تاريخه في تطوير قدراته.

***

نحن في أجواء الأعياد المسيحية ولا نزال حيث تحتفل الطوائف بتواريخ مختلفة في ديسمبر ويناير أيضاً، وقد شهدنا يوم ٢٥ ديسمبر الجاري جموعاً غفيرة من المُحتفِلين والمُتعبِّدين في الكنائس التي تنتشر على ساحل شارع الخليج العربي فيما يسمى عرفاً بمنطقة الكنائس، وهو إرث لحالة التسامح التي رافقت مرحلة ما قبل بناء الدولة الحديثة وحتى منتصف السبعينيات حيث تغير وجه الدولة بتغلغل الإسلام السياسي.

هذه المناسبة مفيدة وهامة لدولة صغيرة كالكويت تعكس قيم التسامح التي وضع قواعدها المجتمع منذ أكثر من ١٠ عقود من الزمن، حيث بُنيت أول كنيسة عام ١٩٣١، ويقيم في الكويت اليوم أكثر من ٥٠٠ ألف مسيحي يمثلون ٧٠ جنسية، وهو عدد مؤثر إضافة إلى المسيحيين الكويتيين.

هناك فرص اجتماعية وسياسية وإعلامية يتم تفويتها من قبل الأجهزة الرسمية والأهلية المدنية للتعبير عن مشاعر التضامن والأُخُوة والسلام مع هذه الجاليات ممثلة برؤساء طوائفها الدينية والمعتمدة من قبل الدولة، إذ إن حدثاً كالأعياد المسيحية يتم تغييبه بشكل غير مقبول ولا يشارك فيه ممثلون عن الحكومة، أو رئاسة مجلس الأمة، أو ممثلو جمعيات أهلية معنية بالسلم الاجتماعي وما أكثرها.

في اللقاء اليتيم الذي أجرته الزميلة المتألقة سميرة عبدالله في قناة "الراى" مع المطران غطاس هزيم (ميتروبوليت بغداد والكويت وتوابعها للروم الأرثوذكس)، وهو شخص حكيم وذو بصيرة، قال إن الكويت مكان مريح للعيش فيه، وإن الحكومة الكويتية توفر مستلزمات إقامة الاحتفالات وتحميها بشكل مُرضٍ، وإن بعض صور النقد لهذه الاحتفالات تأتي من أفراد وفي حدود مفهومة.

وشرح مأساة ما يحدث للمسيحيين المشرقيين في الدول المجاورة كسورية والعراق حيث جرت عملية تهجير لا مثيل لها تجاههم منذ الحرب العالمية الثانية وشُرِدوا من بلدانهم وأماكن إقامتهم، وشدد على أن الكارثة الحقيقية هي في انزلاق الشعوب العربية في نزاعات طائفية مفتعلة نتيجة حروب تقيمها دول كبرى لمصالح اقتصادية وسياسية، وهذه الصراعات تغذي بشكل قوي أجندة تلك الدول.

وفي موضوع آخر، أكد عدم سلامة إقران منح الجنسية بديانة الشخص كما هو الحال في الكويت، وأنه من المفيد أن يكون ممثلاً في البرلمان كويتي مسيحي، كما شدد على أهمية القدس بالنسبة للمسيحيين ووصفها بمثابة القلب بالنسبة لهم.

نعود إلى القول بأن عدد المسيحيين في الكويت وتنوع كنائسهم - رغم ضيق مساحاتها - يتطلب تسليط الضوء على مناسباتهم بل وتخصيص وقت في الإعلام الرسمي والأهلي لنقل احتفالاتهم ومنحهم منصة للتعبير عن ذلك، فمن غير المعقول أن يحتفل أكثر من ٥٠٠ ألف مسيحي يعيشون بيننا في أكثر من كنيسة وفي أوقات مُختلفة، ولا يجد كل هذا ضوءاً إعلامياً وتفاعلاً اجتماعياً وسياسياً من الدولة والمجتمع. والاستمرار في هذا التجاهل ما هو إلا تفويت فرص ثمينة لدعم سياسة الكويت الخارجية والداخلية القائمة على تحفيز عوامل السلم والأمن بين الدول والشعوب ونبذ التطرف وفرض الرؤي الأحادية، فأين تنفيذ هذه السياسة في مشهد أعياد الميلاد؟

الكويت كدولة ومجتمع، مؤهلة لأن تكون حاضنة للتنوع بسبب طبيعتها الاجتماعية المتنوعة، فلماذا نفقد عاملاً يقوي أسس الدولة ويُحسن مكانتها التي تستحقها أصلاً؟

back to top