موغيريني: الاتحاد الأوروبي أكبر مشروع تكاملي على الإطلاق... ووحدته فوق المتصور

• «نتخذ قراراتنا بشكل مشترك وننفذها جماعياً ونتصرف ككيان واحد»
• نمتلك قدراً غير مسبوق من القوة الناعمة في الاقتصاد والدبلوماسية والثقافة
• الأوروبيون لا يقبلون أن تملي عليهم أي قوة أجنبية قراراتها
• علينا ضمان تطبيق أعلى معايير الليبرالية للإبقاء على مجتمعاتنا مفتوحة وحرة
• بعض ذوي المصلحة يريدون تحسيناً لسياسات الاتحاد وآخرون يرغبون في تدميره

نشر في 29-12-2018
آخر تحديث 29-12-2018 | 00:03
اعتبرت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيديريكا موغيريني أن الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ عدد سكانه 500 مليون نسمة يعد أكبر مشروع تكاملي تحقَّق على الإطلاق بين عدد من الدول، معتبرة أن وحدة هذا الاتحاد أقوى كثيراً من المتصور غالباً، لاسيما أنه يتخذ قراراته بشكل مشترك وينفذها جماعياً ويتصرف ككيان واحد، وخصوصاً في السياسة الخارجية والأمنية.

ومع اقتراب ولايتها من الانتهاء عام 2019، شددت موغيريني، في مقابلة مع مارك ليونارد من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، على أن الأوروبيين لا يمكنهم أن يقبلوا أن تملي عليهم أي قوة أجنبية، حتى وإن كانت أقرب أصدقائهم وحلفائهم، قراراتها بشأن تجارتهم المشروعة مع أي دولة أخرى.

وعن مسألة هجرة الأفارقة إلى دول الاتحاد، رأت أن لدى الأوروبيين مصلحة في تعزيز قوة إفريقيا، لأن هذا من شأنه أن يجعل أوروبا أيضاً قوية، مبينة أن إفريقيا تحتاج إلى خلق المزيد من الوظائف، وتحسين التعليم، وتعزيز قوة الديمقراطيات، ودعم التنمية المستدامة، فضلاً عن توفير بيئة أمنية أكثر استقراراً. وتطرقت موغيريني، خلال المقابلة، إلى الإجابة عن أسئلة تتعلق بنشاطات الاتحاد الأوروبي، مثل حالة الأمن الأوروبي وتدخلات روسيا في عدد من البلدان، والصراع في سورية وليبيا، وخروج بريطانيا من الاتحاد وتأثيره على مسيرته، فضلاً عن انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فضلاً عن قضايا أخرى عديدة... وإلى التفاصيل.

• حتى الآن، أظهر الاتحاد الأوروبي القدرة على الحفاظ على وحدته فيما يتصل بقضايا أساسية مثل خروج بريطانيا من الاتحاد والإبقاء على العقوبات التي فرضت على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم... فهل من المرجح أن تظل هذه الوحدة متماسكة في عام 2019، لاسيما مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي والتغييرات المرتقبة لقيادات المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي؟

- إن وحدة اتحادنا أقوى كثيرا من المتصور غالبا، وما أراه في عملي اليومي هو اتحاد أوروبي يتخذ القرارات بشكل مشترك، وينفذها بشكل جماعي، ويتصرف ككيان واحد، وخصوصاً في مجال السياسة الخارجية والأمنية... صحيح أن كثيرين يشكون من الافتقار إلى الوحدة، لكن انطباعي هو أن هذه الشكاوى ناشئة عن تصور مبتذل مريح يتكرر على أساس تجارب الماضي، وليس عن تأمل واقعي في الوضع اليوم.

من الواضح أننا نحتاج إلى تحديد ما نعنيه عندما نقول «وحدة»، الواقع أن هذه الكلمة لا تعني التماثل، فعددنا الآن 28 دولة، وقريبا 27 دولة، ومع ذلك يظل هذا عددا كبيرا، ويُعَد الاتحاد الأوروبي، الذي يبلغ عدد سكانه 500 مليون نسمة، أكبر مشروع تكامل تحقق على الإطلاق، كما أن هذا الاتحاد أكبر سوق في العالَم، وثاني أكبر اقتصاد، وهو يضم العديد من الثقافات واللغات والسياسات المختلفة، وقد أعطانا التاريخ والجغرافيا خلفيات متباينة، ومن الطبيعي أن يُتَرجَم هذا إلى وجهات نظر وآراء وأصوات مختلفة، حتى داخل كل من مجتمعاتنا الديمقراطية.

الغناء بصوت واحد

كنت أرفض دائما استخدام تعبير أنه «يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يغني بصوت واحد»، فنحن في احتياج إلى استخدام كل الأصوات المختلفة لدينا، لأن تعددنا هو موطن قوتنا، ولكن يتعين علينا أن نغني نفس الأغنية بطريقة منسجمة متناغمة، على نحو أشبه بجوقة، وفي عملي اليومي أرى وحدة الغرض، وقرارات مشتركة، وتحركات منسقة، ولا أرى أن هذا الاتجاه محل طعن.

في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تتحلى الدول الأعضاء السبع والعشرون الباقية بقدر من الوحدة أكبر من أي وقت مضى؛ وكانت القرارات بشأن العقوبات المتعلقة بشبه جزيرة القرم تتخذ وتنفذ وتجدد بالإجماع كل هذه السنوات، وهناك أمثلة أخرى عديدة، ولأننا نتقاسم نفس الاهتمامات كأوروبيين، فأظن أن مواطنينا يدركون ــ بعيدا عن الشعارات ــ أن السبيل الوحيد الفعّال لتحقيق أهدافنا هو العمل سويا.

* لقد دعوت أوروبا إلى الدفاع عن سيادتها، من خلال إنشاء هياكل جديدة تسمح لها بالاستمرار في الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، على سبيل المثال، فهل تنجح هذه الهياكل بالفعل، وهل يمكن استخدام أداة الأغراض الخاصة للحفاظ على التجارة مع إيران لمواجهة أي عقوبات أميركية إضافية.

- نحن نعمل كاتحاد يضم 28 دولة ومع بقية المجتمع الدولي للحفاظ على الاتفاق النووي الذي جرى تنفيذه بالكامل حتى الآن، كما شهدت على ذلك رسميا الهيئة الدولية للطاقة الذرية في ثلاثة عشر تقريرا متتاليا، ونحن نفعل هذا لرغبتنا في الحفاظ على أمننا الجماعي؛ فنحن لا نريد أن نرى إيران تقوم بتطوير سلاح نووي، وتحقق خطة العمل الشاملة المشتركة هذا الغرض على وجه التحديد، وقد بدأت كلامي بهذا التصريح لأنني كثيرا ما أسمع أن أوروبا فيما يتصل بهذه القضية مدفوعة في الأساس باعتبارات اقتصادية أو تجارية، وهذه ليست الحال: فنحن نفعل هذا لمنع تفكيك اتفاقية منع الانتشار النووي الناجحة حتى الآن ومنع حدوث أزمة أمنية كبرى في الشرق الأوسط.

ويتطلب جزء من هذا العمل أن نحرص على ضمان السماح للشركات الراغبة في مزاولة أعمال مشروعة مع إيران بالقيام بذلك، وهذا هو ما نعمل على تحقيقه الآن عبر الأدوات الكفيلة بمساعدة وحماية وطمأنة الجهات الاقتصادية التي تسعى إلى مزاولة أعمال مشروعة مع إيران. صحيح أن هذا الموقف أثار مناقشة حول السيادة الاقتصادية الأوروبية، فنحن الأوروبيين لا يمكننا أن نقبل أن تملي علينا أي قوة أجنبية ــ حتى وإن كانت أقرب أصدقائنا وحلفائنا ــ قراراتنا بشأن تجارتنا المشروعة مع أي دولة أخرى، وهذا هو العنصر الأساسي في السيادة، ومن الطبيعي أن يحدث هذا التأمل، ليس في أوروبا فقط بل في أجزاء أخرى من العالم أيضا.

الموقف من روسيا

* بعد مرور خمس سنوات على غزو شبه جزيرة القرم واندلاع القتال في شرق أوكرانيا، يبدو السلام في ذلك البلد بعيدا، عن أي وقت مضى... ماذا لو كان بوسع أوروبا أن تقوم بأي شيء للتخفيف من احتمالات تجدد العنف، وهل يظل الاتحاد الأوروبي موحدا في موقفه تجاه روسيا، وخاصة فيما يتصل بالعقوبات؟

- يواصل الاتحاد الأوروبي العمل كل يوم من أجل إحلال السلام في شرق أوكرانيا، والعقوبات جزء من إطار أوسع، فقد قمنا بتعبئة أكبر حزمة مساعدات على الإطلاق من الاتحاد الأوروبي لأي بلد ــ ما يقرب من 14 مليار يورو (16 مليار دولار أميركي) منذ عام 2014، ويشمل هذا أيضا دعما خاصا لبعثة المراقبة الخاص التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وبعثة الاتحاد الأوروبي الاستشارية التي تعمل على إصلاح قطاع الأمن المدني.

نحن نركز بشكل خاص على الحكم المحلي والتنمية المحلية في شرق البلاد، كما نتابع المناقشات التي تديرها الأمم المتحدة حول بعثة محتملة تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام هناك، وإن كنا لم نشهد تقدما كبيرا في هذا الشأن في الأشهر الأخيرة. وأتوقع أن تظل العقوبات الاقتصادية سارية، لأن السبب وراء فرضها ــ والمتمثل في دفع التنفيذ الكامل لاتفاقيات مينسك واستعادة وحدة أراضي أوكرانيا ــ لا يزال قائما.

* هل يمكن بذل المزيد من الجهد لردع روسيا عن التدخل في الانتخابات الأوروبية؟

- الواقع أننا نتخذ في الوقت الحالي عددا من التدابير في التصدي للتحدي المتمثل في التدخل الخارجي، بصرف النظر عن مصدره عبر بناء قدراتنا في مجال الأمن السيبراني؛ وتحسين سبل حماية البيانات الشخصية؛ وضمان شفافية الإعلانات السياسية على الإنترنت؛ وتحسين التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي، ومع شركائنا في مختلف أنحاء العالَم.

كما جعلنا من الممكن فرض العقوبات في حالة شن هجمات سيبرانية، وبهذا نبث رسالة قوية مفادها أننا لن نتسامح مع مثل هذه الأنشطة العدائية وأن عواقبها ستكون وخيمة على من يزاولونها، ولكن هناك خطا آخر من التحركات يحتاج إلى تعزيز، ويتلخص في تمكين مواطنينا من اتخاذ اختيارات ديمقراطية مستنيرة، وهذه أفضل وسيلة لحماية ديمقراطياتنا من أشكال التضليل كافة.

ليبرالية

*كثيرا ما تبدو أوروبا الآن كأنها آخر صوت قوي يدافع عن النظام الدولي الليبرالي ونظام التجارة المفتوحة، فماذا قد تفعل أوروبا لتشجيع الصين والهند وغيرهما من القوى في العالم على الالتزام بشكل أكثر حزما بالنظام الليبرالي؟

- أولاً، يتعين علينا أن نضمن تطبيق أعلى المعايير داخل اتحادنا، للإبقاء على مجتمعاتنا مفتوحة، ومحترمة، وحرة، إنها مسألة انسجام مع قيمنا، لكنها أيضا مسألة تتعلق بمصداقية سلوكنا في الخارج. إلى جانب هذا، نحن نعيش حقا لحظة حاسمة في ما يتصل بحماية وتعزيز نظام عالمي أكثر تعاونية وتعددية، والواقع أن قوى عديدة في مختلف أنحاء العالَم راغبة في التعاون مع الاتحاد الأوروبي للحفاظ على الأسواق المفتوحة وجعل المؤسسات العالمية لائقة بعالمنا المتعدد الأقطاب، صحيح أننا لا نتقاسم جميعا نفس المبادئ والقيم، كما أننا نعلم أن حقوق الإنسان في أجزاء عديدة من العالَم تعاني في أيامنا هذه، لكن أفضل طريقة لتعزيز حقوق الإنسان، أو شكل أكثر عدالة من العولمة، من الممكن أن تأتي من خلال التواصل مع كل المحاورين.

نحن القوة الوحيدة التي تشارك في حوار منتظم بشأن حقوق الإنسان في مختلف أركان العالَم، ويضم جيلنا من الاتفاقيات التجارية تدابير حماية قوية لحقوق العمال، والملكية الفكرية، والبيئة، وهي اتفاقيات من أجل تجارة حرة ونزيهة. والآن حان الوقت لكي يضع الاتحاد الأوروبي نفسه في قلب شبكة من الشركاء المتماثلين في مختلف أنحاء العالَم، شبكة تروج للتعددية وتعمل على تعزيزها وتدعم نظاما دوليا قائما على القواعد.

تراجع وزن أوروبا

* لماذا تناقص وزن أوروبا في جوارها، لاسيما عندما يتعلق الأمر بتشكيل الأحداث في تركيا، وليبيا، وسورية؟ هل يشير هذا إلى أن أوروبا لن تكون واحدة من القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين؟

- مصيرنا في أيدينا، وإذا كنا راغبين في الاضطلاع بدور حاسم، لا في منطقتنا فقط بل أيضاً على مستوى العالم، فنحن نملك كل الأدوات الصحيحة التي تكفل لنا القيام بهذا، كما نملك الثِّقَل اللازم لتحقيق هذه الغاية، واسمح لي أن أضيف أن هذا أيضا ما يتوقعه منا شركاؤنا في مختلف أنحاء العالم، لاسيما في هذه الأوقات العصيبة. وللاضطلاع بهذا الدور، ينبغي للأوروبيين أن يدركوا حقيقة حجمهم وقوتهم عندما يعملون معا كاتحاد، وعندما يركزون بشكل أكبر على المسؤولية التي يمكننا أن نمارسها على الساحة العالمية إذا قاومنا إغراء السياسات التي تهتم بالداخل فحسب ــ أو بالأحرى السياسة.

إن الافتقار إلى الثقة في الأدوات والوسائل المتاحة لنا هو أعظم أعدائنا، فالاتحاد الأوروبي يمتلك قدرا غير مسبوق من «القوة الناعمة» ــ في ما يتصل بالاقتصاد، والدبلوماسية، والثقافة ــ ونحن نشطون على نحو متزايد ككيان حريص على توفير الأمن العالمي، وبناء قوتنا «الصارمة» كما لم يحدث من قبل قَط، ونحن في سورية وليبيا لا نضطلع بدور عسكري وأنا فخورة بهذا فقد جلب العنف المزيد من العنف، في حين كنا نعمل دوما من أجل حلول سلمية وقائمة على التفاوض.

هل يعني هذا أننا عاجزون؟ العكس تماماً هو الصحيح، ففي الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، شاركت أكثر من خمسين دولة ومنظمة في حوار بدأناه بشأن سورية، لدعم العمل الصعب الذي تقوم به الأمم المتحدة هناك، ويدرك الجميع أن الدور الذي يضطلع به الاتحاد الأوروبي في سورية وليبيا فريد ولا يمكن الاستعاضة عنه بأي دور آخر، فنحن نتحدث مع الأطراف كافة ونعمل كوسيط نزيه وشريك لا غنى عنه في الجهود الرامية إلى ضمان السلام، والأمن، والاستقرار، وفي كثير من الأحيان لا نقدر إمكاناتنا وقوتنا حق قدرها، وفي بعض الأحيان يرى شركاؤنا إمكاناتنا وقوتنا بقدر أكبر من الوضوح مقارنة بنا نحن الأوروبيين.

تداعيات الـ«بريكسيت»

* ما الأثر الذي قد يخلفه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على استراتيجيته الأمنية؟ وهل يساعد خروجها في صياغة إجماع أقوى؟

- لا يساورني أدنى شك في أن مستقبلنا يستند إلى الشراكة الوثيقة والتعاون، وإذا نظرت إلى ما حدث منذ استفتاء الخروج البريطاني في عام 2016، فسوف تتبين أننا لا نزال نتخذ قراراتنا بالإجماع بشأن السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية، فكان رد فعلنا موحدا في التعامل مع الهجوم بغاز الأعصاب في ساليزبوري في إنكلترا في وقت سابق من هذا العام؛ ونحن نواصل العمل معا عندما يتعلق الأمر بالإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران؛ كما نلاحق أهدافا مشتركة في أوكرانيا، وسورية، وأفغانستان، وميانمار، وأماكن أخرى.

في الأشهر المقبلة، سأقدم اقتراحا بشأن ابتكار طريقة جديدة للتعاون مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية التي تشارك في عمليات الاتحاد الأوروبي المدنية والعسكرية، أو تلك التي ترتبط خلافا لذلك بسياساتنا الأمنية والدفاعية، وسوف يكون هذا أيضا جزءا أساسيا من علاقتنا مع المملكة المتحدة في المستقبل، وسوف نسعى إلى إيجاد السبل لإشراك الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في المشاريع الدفاعية التي يجري إطلاقها بموجب إطار التعاون الدائم المنظم.

* ظل المحرك الفرنسي الألماني فترة طويلة يُعَد عنصرا أساسيا في صياغة وتنفيذ سياسات الاتحاد الأوروبي الناجحة، على المستويين الداخلي والخارجي، وطوال سنوات، قيل لنا إن ألمانيا كانت تنتظر ظهور شريك فرنسي فعّال، ويبدو أن الألمان وجدوا في الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضالتهم، لكن ألمانيا ذاتها، المبتلاة بنوع من الشلل السياسي، تبدو الآن كأنها تنغلق على ذاتها، فإلى أين تتجه العلاقات الفرنسية الألمانية في العام المقبل في اعتقادك؟

- كان التكامل الأوروبي في الأصل مدفوعا بالمحرك الفرنسي الألماني، لكن المشروع كان دائما أكبر من ذلك كثيرا، وكان يستمد قوته من جاذبيته، وقبل عامين، عندما قررنا اتخاذ بعض الخطوات غير المسبوقة نحو إنشاء «أوروبا الدفاع»، حظيت على الفور بدعم وزراء الدفاع في أربع دول: فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، ولكن بعد أقل من عام، ارتفع عدد الدول الأعضاء الموافقة على إطار التعاون الدائم المنظم إلى 25 دولة. وعندما تتضح القيمة المضافة لاتحادنا، مع تجلي فوائد التعاون والتكامل، تركز كل الدول الأعضاء على مصالحها المشتركة وتمضي قدما إلى الأمام.

محاربة الشعبوية

* ماذا يتعين على السياسة الخارجية أن تفعل لمحاربة الشعبوية في اعتقادك؟

- لا أحب تعبير «الشعبوية»، وأظن أن كثيرين فقدوا الثقة في المؤسسات، جميعها، ولكن في أغلب الدول الأوروبية، يحظى الاتحاد الأوروبي بقدر من الثقة أكبر من ذلك الذي تحظى به المؤسسات الوطنية. وتتلخص ردة فعل بعض القوى السياسية في تحويل اللوم وإيجاد كبش فداء، إذ تأتي الحكومات إلى بروكسل، وتتخذ القرارات بالإجماع، ثم تلقي بلائمة النتائج على الاتحاد الأوروبي، لكن الاتحاد هو ما نختار له أن يكون، ونحن نتحمل مسؤولية جمعية عن إنجاحه، فهو يمثل انعكاساً لإرادتنا السياسية الجمعية.

في السنوات القليلة الأخيرة، كانت سياستنا الخارجية حريصة على تطوير وحماية مصالح وقيم المواطنين الأوروبيين على النحو الذي ما كان لأي دولة أن تتمكن من تحقيقه بمفردها. وفي عالَم اليوم، تُصبِح حتى «أكبر» الدول الأعضاء صغيرة، ويصبح من المستحيل ممارسة السيادة الوطنية بفعالية إلا من خلال الاتحاد الأوروبي، فنحن أكثر فعالية في التفاوض على الاتفاقيات التجارية باعتبارنا السوق الأكبر في العالَم مقارنة بما قد تنجزه 28 دولة منفصلة، كما يصبح تأثيرنا عندما نتعامل مع قضية تغير المناخ بشكل جماعي أعظم من أي تأثير قد يتأتى إذا تحركت كل دولة وفقاً لوتيرة العمل التي تختارها، ونحن ندرك الفوائد المترتبة على التعاون فيما بيننا عندما يتعلق الأمر بتعزيز الأمن في البلدان الشريكة، ونحو أقوى وأكثر فعالية معا.

الواقع أن أولئك الذين يريدون تفكيك أو إضعاف الاتحاد الأوروبي يحاولون إضعاف الأداة الأكثر قوة لدينا لممارسة سيادتنا وقد يصب هذا في مصلحة منافسينا في العالَم، ولكن من المؤكد أنه لا يصب في مصلحة المواطنين الأوروبيين.

* إذا شهدت انتخابات البرلمان أوروبي المقبلة صعوداً للشعبوية، فما الدروس التي ينبغي لبروكسل أن تستقيها من هذا الأمر؟ وما المسار الجديد الذي توصين به؟

-أيا كانت نتائج الانتخابات، فلابد من استخلاص الدروس ليس فقط «في بروكسل» بل أيضا في أرجاء الاتحاد كافة، وخاصة في عواصم الدول الأعضاء. والواقع أن سياسات الاتحاد الأوروبي وتصرفاته تتحدد من خلال عملنا الجماعي، وهو نابع من إرادتنا السياسية، وإذا نجح هذا فهو نجاح لنا جميعا؛ وإذا فشل فالمسؤولية عن الفشل جماعية، والمشكلة تمس الجميع، ولا أحد مستثنى.

إن الاتحاد الأوروبي ليس بناية في بروكسل، فهو مشروع يضم 500 مليون مواطن، وحكوماتهم الوطنية، وأعضاء البرلمان الذين ينتخبونهم لتمثيلهم، والمفوضية الأوروبية التي ينتخبها أعضاء البرلمان، وفي اعتقادي الشخصي فإن الأوروبيين يحتاجون إلى اتحادهم، ويتعين عليهم أن يغيروا بعض السياسات التي أقرها الاتحاد الأوروبي، وقد بدأنا نفعل هذا في السنوات الأخيرة: تعميق التكامل الأوروبي في مجالات الأمن والدفاع؛ وترسيخ سياسة خارجية قوية وموحدة لتنظيم تدفقات الهجرة؛ وإطلاق الخطة الاستثمارية الأكبر على الإطلاق لأوروبا وأفريقيا.

يريد بعض أصحاب المصلحة تغيير سياسات الاتحاد الأوروبي لتحسينها ــ وربما بشكل جذري ــ لكن آخرين يريدون تدمير الاتحاد، ويتعين علينا أن نتوخى الحذر، لأن الدمار قد يبدو فاتناً في نظر كثيرين في زمن الإحباط، ومع ذلك، يظل سر التغيير كامناً في التركيز على بناء الجديد، وليس هدم القديم، وأتمنى أن يكون هذا ممكنا في عام 2019.

* في حديثك أمام البرلمان الأوروبي مع مؤسس شركة ميكروسوفت المشارك بِل غيتس في أكتوبر، تحدثت عن ضرورة أن يكون الاتحاد الأوروبي «أنانياً بسخاء» في علاقته المستقبلية مع إفريقيا، هل يمكنك أن تشرحي لنا كيف ترين هذا في الممارسة العملية؟ وما التوازن الصحيح بين التضحية بالقيم وتثبيط الرغبة في الهجرة؟

- ليس هناك ما يدعو إلى التضحية بالقيم، الواقع أن العكس تماما هو الصحيح، ومن الواجب علينا أن ندرك أن مصالحنا وقيمنا تتوافق، وقيمنا تملي علينا تمكين كل الناس من ممارسة الحق في ملاحقة أحلامهم وتطلعاتهم، والإسهام في الحياة العامة في بلدانهم، وأن يعيشوا متحررين من الخوف، من الواضح أن العديد من الأفارقة محرومين من هذه الحقوق، وهذا كفيل بتعويق الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها القارة.

نحن الأوروبيون لدينا مصلحة في تعزيز قوة إفريقيا، لأن هذا من شأنه أن يجعل أوروبا أيضا قوية، وفي الممارسة العملية، يعني هذا أن إفريقيا تحتاج إلى خلق المزيد من الوظائف، وتحسين التعليم، وتعزيز قوة الديمقراطيات، ودعم التنمية المستدامة، فضلا عن توفير بيئة أمنية أكثر استقرارا. إن القرار الذي يتخذه المرء بالرحيل عن موطنه الأصلي ليس بالأمر السهل أبدا، ويود شباب إفريقيا لو يكون بوسعهم أن يجدوا الفرص التي يبحثون عنها داخل بلدانهم، وهم يرغبون في تغيير الأنظمة الاقتصادية والسياسية في بلدانهم، بدلاً من تغيير بلدانهم بالكامل، وهذا هو ما يطلبه منا الأفارقة: أن نعمل معهم حتى يتسنى لهم أن يساعدوا إفريقيا في تحقيق إمكاناتها الهائلة.

* هل تشير التطورات الأخيرة في النهج الخارجي الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الهجرة في أماكن مثل إفريقيا والشرق الأوسط إلى الابتعاد عن «الاستجابات الطارئة» والانتقال إلى الحلول الطويلة الأجل؟

-ليس فقط التطورات الأخيرة، إذ كان هذا هو هدف عملنا الخارجي في مجال الهجرة منذ البداية، واسمحوا لي أن أذكركم بالوضع قبل ثلاث سنوات: كان المئات من البشر يموتون كل يوم تقريبا في البحر الأبيض المتوسط وصحراء شمال إفريقيا، وحتى ذلك الوقت، لم يكن الاتحاد الأوروبي مهتما بظاهرة يعتبرها خارج نطاق اختصاصه، ويرى أنها تحدث في الإطار الحصري للدول الأعضاء فرادي.

لكن هذا تغير أخيرا، فكان علينا أن نخلق استجابة طارئة لإنهاء المذبحة، وقد قمنا بهذا في إطار العملية صوفيا في البحر والصندوق الائتماني للطوارئ لتمويل عملنا مع إفريقيا، في الوقت نفسه، بدأنا نعمل على إيجاد نظام أفضل لإدارة تدفقات الهجرة ومعالجة أسبابها الطويلة الأجل، وقد بدأنا بتدريب القوات الأمنية المحلية؛ وعملنا على عودة المهاجرين طوعيا، مع توفير الفرصة لبدء حياة جديدة؛ وأنشأنا خطتنا الاستثمارية لإفريقيا وجوار أوروبا.

اليوم، أعتقد أننا ندرك جميعا أن النهج الصحيح يتمثل في إقامة شراكات مع دول المنشأ والعبور، ومع منظمات مثل الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي، واليوم يتعين علينا أن نغير المسار في التعامل مع السياسات الداخلية التي تحكم الهجرة وأن نعزز مبدأ التضامن بين الأوروبيين والذي يظل محل معارضة كبيرة من قِبَل بعض الدول الأعضاء.

في الوقت نفسه، يتعين علينا أن نواصل على نفس المسار فيما يتصل بسياساتنا الخارجية بشأن الهجرة، وهذا يعني الحصول على المزيد من الاستثمارات من الدول الأعضاء، وتجنب أي تراجع، وبذل المزيد من الجهد لفتح مسارات آمنة ومنتظمة لتنقل البشر.

* لقد شاركت في وقائع ومفاوضات تؤثر على مجرى الشؤون العالمية... فهل ترغبين في العودة إلى أي منها بالدرس والتحليل؟

-في وظيفتي، المهم هو التطلع إلى الأمام، وليس النظر إلى الوراء، ربما يبدو هذا واضحا، ولكن هكذا هي الحال، فلا يمكنك أن تغير الماضي؛ يمكنك فقط أن تركز على تشكيل الحاضر والمستقبل، وهذا يعني وضع أهداف طموحة لكنها واقعية، وبناء الشراكات لمحاولة تحقيق هذه الأهداف مع الآخرين، بطريقة تعاونية.

* مع اقترابك من إتمام فترة ولايتك كمفوضة سامية للاتحاد الأوروبي، ما هي في اعتقادك أهم ثلاثة أمثلة للقيمة المضافة المستمدة من خدمة العمل الخارجي الأوروبي، مقارنة بالترتيبات المؤسسية السابقة لمعاهدة لشبونة؟

-ما زلت أتذكر المناقشات التي دارت قبل عشر سنوات، عندما نالت معاهدة لشبونة موافقة الدول الأعضاء، كان كثيرون يعتقدون أن مهمة الممثل الأعلى ستكون مستحيلة، مع تكليفه بثلاث مهام ــ نائب رئيس المفوضية، ورئيس مجلس الشؤون الخارجية، ورئيس هيئة الدفاع الأوروبية، والواقع أن التصور البديهي وراء هذا التوصيف الوظيفي كان مبررا بشكل كامل، فالاتحاد الأوروبي يمتلك مجموعة لا نظير لها من أدوات السياسة الخارجية والأمنية، ومن خلال هذه الوظيفة الثلاثية فقط يصبح من الممكن تعبئة كامل إمكاناتنا في التعامل مع السياسة الخارجية.

هذا يعني أنني أتولى رئاسة اجتماعات وزراء الخارجية والدفاع والتنمية، كما أشارك في أعمال المجلس الأوروبي، وأتولى أيضا تنسيق عمل مجموعة المفوضين التي تتعامل مع العمل الخارجي، وأعمل مع المسؤولين العسكريين والمدنيين فيما يتصل بالقضايا الأمنية والدفاعية. وأستطيع أن أعتمد على خدماتنا الدبلوماسية الرائعة، مع المحترفين الموهوبين في المقر الرئيسي وفي إطار شبكة تتألف من 140 سفارة في مختلف أنحاء العالَم.

في غياب كل هذا، ما كان عملنا لبناء «أوروبا الدفاع» ليصبح في حكم الممكن، وما كانت شراكتنا مع إفريقيا ــ بدءا بالهجرة، ولكن استمرارا إلى ما يتجاوز ذلك كثيرا ــ لتتحقق، وينطبق نفس القول على الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقياتنا التجارية في مختلف أنحاء العالَم، والحوار بين صربيا وكوسوفو، وكل العمل الحيوي الذي نقوم به مع دول البلقان في سبيل إحلال السلام، والمصالحة، والتكامل الإقليمي، والتنمية الاقتصادية في قلب أوروبا.

انسحاب أميركا من «الصواريخ النووية» يهدد أمنها وأمننا

اعتبرت موغيريني أن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بالانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى إشارة واضحة إلى أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا مازالت متوترة بنفس القدر الذي كانت عليه طوال ثلاثة عقود من الزمن، لافتة إلى أن أوروبا لم تكن قادرة على اتخاذ خطوات حاسمة في الدفاع عن النظام العالمي للحد من التسلح، «فماذا قد يكون بوسع الاتحاد أن يفعل للحفاظ على الاستقرار النووي في أوروبا، وتجنب استئناف سباق التسلح الصاروخي في القارة؟».

وأضافت أن تلك المعاهدة ساهمت في إنهاء الحرب الباردة، ولا أحد في أوروبا يريد العودة إلى تلك الأيام القاتمة، حينما كانت أوروبا ساحة معركة دارت رحاها بين قوى عظمى، «وقد عشنا جميعا تحت التهديد المباشر المتمثل في احتمال اندلاع حرب نووية، ويصب منع سباق تسلح جديد في مصلحتنا الجمعية، ولهذا السبب طلبنا من الولايات المتحدة أن تتأمل في العواقب التي قد يخلفها انسحابها المحتمل من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى على أمنها الشخصي، وعلى أمننا الجمعي، ونحن نتوقع أن يعكف الاتحاد الروسي على معالجة مخاوف حقيقية بشأن امتثاله للمعاهدة، والواقع أن بنية نزع السلاح ومنع الانتشار النووي الحالية لابد أن تكون أكثر عالمية، كضمان للجميع».

وتابعت: «نحن، الأوروبيين، نعمل على جميع المستويات لتعزيز عالمية الاتفاقيات القائمة، مثل مدونة قواعد السلوك الدولية لمنع انتشار الصواريخ الذاتية الدفع (البالستية)، ومن غير الممكن أن تكون نقطة البداية تفكيك البنية الحالية والبدء من الصِّفر، فهي مخاطرة لا قِبَل لأحد بتحمل تبعاتها، فمنع الانتشار مجال لابد فيه من ممارسة المسؤولية الجمعية، لأن المخاطر التي تهدد الجميع هائلة».

* مارك ليونارد - «بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع الجريدة.

رفضتُ دائماً استخدام تعبير أنه «يتعين على الاتحاد الأوروبي الغناء بصوت واحد»... لأن تعددنا موطن قوتنا ولكن يتعين علينا غناء نفس الأغنية بطريقة منسجمة أشبه بجوقة

في عملي اليومي أرى وحدة الغرض وقرارات مشتركة وتحركات منسقة ولا أعتقد أن هذا الاتجاه محل طعن

نحن القوة الوحيدة التي تشارك في حوار منتظم بشأن حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم

الافتقار إلى الثقة في الأدوات والوسائل المتاحة هو أعظم أعدائنا

لدينا مصلحة في تعزيز قوة إفريقيا لأن هذا من شأنه أن يجعل أوروبا أيضاً قوية

فخورة لعدم اضطلاعنا في سورية وليبيا بدور عسكري فقد جلب العنف مزيداً من العنف في حين كنا نعمل دوماً من أجل حلول سلمية

في المسألة الإيرانية كثيراً ما أسمع أن أوروبا تتصرف مدفوعة باعتبارات اقتصادية أو تجارية لكن هذه ليست الحال فنحن نسعى لمنع تفكيك اتفاقية منع الانتشار النووي الناجحة حتى الآن ومنع حدوث أزمة أمنية كبرى

مصيرنا في أيدينا وإذا كنا راغبين في الاضطلاع بدور حاسم على مستوى العالم فنحن نملك كل الأدوات الصحيحة التي تكفل لنا القيام بهذا كما نملك الثِّقَل اللازم لتحقيق هذه الغاية
back to top