قالوا عن الأندلس

نشر في 29-12-2018
آخر تحديث 29-12-2018 | 00:01
 يوسف أحمد المنديل إذا ذكرت الأندلس فإنك تذكر الفردوس المفقود، البلاد التي بكى عليها الشعراء بقصائدهم، ووصـفها القائـد المـسلم في رسـالة للخليفة الأموي بأنها «شامية في طيبها وهوائها، يمنية في اعتـدالها واسـتوائها، هنديـة في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جباياتها، صينية في معادن جواهرها، عدنية في منـافع سواحلها»، وإذا ذكرت بلاد الأندلس فإنك تذكر البلاد الإسلامية العربية والبلاد الذهبية التي أحيت أوروبا بصناعاتها وتقدمها وأدبها.

قال شاعر الطبيعة ابن خفاجة:

يا أهل الأندلس لله دركم

ماء وظل وأنهار وأشجار

ما جنة الخلد إلا في دياركم

ولو تخيرت هذا كنت أختار

وبعد أن فقدها أهل الإسلام رثاها الشعراء بقصائد سكبوا فيها العبرات، على غرناطة وإشبيلية وطليطلة وملقة وبلنسية ورندة ومرسية وسرقسطة، وغيرها من مدن الأندلس، والتي يحفل تراثهم فيها بمؤلفات علمائها وآرائهم وسيرهم، ولهم فيها حوادث تذكر وقصص وعبر، ومن حب العرب للأندلس المفقود سميت أحياء سكنية في كثير من البلاد العربية بأسمائها.

إليك كلمات المستشرق الإنكليزي استانلي بول في كتابه الرائع: «قصة العرب في إسبانيا» الذي تناول فيه تاريخهم منذ الفتح، وحتى إخراج آخرهم منها، عن هذه النهاية المأساوية يقول: «الإسبان لم يدركوا أنهم قتلوا الإوزة التي تبيض بيضة من ذهب في كل يوم، فقد بقيت إسبانيا قروناً في حكم العرب وهي مركز المدنية، ومنبع الفنون والعلوم ومثابة العلماء والطلاب، ومصباح الهداية والنور، ولم تصل أي مملكة في أوروبا إلى ما يقرب منها في ثقافتها وحضارتها، ولم يبلغ عصر فرديناند وإيزابيلا القصير المتلألئ، ولا إمبراطورية شارل الخامس، الأوج الذي بلغه المسلمون في الأندلس».

ويضيف أن «حضارة العرب بقيت إلى حين خروجهم من إسبانيا وضَّاءة لامعة، ولكن ضوءها كان يشبه ضوء القمر الذي يستعير نوره من الشمس، ثم أعقب ذلك كسوف بقيت بعده إسبانيا تتعثر في الظلام، وإنا لنحس فضل العرب وعظم آثار مجدهم، حينما نرى بإسبانيا الأراضي المهجورة القاحلة، التي كانت في أيام المسلمين جنات تجري من تحتها الأنهار، تزدهر بما فيها من الكروم، والزيتون، وسنابل القمح الذهبية، وحينما نذكر تلك البلاد التي كانت في عصور العرب تموج بالعلم والعلماء، وحينما نشعر بالركود العام بعد الرفعة والازدهار»!

قال أبو البقاءالرندي الأندلسي، رحمه الله، عن بلاده بعدما انتُزِعت من أيدي المسلمين:

حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما

فـيـهنَّ إلا نـواقيسٌ وصُـلبانُ

حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ

حـتى الـمنابرُ ترثي وهي عيدانُ

قال ابن شهيد الأندلس في رثاء قرطبة:

فلمثل قرطبة يقل بكاء من

يبكي بعين دمعها متفجر

انتهت الأندلس ولكن لم تُطوَ صفحتها، فسبعة قرون كانت لامعة مشرقة، مازال التاريخ يحتفظ بما وصلت إليه من تقدم وازدهار.

back to top